الديمقراطية في الخطاب الإسلامي... تحول أم مراجعة؟

نشر في 11-02-2017
آخر تحديث 11-02-2017 | 00:07
 مبارك الجري بعد انهيار جدار برلين والاتحاد السوفياتي ظهرت عدة دراسات وأبحاث ونظريات تناولت التحولات الدولية سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الفكري أو الاجتماعي، وأبرزها ما تطرق له فرانسيس فوكوياما في كتابه (The End Of History And The Last Man)، ومما لا شك فيه أن الديمقراطية استطاعت أن تحتل مساحة واسعة بين هذه التحولات التي طرأت على مستوى الأنظمة والفكر السياسي.

منذ بداية التسعينيات وحتى الوقت الراهن وموقف تيارات الإسلام السياسي من الديمقراطية متباين وليس على خط واحد، ففي الإسلام السياسي مكونات عدة، وعلى خلاف حول تفسير علاقة الدين الإسلامي بالديمقراطية. وعلى سبيل المثال مازالت هناك تيارات تتعامل مع الديمقراطية بشكل سلبي وترفض قبولها، وذلك لما تحمله من نتائج سياسية واجتماعية مخالفة للشريعة الإسلامية، ويختلف مع هذا المسار تيارات إسلامية أخرى استطاعت أن توازن ما بين الديمقراطية والإسلام، ويطلق بعض الباحثين على هذه التيارات اسم "ما بعد الإسلام السياسي أو الحركات الديمقراطية المحافظة"، ومما لا شك فيه أن هذه الموازنة ناتجة عن مراجعات وأعمال فكرية وتحليلات تاريخية وفلسفية ولغوية لمصطلح "الديمقراطية"، وجزء من هذه الأعمال الفكرية يعود تاريخه إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي!

ومن أهم المراجعات والأعمال الفكرية السابقة، تلك التي صدرت في دراسات وكتابات عديدة تناولت العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، نذكر منها: دراسة الأديب عباس محمود العقاد "الديمقراطية في الإسلام" وكتاب "الحرية السياسية في الإسلام" للمفكر أحمد شوقي الفنجري، وما تناوله المفكر مالك بن نبي في كتابه "حول الديمقراطية في الإسلام"، وكتاب "الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام" للشيخ راشد الغنوشي.

وأعتقد أن من أهم أسباب تجديد الخطاب السياسي الإسلامي وليس الدين الإسلامي، والتصالح مع مفهوم الديمقراطية، تطورات فكرية في المقام الأول لا تكتيك كما يعتقد البعض، وأعني بذلك أن الديمقراطية بعد مراجعات طويلة لها أصبحت تشكل جزءاً مهماً في خطاب بعض الإسلاميين ومنهجهم، كحزب العدالة والتنمية التركي، وحزب العدالة والتنمية المغربي، وحزب حركة النهضة التونسي.

ويتطلب فهم موقف الإسلام من الديمقراطية بحثاً عميقاً وموسعاً في الأدبيات والأطروحات الإسلامية وخصوصاً في الوطن العربي، ففي تونس كتب الشيخ الطاهر بن عاشور عن نظام الحكم، وذكر أن الأمة هي مصدر السلطة، وفي مصر تضمنت كتابات محمد عبده ورشيد رضا رؤية الإسلام للسياسة، وهذه المواضيع بإطارها العام لا تتصادم ولا تختلف مع قيم الديمقراطية.

تمنع الديمقراطية الاستبداد وفردانية الحكم، وتعطي الأمة الحق في تقرير مصيرها واختيار من يحكمها ويسوس أمرها، والتي تحولت إلى أساليب عملية مثل الانتخابات والتعددية السياسية وحق الأقليات في المعارضة، واستقلال القضاء... إلخ. وإذا كانت الديمقراطية في جوهرها ترتكز على العدل والمساواة، فأين الخلل في علاقتها بالإسلام؟ ولماذا حرمها بعض المشايخ وعلماء الدين وأفتى بجوازها البعض الآخر؟ وإذا تباينت واختلفت الفتاوى فهل هذا يعني اختلاف إسلام رجال الدين أم مجرد اختلاف في القراءة؟ وهل يعتبر موضوع الديمقراطية في الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر تحولاً فكرياً أم مراجعة وتطوراً فكرياً؟

back to top