تماثيل

نشر في 06-03-2017
آخر تحديث 06-03-2017 | 00:10
تاريخ المدرسة تاريخ ناصع البياض، مثالي الأحداث، في حين أن تاريخ الكتب تاريخ رمادي في معظم مواقعه، سياسي النبرة، صراعي الفحوى، تاريخ استشكالي جهلنا حول إشكالياته هو أحد أهم أسباب تيبسنا الحالي، لا نحن قادرون أن نتحرك للأمام ولا نحن قادرون أن نعود للخلف، نحن في مكاننا تماثيل.
 د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب من أكثر الأمور إشكالية وإحراجاً للمسلمين هو قصور المعرفة بالقراءات المتعددة المختلفة للتاريخ الإسلامي. كبرنا وقرأنا واكتشفنا أن النسخة التاريخية التي ندرسها في المدرسة هي نسخة شديدة التنقيح، عظيمة التجميل، نسخة تخفي أكثر مما تظهر، نسخة غير قابلة للنقد أو التمحيص، في صلبها مبدأ صارم لحقيقيتها التي لا تقبل الجدل. تاريخ المدرسة تاريخ ناصع البياض، مثالي الأحداث، في حين أن تاريخ الكتب تاريخ رمادي في معظم مواقعه، سياسي النبرة، صراعي الفحوى، تاريخ استشكالي جهلنا حول إشكالياته هو أحد أهم أسباب تيبسنا الحالي، لا نحن قادرون أن نتحرك للأمام ولا نحن قادرون أن نعود للخلف، نحن في مكاننا تماثيل.

أبحاث مطولة مفصلة قدمت في موضوع تاريخ كتابة القرآن، الرائدون فيها هم في الواقع الألمانيون، والذين لهم دراسات مفصلة حول التاريخ واللغة كذلك، وهذه أبحاث شائكة وخطيرة بلا شك، إلا أنها تستحق ليس فقط عناية الباحثين المسلمين، بل الكشف التام عنها كذلك لكي يكونوا جزءاً من تيار انتشار المعلومة الحالي لا حطباً مقاوماً في خضمه. لم يعد لإخفاء المعلومة أو تزويرها أو تجميلها من نتيجة سوى تعزيزها لضعف الجانب المراقب وخوفه من كشف الحقيقة، وتلك نتيجة لا يترجاها أحد تجاه عقيدته.

وماذا عن فروض يومية يأتمر بها المسلمون ولا يعرفون كيفية تشكيل الأمر بها والظروف التاريخية المصاحبة لتنفيذها، لربما المثال الأوقع هنا هو لفرض الحجاب؟ ماذا عن القصص الخفية للكثير من الرموز المهمة في التاريخ الإسلامي، إشكاليات حول إسلامها وأهدافها، تضارب في التواريخ والأعمار واضحة عند قراءة تواريخها؟ ماذا عن القصص المسرودة في القرآن، والتي على روعتها وجمال سردها كان لها تاريخ سابق في كتب أقدم؟ ثم هناك المباحث المحرجة التي لا تضع المسلمين في مواجهات مؤذية فقط بل توفر وقودا قويا لمن يرغب بالتطرف والتشدد: مباحث العبودية، ضرب المرأة وملكيتها الجسدية للرجل، الموقف تجاه المسيحيين واليهود، وغيرها مما لا يمكن ذكره، وهو لا يمكن ذكره بسبب موضوع المقال تحديداً، لا يمكن قول المزيد لأن المزيد غير مسموح، فهو إما جزء ظاهر من الثوابت الدينية لا يسمح بمناقشته أو جزء خفي من التاريخ لا يراد سرده، ونبقى نتساءل ونعاني ونبرر في الخفاء.

لن يستمر هذا الحال، فإن نحن رضخنا له فالعالم لن يفعل، وسينشر ما نود إخفاءه، وسيتساءل حول ما حرمنا مساءلته، وسينقد ويناقش ما رفضنا الخوض فيه. ليس لنا خيار، فبرضانا وبكرامتنا يكون أفضل.

back to top