آمال على أوروبا

نشر في 04-02-2017
آخر تحديث 04-02-2017 | 00:04
 حمد الدرباس من الطبيعي أن تتصاعد موجة التعصب في الغرب تجاه المسلمين نتيجة الأحداث الإرهابية الجهادية التي تزايدت كثافتها بشكل مؤسف في السنوات الأخيرة، ولكن من الخطر أن تصل هذه الموجة إلى حد التحكم بالإدارات الأكثر قوة وتأثيراً كما حدث في أميركا، والعيون متجهة الآن إلى أوروبا ومدى قدرتها على مواجهة الموجة.

منذ يوم تنصيب دونالد ترامب رئيساً تحركت المسيرات في أميركا وحول العالم دعما للمبادئ الليبرالية التي يتوعدها ترامب، إلى أن بدأت تتحول إلى احتجاجات في بعض المدن إثر قرار إدارته حظر دخول رعايا بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، ولكن مهما بلغت هذه الاحتجاجات من مدى فستبقى ضعيفة وغير مؤثرة بالمقارنة مع وقع الانتخابات الرئاسية، وخصوصا إذا ما مرر الكونغرس والقضاء مثل هذا النوع من القرارات.

هذا الواقع «الترامبي» الجديد من الممكن أن يتكرر في بعض العواصم الرئيسية في أوروبا مع تصاعد التيار المتطرف في فرنسا وهولندا، مع شيء من الاستثناء لألمانيا التي بدت مريحة مع بداية الأسبوع بعد الانتقاد الشديد الذي وجهه منافس ميركل في الانتخابات القادمة مارتن شولز إلى ترامب إثر قرار الحظر، ولكن بشكل عام فإن القيم الأوروبية القائمة على التسامح وحفظ حقوق الإنسان مهددة أكثر من أي وقت مضى وقابلة للإخفاق.

بعد «بريكست» ونجاح ترامب، أصبحت أوروبا في حالة عزلة بسبب عدم توافق سياسات الأحزاب الحاكمة فيها مع أطروحات ترامب المتطرفة، سواء كان ذلك على مستوى المبادئ الليبرالية، ومنها قضية اللاجئين، أو على مستوى العلاقات الاقتصادية أو حتى من ناحية التحالف العسكري، إلى درجة قيام بعض هذه الحكومات بمراجعة شاملة للأوضاع العسكرية الأوروبية لقياس مدى كفاءتها في حال لو قل اهتمام الأميركان بمسألة مواجهة التمدد الروسي ورعونته، نشرت صحيفة «شبيغل» تقريراً بهذا الشأن بعنوان «شكراً ترامب» بسبب آرائه التي قادتهم للقيام بمثل هذه المراجعة لاكتشاف الأخطاء.

المتغيرات المتعلقة بحقوق الإنسان إن وقعت فستكون لها انعكاسات سيئة على العالم، فالتهاون في مسائل حقوق الإنسان سيعني التوسع في الانتهاكات خصوصا في دول العالم الثالث، ولن يكون هنالك مفر للمضطهدين المستضعفين. هذا لا يعني أن حكومات العالم الثالث ستكون سعيدة بالضرورة، فلتيار ترامب أفكار إمبريالية جشعة فوق العادة تجاه الدول الضعيفة وحكوماتها، وقد صرح علانية بمثل هذه الأفكار، منها على سبيل المثال، ما يتعلق بنفط الموصل وتلميحه إلى السيطرة عليه مستقبلاً في حال اضطر الأميركان للعودة إلى هناك مرة أخرى، وإشارته في لقاء سابق إلى أنه كان عليهم مناصفة الكويت نفطها بعد تحريرها.

ترامب أصبح رئيساً للولايات المتحدة، لكن هذا لا يعني أن الدول الضعيفة غير معنية بالتخفيف من وطأة هذا الفوز عبر العمل على عدم تكراره في أوروبا، من خلال التعاون مع الاتحاد الأوروبي والحكومات المؤثرة فيه والمناوئة لأفكار ترامب، فالاتحاد يقوم على مبادئ حقوقية متقدمة جدا، وله الكثير من المواقف المتميزة الداعمة للسلام ولحقوق الإنسان في المنطقة، ومن السيئ جداً رؤية القيم الأووربية المتسامحة تتقهقر، فهي الدرع الأخير لعالم أكثر مسالمة وأقل وحشية.

back to top