خاص

الفيلي: «المذكرة التفسيرية» ملزمة لأنها شرعت بإجراءات الدستور ذاتها

• أكد في دراسة خص بها الجريدة• تضمنها أحكاماً مكملة للدستور
• «التشكيك في إلزامية المذكرة يؤثر على نظامنا الدستوري»

نشر في 05-11-2016
آخر تحديث 05-11-2016 | 00:06
 د. محمد الفيلي
د. محمد الفيلي
أكد الخبير الدستوري أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي أن المذكرة التفسيرية للدستور ملزمة، لأنها شرعت بذات إجراءات تشريع الدستور، كما أنها تتضمن، إلى جوار التفسير الملزم، أحكاما تكمل الأحكام الواردة في الوثيقة الدستورية الأساسية.
وقال الفيلي، في دراسة قانونية خص بها «الجريدة»، بعنوان «حق أفراد الأسرة الحاكمة في الترشح»، إن التشكيك في إلزامية أحكام المذكرة التفسيرية للدستور يقود إلى التشكيك في كثير من الأسس التي يقوم عليها النظام الدستوري بالكويت.
وأضاف أن الوصول لتقرير جواز ترشح أفراد من أسرة الصباح من غير ذرية المغفور له مبارك الصباح، يحتاج فقط إلى تحديد نطاق مصطلح الأسرة الحاكمة، دون التشكيك في الطبيعة الدستورية لهذه المذكرة أو الأحكام الواردة فيها، وفيما يلي نص الدراسة:
حكم منع أفراد الاسرة الحاكمة تم تقريره في المذكرة التفسيرية للدستور، لذلك يحسن كمدخل في نقاش الموضوع التأمل فيها، ثم نعرض إشكالات المنع، ونطاقه.

أولا- إلزامية المذكرة التفسيرية: إلزامية التشريع أساسها إرادة المشرع، فالتشريع من الناحية الموضوعية نص مكتوب يتضمن خطابا تكليفيا يلحق بمن يخالفه جزاء مادي، ولا يتحول هذا النص إلى تشريع إلا عندما تنصب عليه إرادة المشرع، وفق الإجراءات المقررة في النظام القانوني للجماعة، واستقر العمل على أن تقوم الجهة الفنية المكلفة بصياغة التشريع بوضع مذكرة تلحق بالتشريع وتهدف الى توضيح فكرة التشريع واهم احكامه.

وتساعد هذه المذكرة الجهة المختصة بإقرار التشريع في تقرير موقفها من النص محل التداول والإقرار، كما تنشر هذه المذكرة مع التشريع في بعض الدول لفائدتها في حسن فهم النص، مع أنها ليست جزءا من التشريع، لأنها لم تكن محلا للاقرار من قبل المشرع.

نظام نمطي

خصوصية الدستور الكويتي من حيث عدم اخذه بنظام نمطي في عدد من أحكامه هي التي، على الارجح، دفعت بمستشار المجلس التأسيسي د. عثمان خليل عثمان الى اقتراح فكرة غير دارجة في التشريعات، وهي ايداع بعض التوضيحات والاحكام في مذكرة تفسر الدستور وتكمل احكامه.

هذه الفكرة كانت محلا لاعتراض مستشار الحكومة لأن المذكرات الايضاحية ليست تشريعا. وقول مستشار الحكومة سليم من الناحية الفنية، لذلك استقر المجلس التأسيسي على حل منطقي، وإن كان غير دارج، وهو إخضاع المذكرة التفسيرية لذات إجراءات تشريع الدستور. فتم تخصيص جلستين من جلسات المجلس التأسيسي للمناقشة والتصويت عليها لاقرار نص المذكرة التفسيرية، وبذلك اصبحت جزءا من الدستور الكويتي، وعرضت مع نصوص المواد على الامير كي يقع التصديق عليها وفق الاشتراطات المقررة في الدستور المؤقت.

نصوص المذكرة

والمذكرة التفسيرية تتضمن في الواقع ثلاثة انواع من النصوص، ففي بعض أجزائها توضيح للاهداف والغايات، وفي البعض الآخر تحديد لمقصد بعض مواد الدستور، كما انها تحتوي احيانا على أحكام تشريعية تكمل أو تحدد من عموم الحكم المقرر في بعض المواد، ولعل هذا التعدد الموضوعي هو الذي يجعل التعامل معها ليس ميسرا دائما، ويحتاج إلى فهم شمولي لقواعد القانون الدستوري بالكويت. وإلزامية المذكرة التفسيرية للدستور هي أساس مشروعية عدد من الاحكام المستقرة في النظام القانوني الكويتي، مثل جواز التفويض التشريعي وفق الاحكام المقررة في التفسير الخاص بالمادة 50 من الدستور.

واستنادا لتفويض تشريعي صدر بالقانون 23/1967، تم انشاء جهاز الحرس الوطني بمرسوم بقانون عام 1967، وقد صدر هذا المرسوم بقانون اثناء دور الانعقاد استنادا للقانون المذكور.

وأجاز القانون المذكور تفويض الحكومة باتخاذ اجراءات تشريعية وفق الضوابط المقررة في المذكرة التفسيرية للدستور، وهي بصدد تقرير التفسير الخاص بالمادة 50 من الدستور والحكم الخاص بإنشاء الاحزاب السياسية يصلح ايضا مثالا يوضح أسلوب المذكرة التفسيرية بالتشريع.

حكم وجوب صدور قانون لانشاء الاحزاب السياسية ورد في المذكرة التفسيرية للدستور، وهي بصدد تفسير المادة 43 من الدستور، ولولا هذا الحكم الوارد في المذكرة التفسيرية لكان منع انشاء الاحزاب السياسية بالطريقة المقررة في قانون جمعيات النفع العام مخالف للدستور، إذ هي في طبيعتها جمعيات متخصصة تتماثل مع الجمعيات التي كفلت المادة 43 حرية انشائها للافراد ما دامت تقوم على اسس وطنية وبوسائل سلمية.

ولخصوصية المذكرة التفسيرية للدستور في الكويت تجنب البرلمان والحكومة اطلاق هذا الاسم على المذكرات الفنية التي تصاحب مشاريع او اقتراحات القوانين فهذه تتم تسميتها مذكرات ايضاحية.

وثائق الدستور

وبعد العرض السابق نود التعامل مع عدد من التساؤلات:

هل يمكن ان يرد الدستور في اكثر من وثيقة ام ان الدستور هو فقط وثيقة واحدة؟

اذا تأملنا الدساتير المكتوبة في دول العالم نجدها قد ترد في وثيقة واحدة، وقد ترد في وثائق متعددة، مثل الدستور الفرنسي القائم. والدستور الكويتي ورد في ثلاث وثائق كلها لها خصائص القاعدة الدستورية بالمعنى الشكلي، اولها الوثيقة المكونة من ديباجة و183 مادة وثانيها المذكرة التفسيرية وثالثها قانون توارث الامارة.

هل يلزم ان يرد التشريع بشكل واحد ام ان التكليف الذي انصبت عليه اجراءات التشريع يمكن ان يأخذ اشكالا متعددة ما دام موضوعيا هو تكليف، وقد صدر وفق اجراءات التشريع؟

ورود التشريع في فقرات تم الاصطلاح على تسميتها مواد مع اعطاء كل مادة رقما خاصا بها منهج شائع في اعداد القوانين، وقولنا هذا لا يعني عدم إمكان أو جواز ورود الأحكام التشريعية متداخلة مع عبارات لا تتضمن التشريع.

وايراد التشريع في وثائق تختلف من حيث الشكل عن الشكل الشائع للتشريع له امثلة في القانون المقارن، وان لم تكن كثيرة، ومنها مقدمة دستور 1946 الفرنسي والعهد الاعظم في المملكة البريطانية. اذا عدم اتباع المنهج المعتاد في اعداد القوانين يجعل تحديد الاحكام فيها اصعب ولكن لا ينزع عنها صفة التشريع.

ماذا عن موقف المذكرة التفسيرية من موضوع منع أفراد الأسرة الحاكمة من الترشح؟

ثانيا: منع أفراد الأسرة الحاكمة من الترشيح: ورد في المذكرة التفسيرية للدستور في الجزء المعنون بالتصوير العام لنظام الحكم عرض لموضوع موقف الدساتير ذات الطابع البرلماني من تولي اعضاء الاسرة الحاكمة الوزارة وفي ذات السياق تم تقرير حكم خاص في الدستور الكويتي يخالف توجه هذا النوع من الدساتير وهو جواز توليهم الوزارة في الكويت.

سبب المنع

ولتوضيح سبب تبني الدستور هذا الحكم تقرر المذكرة التفسيرية وجود حكمين هما بمثابة السند والمقدمة لهذا الحكم وهما عدم جواز ترشح افراد الاسرة الحاكمة وربط حكم الجواز بالنسبة لتوليهم الوزارة بعدم وجود مجلس اعيان.

وتعرض المذكرة لهذه الاحكام بقولها "وإيراد هذا الحكم الخاص بتعيين وزراء من غير أعضاء مجلس الأمة، مع تعمد ترك ما تتضمنه الدساتير الملكية عادة من نص على (ألا يلي الوزارة أحد أعضاء البيت المالك "أو" أحد من الأسرة المالكة) يؤدي إلى جواز تعيين الأسرة الحاكمة وزراء من خارج مجلس الأمة.

وهذا هو الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم، نظرا لما هو معروف من عدم جواز ترشيح أنفسهم في الانتخابات حرصا على حرية هذه الانتخابات من جهة، ونأيا بالأسرة الحاكمة عن التجريح السياسي الذي قلما تتجرد منه المعارك الانتخابية من جهة ثانية.

ويشفع لهذا الاستثناء في أسلوب الحكم البرلماني بالنسبة إلى الكويت بصفة خاصة كون الأسرة الحاكمة من صميم الشعب تحس بإحساسه ولا تعيش في معزل عنه.

المجلس الواحد

كما يشفع له أيضا كون عدد سكان الكويت قد استلزم الأخذ بنظام المجلس الواحد. فلم يعد هناك مجلس ثان (مجلس شيوخ أو مجلس أعيان) يمكن لأعضاء البيت الحاكم الإسهام عن طريق التعيين فيه في شؤون الدولة العامة".

اذا الفقرة السابقة تقرر وجود احكام وتربطها بالنظام البرلماني في صيغته التقليدية، وهذه الأحكام هي عدم جواز تولي أعضاء الاسرة الحاكمة الوزارة وعدم جواز ترشحهم للانتخابات البرلمانية. وبعد هذا التقرير تقرر الخروج عن القاعدة "المعروفة" في القانون الدستوري المقارن من حيث عدم جواز توليهم الوزارة وتستبقي القاعدة "المعروفة" في القانون المقارن وهي عدم جواز ترشيحهم في الانتخابات البرلمانية. ومن بعد ذلك تورد المذكرة الايضاحية اسباب موقفها.

يلزم تحديد المقصود بأفراد الاسرة الحاكمة، لأننا بصدد المنع من ممارسة حق مقرر لعموم المواطنين، وهذا المنع جائز لأن النص الذي قرره يوازي النص الذي قرر المبدأ، فكلا النصين دستور ولكنه اي المنع يبقى استثناء من الاصل لا يجوز التوسع فيه.

تفسير معنى الأسرة

وفي تفسير معنى الاسرة الحاكمة كما ورد في نص المذكرة التفسيرية نلجأ للعرف المفسر حال وجوده او لقواعد التفسير، أما عن العرف بمعناه الاصطلاحي فهو غير موجود، لانه وإن أعلن عدد من افراد اسرة الصباح عن نيتهم لترشيح انفسهم في الانتخابات في الماضي الا انهم، وفق المعلومات المتاحة، لم يسجلوا ترشحهم في وقت سابق على تسجيل ترشح السيد مالك حمود مالك الصباح. عدم تسجيل الترشح في واقعة سابقة لم يضعنا أمام الاختبار الحقيقي الذي يسمح بالقول بوجود العرف، بالمعنى الاصطلاحي المستخدم في القانون الدستوري، فلم تقبل السلطات العامة او ترفض طلب الترشح لانه لم يعرض عليها.

باستبعاد وجود العرف الدستوري المفسر في هذا الموضوع يصبح أمام مفسر النص تفسيران محتملان، الاول هو ان المنع يمتد لكل افراد اسرة الصباح أخذا بالعرف في معناه الاجتماعي (وليس الاصطلاحي)، والثاني يقصر المنع على جزء منهم، وهم ذرية المغفور له مبارك الصباح.

اذا وضعنا الحكم الوارد في المذكرة التفسيرية الى جوار نص المادة الرابعة من الدستور فإننا نصل الى نتيجة مفادها ان الاسرة الحاكمة هم ذرية المغفور له مبارك الصباح، لان تولي الحكم وفق نص المادة الرابعة لا يكون الا في ذرية المغفور له مبارك الصباح.

ومد نطاق المنع المرتبط بالاسرة الحاكمة الى بقية اسرة الصباح في غياب عرف دستوري مفسر يصبح غير مقبول لأنه يتعارض مع قاعدة عدم جواز التوسع في تفسير النصوص المقيدة للحريات، لان الحرية اصل ومنعها استثناء والاستثناء لا يجوز ان يكون محلا لتوسع.

نخلص مما سبق الى تسجيل عدد من الملاحظات:

- المذكرة التفسيرية لها قيمة الدستور لأنها شرعت بذات إجراءات تشريع الدستور وهي تتضمن الى جوار التفسير الملزم احكاما تكمل الاحكام الواردة في الوثيقة الدستورية الاساسية.

- التشكيك في إلزامية الاحكام الواردة في المذكرة التفسيرية يقود الى التشكيك في كثير من الاسس التي يقوم عليها النظام الدستوري في الكويت.

- الوصول الى تقرير جواز ترشح افراد اسرة الصباح من غير ذرية المغفور له مبارك الصباح يحتاج فقط الى تحديد نطاق مصطلح الاسرة الحاكمة، كما ورد في المذكرة التفسيرية دون التشكيك في الطبيعة الدستورية لهذه المذكرة او الطبيعة التشريعية للاحكام الواردة فيها.

تقرير جواز ترشح أبناء الأسرة من غير ذرية مبارك الصباح يحتاج إلى تحديد نطاق الأسرة دون تشكيك في طبيعة «المذكرة» أو أحكامها

«المذكرة» منعت أبناء الأسرة من الترشح للانتخابات والتفسير الضيق للمصطلح يجعلنا نفكر بمن ينحصر فيهم الحكم
back to top