جميل كان غير

نشر في 14-03-2017
آخر تحديث 14-03-2017 | 00:10
 عبدالمجيد الشطي قابلت المهندس جميل السلطان أول مرة عام 1974، في مدينة صغيرة بولاية كولورادو، مع مجموعة من الأصدقاء.

جميل كان غير... عرفته شخصياً ومهنيا و"غير"، إلى أن غادر الدنيا يوم أمس.

كان مهندساً مبدعاً ومفكرا ومبادرا اقتصاديا فذا، صلب المراس، تحدى النمط العام، ربح أحيانا كثيرة، وخسر أحيانا أخرى. لكنه ظل جميلا محبا للإبداع والعمل وعمل الخير.

عندما عُدت من أميركا في مطلع الثمانينيات إذا بي أجد هذا السوق المركزي الكبير "مركز سلطان" الشبيه بمحلات السوبر ماركت الكبيرة على النمط الأميركي. كان جميل ضمن المؤسسين له هو وأسرته الكريمة. لم يكن المكان محلاً للتسوق فقط، لكنه أدخل نمطاً أكثر كفاءة وأعلى جودة وأفضل في الخدمة مما تعودنا عليه في الجمعيات التعاونية، وشكل تحديا لها لتحسين خدماتها، وفتح آفاقاً جديدة للآخرين لتأسيس محلات مثله.

وعندما بدأت الهيئة العامة للاستثمار بيع حصصها في الشركات المساهمة كان من الأوائل الذين وجدوا فيها فرصة استثمارية ذهبية، فاستحوذ على حصص مؤثرة في كل من الشركة الوطنية العقارية وشركة المخازن العمومية، واستطاع ان يحولهما من شركات حكومية راكدة إلى قصص نجاح. ففي "الوطنية العقارية" نفذ مشروع سوق شرق، وأنشأ المنطقة الحرة في أرض سبخة بعيدة عن الاهتمام قرب ميناء الشويخ، وحولها إلى منطقة عمرانية تجارية نموذجية، إلى أن أتى معول التفكير الحكومي الجامد المهتم بالناطور لا بالعنب، وحولها إلى منطقة شبيهة بالأطلال لا أحد يهتم بها، فخسر الجميع.

وساهم السلطان في تحويل شركة المخازن العمومية "أجليتي" من شركة مخازن حكومية شبيهة بمخازن وزارة التربية إلى شركة عالمية لوجستية عملاقة تدار بمهنية عالية تنافس في شتى أنحاء العالم، وتمثل قصة نجاح للقطاع الخاص ونموذجاًَ للخصخصة.

وخلال السنوات الأخيرة بدأ اهتمامه بالزراعة وتربية الابقار، فكان جميل كالعادة غير. ما عليك إلا ان تزور "مزرعة الياسمين" في الوفرة لتعرف أن جميل السلطان كان غير، ليس فقط في إدخال التكنولوجيا ونظافة المكان ونمط الزراعة وطريقة تربيته للبقر والأغنام، بل في معاملته للعاملين في المزرعة. فسكن العمال في المزرعة مبهر ومن الطراز الأول، منظم ونظيف وفيه شتى وسائل الراحة، لأنهم هم أساس العمل.

ولإيمانه بأهمية التعليم المتميز كان من المساهمين الأوائل في إدخال التعليم العالي الخاص إلى الكويت، محاولا تغيير نمط التعليم التقليدي، فساهم في إنشاء كلية ماسترخت، بالتعاون مع جامعة ماسترخت الهولندية، لتقدم برامج الماجستير في ادارة الاعمال.

حتى مطعم الفول والفلافل "بس فول بس فلافل" الذي افتتحه في السنوات الاخيرة كان غير عما تعودنا عليه من مطاعم حولي والسالمية ودوار السينما في شرق.

كان يقول دائما: "أنا تاجر ابي أربح"، لكنه لم ينسَ أعمال الخير، فمن أعماله أنه افتتح محله "حفيز" في سوق شرق ليذهب ريعه لأعمال الخير، وأنا متأكد أن له أعمال خير كثيرة لا أعرفها، لكني أعرف أنه وأسرته الكريمة أسسوا مؤسسة السلطان التعليمية التي تساهم في تعليم الطلبة العرب منذ زمن بعيد.

حتى في تحديه المرض, جميل كان غير.

جميل، رحمه الله، كان غير في تحديه للنمط العام في المجتمع، وكان من النوع الذي ساهم في التغيير. منذ يومين بعث لي صديق عزيز عن جائزة تقدمها جامعة MIT لمن يكسر القوانين النمطية ويتحداها... جميل السلطان أحد الأشخاص الذين كان من السهل عليه المنافسة لنيل هذه الجائزة.

رحمك الله بوفيصل.

*اقتصادي كويتي

back to top