الأكذوبة البسيطة... كيف تتحوّل إلى كذبة كبيرة؟

نشر في 03-11-2016
آخر تحديث 03-11-2016 | 00:00
No Image Caption
يفيدنا إخفاء الحقائق أحياناً! درس العلماء نشاط الدماغ لدى أشخاصٍ قالوا أكاذيب صغيرة خدمةً لمصلحتهم واكتشفوا أن الأكذوبة البسيطة تمهّد على ما يبدو لكذبة كبيرة لاحقاً.
نُشرت النتائج في مجلة {ناشتر نوروساينس} وأثبتت كيف يمكن أن تتراكم الأكاذيب التي تخدم المصالح الشخصية وتفتح المجال أمام عمليات دماغية أخرى.
من المعروف أن التجاوزات الصغيرة تؤدي إلى تجاوزات أكثر خطورة. {سواء تعلّقت الكذبة بالتهرب من الضرائب أو الخيانة أو تعاطي المنشطات في الرياضة أو اختراع البيانات في مجال العلوم أو الاحتيال المالي، غالباً ما يتذكّر المخادعون كيف تراكمت الخدع الصغيرة مع مرور الوقت قبل أن يتورطوا فجأةً في جرائم أكثر خطورة}، تقول تالي شاروت من كلية لندن الجامعية، المشرفة على دراسة أخيرة حول تمهيد الأكذوبة البسيطة لقول كذبة كبيرة لاحقاً.

اشتبه الباحثون بأن المسألة تتعلّق بعملية بيولوجية معروفة بالتأقلم العاطفي حيث يضعف تجاوب الدماغ مع مرور الوقت تجاه حافز متكرر. حين نضع العطر للمرة الأولى مثلاً، يمكن أن نشمّه بكل وضوح. لكن بالكاد نشعر به في اليوم العاشر. لا تتغيّر كمية العطر المستعملة بل يضعف تجاوب الدماغ معها.

ربما يحصل أمر مماثل حين يكذب الناس.

أوضحت شاروت: {ربما تشعر بسوء حين تخدع الآخرين في المرة الأولى، ويمنعك ذلك الشعور السيئ من الخداع مجدداً. لذا يكون الأثر إيجابياً في هذه الحالة ويثنيك عن الخداع المتكرر}.

لكن مع مرور الوقت، يتراجع تفاعل الدماغ كما يفعل مع الروائح القوية، ويُسَهّل ضعف التفاعل السلبي الكذب في المرة المقبلة وفق هذه النظرية.

تجربة

أطلقت شاروت وزملاؤها تجربة لمعرفة مدى صحة تلك النظرية. صمّم الباحثون ألعاب تخمين يشارك لاعبان في كل واحدة منها. طُلِب من ثمانية منهم أن يعملوا مع شخص آخر (ظنوا أنه مشارك في اللعبة لكنه كان ممثلاً) لتخمين عدد القطع النقدية الموجودة في وعاء. من خلال تغيير هوية الشخص الذي يتلقى المكافأة بعد كل جولة، قدّم العلماء نسخاً مختلفة من اللعبة وشجّع بعضها المشاركين على الكذب.

شاهد المشاركون الحقيقيون في الدراسة صوراً أكثر دقة عن وعاء القطع النقدية، ما دفعهم إلى مساعدة شركائهم على تحديد أدق إجابة ممكنة أو منعهم من إيجاد الإجابة الصحيحة.

في إحدى النسخ، قيل للمشاركين إن زيادة دقة التخمينات ستساعدهم وتساعد شريكهم المجهول في آن. في نسخة ثانية، ستفيدهم المبالغة في تقدير العدد لكنها ستؤذي شريكهم. وفي نسخة ثالثة، سيستفيد اللاعبان إذا بالغ المشارك في تقدير العدد. وفي نسخة رابعة، ستفيد المبالغة في تقدير عدد القطع النقدية الشريك على حساب المشارك الحقيقي. أما النسخة الأخيرة، فتفيد واحداً من الطرفين (من دون التأثير على الطرف الآخر).

أشرك العلماء أيضاً مجموعة فرعية من 25 متطوعاً واستعملوا ماسحة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لمشاهدة نشاطهم الدماغي خلال هذه الاختبارات. تبيّن أن الناس حين يبالغون بتقديراتهم في المرة الأولى على حساب شركائهم يميلون إلى تزييف الحقيقة بدرجة بسيطة. كذلك، أُضيئت منطقة اللوزة الدماغية المرتبطة بالعواطف. لكن مع استمرار التجربة، زادت المبالغات وتراجع رد فعل تلك المنطقة. وكلما زاد ضعف النشاط في اللوزة الدماغية، كانت الأكاذيب تزداد في المرحلة اللاحقة.

السلوك المخادع يتصاعد

قال المشرف على الدراسة نيل غاريت من كلية لندن الجامعية: {أظن أن الدراسة تقدّم أول دليل تجريبي على أنّ السلوك المخادع يتصاعد حين يتكرر، بينما تربط الدراسات الأخرى كافة هذه الظاهرة بالتأقلم العاطفي. ربما تكمن الآلية نفسها وراء التصرفات التصاعدية الأخرى مثل زيادة الميل إلى أخذ المجازفات أو تفاقم النزعة إلى السلوك العنيف}.

لوحظ أن الناس كانوا يميلون إلى الكذب خلال التجربة حين يساعد الكذب طرفَي اللعبة، وربما حصل ذلك لأن المصلحة المشتركة تُسهّل اتخاذ قرار مماثل من الناحية المنطقية.

أضاف غاريت: {أظن أن هذه النتيجة تسلّط الضوء على مخاطر التورط المتكرر بخدع صغيرة، كذلك تكشف عن حلول محتملة لكبح الخداع، مثل إيجاد طرائق لإنتاج تفاعل عاطفي سلبي يمنعنا من التورط في أفعال مماثلة}.

الباحثون ربطوا تراكم الأكاذيب بالتأقلم العاطفي إذ يضعف تجاوب الدماغ مع مرور الوقت تجاه حافز متكرر
back to top