الاقتصاد العالمي في غياب الصين

نشر في 28-10-2016
آخر تحديث 28-10-2016 | 00:00
على الرغم من أنني لست متفائلا بآفاق الاقتصاد العالمي، فإنني أظن أن العالم يواجه مشاكل أكبر كثيرا من انهيار كبير في الصين، بيد أنني سأكون أول من يعترف بأن الاقتصاد العالمي بعد الأزمة من دون النمو الصيني سيكون في حال عصيبة وخطيرة، وينبغي للمراهنين على هبوط الصين أن يحذروا مما يتمنون.
 ستيفن س. روتش تُرى هل يوشك الاقتصاد الصيني أن ينهار؟ في ظل أعباء الديون المتراكمة والفقاعات العقارية، والشركات الحية الميتة المملوكة للدولة، والبنوك المتعثرة، يجري تصوير الصين على نحو متزايد باعتبارها الكارثة التالية في عالَم مبتلى بالأزمات.

ما زلت مقتنعا بأن مثل هذه المخاوف مبالغ في تضخيمها، وأن الصين لديها الاستراتيجية، والوسائل، والالتزام الضروري لتحقيق تحول بنيوي هائل إلى مجتمع استهلاكي قائم على الخدمات وفي الوقت نفسه تفادي الرياح المعاكسة الدورية. لكني أدرك بكل تأكيد أن هذا أصبح الآن رأي الأقلية.

على سبيل المثال، لا يزال وزير الخزانة الأميركي جاكوب جيه. ليو يعبر عن وجهة النظر المحيرة التي تزعم أن الولايات المتحدة "من غير الممكن أن تكون المحرك الوحيد للاقتصاد العالمي"، والواقع أنها ليست كذلك: فالاقتصاد الصيني في طريقه الآن للمساهمة بما يعادل أربعة أمثال ما ستساهم به الولايات المتحدة هذا العام في النمو العالمي، ولكن ربما يفترض ليو بالفعل السيناريو الأسوأ للصين في تقييمه للاقتصاد العالمي.

ماذا لو كان المشككون في الصين على حق؟ وماذا لو انهار الاقتصاد الصيني حقا، مع انخفاض معدل نموه إلى مستوى متدن في خانة الآحاد، أو حتى إلى المنطقة السلبية، كما قد تكون الحال في أغلب الاقتصادات التي تمر بأزمة؟ سوف تعاني الصين بطبيعة الحال، ولكن الاقتصاد العالمي الهش بالفعل سيعيش الأزمة أيضا، وفي ظل هذا التوتر الشديد بشأن الاقتصاد الصيني، فربما يستحق الأمر أن نُنعِم النظر في هذه التجربة الفكرية تفصيليا.

بادئ ذي بدء، بدون الصين يصبح الاقتصاد العالمي في حالة ركود بالفعل، ومن المتوقع أن يبلغ معدل نمو الصين هذا العام 6.7 في المئة، وهو معدل أعلى كثيرا من توقعات أغلب المتكهنين، ووفقا لصندوق النقد الدولي- المحكم الرسمي لمقاييس الاقتصاد العالمي- يمثل الاقتصاد الصيني 17.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (قياسا على أساس تكافؤ القوة الشرائية). وبالتالي فإن زيادة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الصين بنسبة 6.7% تُتَرجَم إلى نحو 1.2 نقطة مئوية من النمو العالمي. وفي غياب الصين تُطرَح هذه المساهمة من تقدير صندوق النقد الدولي المنقح نزولا لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2016 بنسبة 3.1%، لينخفض التقدير النهائي بهذا إلى 1.9%، أقل كثيرا من عتبة 2.5% التي ترافق الركود العالمي عادة.

بطبيعة الحال، هذا ليس سوى التأثير المباشر لغياب الصين عن العالم، ثم هناك الروابط عبر الحدود مع اقتصادات كبرى أخرى.

ستكون اقتصادات الموارد الطبيعية- وهي على وجه التحديد أستراليا، ونيوزيلندا، وكندا، وروسيا، والبرازيل- الأشد تضررا، ذلك أن الصين باعتبارها قوة النمو الطاغية الكثيفة الاستخدام للموارد الطبيعية عملت على تحويل هذه الاقتصادات، والتي تمثل مجتمعة ما يقرب من 9% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ورغم أن كلا من هذه الدول تزعم أنها نوعت هياكلها الاقتصادية التي لا تعتمد بإفراط على طلب الصين من السلع الأساسية، تنبئنا أسواق العملة خلافا لذلك؛ فكلما جرى تعديل لتوقعات النمو في الصين- صعودا أو هبوطا- تتحرك أسعار صرف عملاتها وفقا لذلك. ويتوقع صندوق النقد الدولي حاليا أن تنكمش هذه الاقتصادات الخمسة بنسبة مجمعة تبلغ نحو 0.7% في عام 2016، وهو ما يعكس الركود الجاري في روسيا والبرازيل والنمو المتواضع في الدول الثلاث الأخرى. وغني عن القول إن تحقق سيناريو انهيار الصين يعني بشكل مباشر تعديل التقديرات الأساسية لهذه الاقتصادات نزولا بشكل كبير.

وتنطبق الحال نفسها على شركاء الصين التجاريين في آسيا، في الأغلب الأعم من الاقتصادات التي لا تزال تعتمد على التصدير إلى حد كبير، وتمثل السوق الصينية أكبر مصدر للطلب الخارجي على سلعها. ويصدق هذا ليس على الاقتصادات الآسيوية النامية الأصغر حجما مثل إندونيسيا والفلبين وتايلند فقط، بل أيضا الاقتصادات الأكبر حجما والأكثر تقدما في المنطقة، مثل اليابان وكوريا وتايوان. في المجمل تشكل هذه الدول الآسيوية الست المعتمدة على الصين 11% أخرى من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وقد يُفضي انهيار الصين بسهولة إلى اقتطاع نقطة مئوية واحدة على الأقل من معدل نموها المجمع.

وتُعَد الولايات المتحدة أيضا مثالا واضحا هنا، فالصين ثالث أكبر سوق للصادرات وأسرعها نموا، وفي سيناريو انهيار الصين، ينضب معين الصادرات- ليُقتَطَع بذلك ما يقرب من 0.2 إلى 0.3 من النقطة المئوية من النمو الاقتصادي الأدنى من المتوسط بالفعل في الولايات المتحدة والذي من المتوقع أن يبلغ نحو 1.6% في عام 2016.

وأخيرا هناك أوروبا، يظل النمو في ألمانيا، التي كانت لفترة طويلة المحرك للاقتصاد القاري الذي كان سيتصلب لولا مساهمتها، معتمدا إلى حد كبير على الصادرات، ويرجع هذا على نحو متزايد إلى أهمية الصين، ثالث أكبر سوق للصادرات الألمانية الآن، بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وفي سيناريو انهيار الصين قد ينخفض نمو الاقتصاد الألماني أيضا بشكل كبير، فيسحب معه بقية أوروبا التي تقودها ألمانيا إلى أسفل.

من المثير للاهتمام أن يخصص صندوق النقد الدولي في تحديث أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي فصلا كاملا لما أسماه "تحليل التأثيرات غير المباشرة للصين"، وهو تقييم قائم على النماذج للتأثيرات العالمية الناجمة عن تباطؤ الصين. وبما يتفق مع الحجج أعلاه، يركز صندوق النقد الدولي على الروابط مع مصدري السلع الأساسية، والمصدرين الآسيويين، وما يسمى "الاقتصادات المتقدمة المهمة جهازيا" (ألمانيا، واليابان، والولايات المتحدة) التي ستكون الأكثر عُرضة لانكماش الصين. ووفقا لهذه الحسابات فإن التأثير على آسيا سيكون الأكبر، ثم تأتي من بعدها مباشرة اقتصادات الموارد؛ وتشير التقديرات إلى أن حساسية الاقتصادات المتقدمة الثلاثة تعادل نصف حساسية شركاء الصين التجاريين في آسيا باستثناء اليابان.

تشير أبحاث صندوق النقد الدولي إلى أن التأثيرات غير المباشرة التي تخلفها الصين من شأنها أن تضيف نحو 25% أخرى إلى التأثيرات المباشرة المترتبة على تراجع نمو الصين. وهذا يعني أنه في حال تبخر نمو الاقتصاد الصيني في الهواء، وفقا لتجربتنا الفكرية، فإن مجموع التأثيرات المباشرة (1.2 نقطة مئوية من النمو العالمي) والتأثيرات غير المباشرة (ما يقرب من 0.3 من النقطة المئوية)، كاف في الأساس لخفض التقدير الأساسي الحالي للنمو العالمي لعام 2016 إلى النصف، من 3.1% إلى 1.6%، ورغم أن هذا سيكون أقل كثيرا من الانكماش العالمي التاريخي إلى 0.1% في عام 2009، فلن يختلف الأمر كثيرا عن فترتي الركود العالمي السابقتين، في عام 1975 (بنسبة نمو 1% فقط) وفي عام 1982 (بنسبة نمو 0.7%).

ربما أكون واحدا من آخر المتفائلين المتبقين بالصين، ورغم أنني لست متفائلا بآفاق الاقتصاد العالمي، فأظن أن العالم يواجه مشاكل أكبر كثيرا من انهيار كبير في الصين، بيد أنني سأكون رغم هذا أول من يعترف بأن الاقتصاد العالمي بعد الأزمة من دون النمو الصيني سيكون في حال عصيبة وخطيرة، وينبغي للمراهنين على هبوط الصين أن يحذروا مما يتمنون.

* عضو هيئة التدريس في جامعة ييل، والرئيس الأسبق لبنك مورغان ستانلي في آسيا، وهو مؤلف كتاب "انعدام التوازن: الاعتماد المتبادل المَرَضي بين أميركا والصين".

«بروجيكت سنديكيت، 2016»

بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top