الأمن الصحي حجر أساس في الاستراتيجية الوطنية

نشر في 11-11-2016
آخر تحديث 11-11-2016 | 00:09
 غلف نيوز أظهرت الأحداث العالمية في الأشهر القليلة الماضية أهمية جاهزية نظام الرعاية الصحية لأي بلد للتحرّك بسرعة والاستعداد لمواجهة أي تحدّيات أو تهديدات تواكب عادة حالات الطوارئ والكوارث.

وإذا راجعنا الأعوام السابقة فسنرى أن العقد الماضي شهد عدة حالات طوارئ بارزة من حالات أوبئة الأمراض المعدية، إلى الكوارث الطبيعية والنزاعات والحوادث، وفي حالات كهذه لا بد من وجود استراتيجية حول قدرة القطاع الصحي على التعافي والاستجابة لتلك الحالات، واليوم أكثر من أي وقت مضى.

في عالم يشهد تواصلا متناميا بين الشعوب في أماكن التجمعّات الكثيرة في العالم، تنتشر الأوبئة بسرعة ويمكن أن تتسبّب في موت المئات من المصابين، وتحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى إدراك أهمية الأمن الصحي بسبب الحركة الكبيرة للشعوب بين بلدانها، وتنامي مكانة تلك المنطقة كمركز عالمي للترانزيت واستضافتها العديد من الأحداث الكبيرة.

هناك مناطق كثيرة في العالم تواجه تحديات حالات الطوارئ، منها البرازيل التي استضافت الألعاب الأولمبية ريو 2016، حيث تنامى القلق حول واقع الصحة العامة بسبب الانتشار العالمي لفيروس زيكا، خصوصا أن نحو 500 ألف سائح قصدوا ريو دي جانيرو، وعادوا الى بلادهم مع احتمال حملهم لهذا الفيروس.

وتشير مصادر البنك الدولي إلى أن انتشار فيروس زيكا الذي اجتاح أميركا اللاتينية منذ العام الماضي سيكون له تأثير اقتصادي على بلدان المنطقة يصل إلى 3.5 مليارات دولار أميركي في عام 2016، وفي حالة مشابهة لا بد من الإشارة إلى أن انتشار فيروس إيبولا في 2014-2015 في غرب إفريقيا تسبّب في مقتل أكثر من 11 ألف شخص إضافة إلى خسائر قدّرت بأكثر من 2.5 مليار دولار.

على أي حال كلّما تم رصد أو منع التهديد مبكرا كان تأثيره أقل على الصحة العامة والبنية التحتية والاقتصاد والموارد الوطنية، لذا فإن المراقبة المتكاملة والتجاوب في الوقت المناسب يشكّلان محاور أساسية لأي استراتيجية مرتبطة بالأمن الصحي.

على ضوء ذلك يتطلّب التخطيط والتجاوب مع الأحداث المرتبطة بموضوع الصحة العام تعاونا مكثّفا بين الوحدات الحكومية كالنقل والاتصالات والدفاع المدني والإعلام المملوك من الحكومة، إضافة إلى المستشفيات وجهات التزويد بالمنتجات والخدمات ومصادر الاستجابة الرئيسة.

إن ضمان القدرات التالية على المستوى الوطني هو أمر أساسي للتجاوب المتكامل:

• تحديد المعلومات الوثيقة الصلة بالحالة والمتاحة في الوقت الصحيح والمشاركة بها لقياس الخطر بأفضل صورة والتجاوب بالطريقة الملائمة.

• المجموعة المناسبة من صنّاع القرار من الدوائر الحكومية المعنية لوضع خطة تجاوب سريعة ومحكمة التخطيط.

• إجراءات واضحة والعمل وفق التسلسل الهرمي لتجنب الارتباك والفوضى.

• مبادئ توجيهية لمزودي العناية الصحية حول كيفية الاستعداد لحوادث من هذا النوع.

• التدريب والتدرّب على نماذج من الحالات مع المعنيين الرئيسين لتحضير فريق إدارة الحوادث واختبار فعّالية الاستجابة.

يمكن إنجاز هذا الأمر من خلال تأسيس وحدة استجابة وطنية لشؤون الصحة تتلخص مهمته بالتالي:

- ضمان الوعي الظرفي لتحديد الأحداث والاستجابة حيالها.

- تعزيز الوصول إلى اللوازم الصيدلانية الحساسة (من خلال التخزين أو الإنتاج المحلي).

- المشاركة والدعم في التخفيف من حوادث الصحة العالمية (وباء إيبولا مثلا).

- بناء قدرات وطنية من الجمهور المعني والجهات الخاصة للاستجابة لأي حادث.

- القيام بتدريبات وأبحاث علمية.

- العمل كمصدر موحّد وموثوق للمعلومات المرتبطة بالحدث.

يبدو بناء القدرات الوطنية معقّدا وعالي التكلفة، لكن الاستثمار المطلوب يعوّض بالإجراءات الاحترازية والتوفير الناتج عن الأحداث التي يتم تجنّبها أو التحكّم فيها، ومن حيث التنفيذ هناك بعض الإنجازات التي تتيح نتائج مبكرة وتسرّع عملية التطبيق، وتتضمن تلك الإنجازات، ولا تقتصر على أطر عمل ثابتة ومضمونة النتائج لتوجيه عملية تأسيس وحدة استجابة وطنية، والحلول السحابية لتسريع نشر التكنولوجيا المطلوبة لدعم الوعي الظرفي، مثل Healthmap.org التي تتيح معلومات في الوقت الصحيح حول مجموعة واسعة من الأوبئة المعدية الناشئة.

عملية جمع العديد من المعنيين في الحدث هو إجراء معقد، وتسعى الحكومات بشكل متنام حول العالم للتعاون مع خبراء يساعدونها في أمور الأمن الصحي كجزء من استراتيجيتها الوطنية الشاملة للمخاطر والقدرة على التعافي. وفي الولايات المتحدة الأميركية، مثلا، تضع وحدة العمل الوطنية للاستجابة 15 سيناريوا حول أكبر التهديدات المحتملة للمواطنين، وتتضمن تلك السيناريوهات الهجمات الكيماوية والبيولوجية والنووية، والكوارث الطبيعية كالأعاصير والهزات الأرضية، وتتضمن غالبية تلك السيناريوهات جاهزية في قطاع الصحة، أو مكوّنا للاستجابة للحوادث الصحية.

وفي موقع أقرب، ومع استعداد بلدان الخليج العربي لاستضافة أحداث ضخمة مثل دبي إكسبو في عام 2020، وكأس العالم لكرة القدم فيفا 2022 في قطر، والتي من المتوقّع أن تجذب أكثر من 25 مليون زائر، هناك حاجة لوضع استراتيجية شاملة للأمن الصحي. وسيظهر هذا الأمر للعالم كيف أن بلدان الخليج العربي تصبح بشكل سريع نماذج للتطوّر والجاهزية وأفضل الممارسات العالمية في كل أوجهها، ومن ضمنها استراتيجيات الاستعداد لمواجهة الحالات الطارئة المرتبطة بقطاع الصحة.

* إميل سلهب | Emile Salhab

back to top