معركة الغرب من أجل حدود العراق خاسرة

نشر في 21-10-2016
آخر تحديث 21-10-2016 | 00:11
 ذي تيليغراف كتب مسؤول استخباراتي بريطاني: "يجب أن تكون السلطة النهائية بيد السنة، وإلا فسنواجه دولة ثيوقراطية، وهذا الشر بعينه".

لم يكن هذا المسؤول أحداً غير غيرترود بيل، مستكشفة وموظفة عامة جلست عام 1921 إلى طاولة مكتبها في بغداد كي ترسم حدود ما يُعرف اليوم بدولة العراق.

سُردت قصة حياة بيل المذهلة، التي تناولها فيلم ويرنر هيرزوغ السنة الماضية، مرة أخرى قبل أيام فيLetters from Baghdad (رسائل من بغداد)، وثائقي مذهل عُرض ضمن إطار المهرجان البريطاني للأفلام.

ولكن صب معدو سيرتها الذاتية اهتمامهم على بصيرتها وسعة معرفتها، متجاهلين حكمها الخاطئ الأكبر: فكرة أن وضع زمام السلطة بيد الأقلية السنية العراقية بدل الأكثرية الشيعية يساهم في الحفاظ على السلام. نتيجة لذلك تُعرض قصة بيل على الشاشة الفضية اليوم، في حين يواجه الغرب السؤال: هل يمزّق الخريطة التي رسمتها للشرق الأوسط؟

خلال الأشهر القليلة الماضية كان الجيش العراقي، الذي يحظى بدعم الغرب، يستعد لأكبر معاركه ضد "داعش": استعادة الموصل.

ورغم معارضة بغداد سعت تركيا إلى تعزيز مشاركتها في الهجوم، مما أدى إلى نشوب خلاف بين بغداد وأنقرة، وأصرت الولايات المتحدة، التي تدعم طائراتها الهجوم، على عدم تعديل خطة الاستيلاء على الموصل، ولكن مع انطلاق هذه المعركة، ما زال الجميع يجهلون ما قد يحدث في المدينة بعد ذلك.

تمثّل ولادة العراق محاولة بريطانية نموذجية لبناء الأمم: بعدما وعدت بريطانيا شعب العراق بالاستقلال وانتزعته من السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، سعت إلى فرض حكمها مباشرة (بخلاف نصيحة بيل)، مواجهةً نتائج كارثية ودموية، لذلك استقدمت (بما يتماشى مع مشورتها) عقب ذلك سنياً صديقاً من شبه الجزيرة العربية ونصّبته ملكاً.

ظنت بيل أن النخب السنية ستبني دولة متطورة، موالية لبريطانيا، وبعيدة كل البعد عن الثيوقراطية، وكانت بيل تتحدث بثقة كبيرة، بعدما أمضت سنوات في السفر وكسب المعارف بين القبائل العربية السنية، التي امتازت أيضاً بكبريائها الكبير. في المقابل حدت من احتكاكها بالمجموعات الشيعية التي اعتبرتها متخلفة، وأخفقت حين أولت كل دعمها للملك فيصل، الذي ساهمت في تتويجه.

أمضى الغرب عقوداً في الدفاع عن الحدود الأوروبية الصنع في الشرق الأوسط، ولكن منذ سقوط سورية واجتياح داعش المنطقة، نلاحظ أن اليمين الأميركي يعزز تأييده إنشاء دولة يحكمها ويسكنها السنة أو ما يُدعى أحياناً "سنيستان".

في أواخر السنة الماضية، كتب جون بولتون، سفير جورج بوش الابن إلى الأمم المتحدة، مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز حضّ فيه حلف شمال الأطلسي على دعم "سنيستان" لأن "دولتَي العراق وسورية اللتين عهدناهما قد زالتا". وأيد مقال آخر نُشر في المجلة الأميركية المرموقة "فورين أفيرز" الفكرة ذاتها، شأنه في ذلك شأن المقال الذي كتبه أخيراً مسؤول الوكالة الأميركية للتنمية الدولية جوشوا كوهين.

تشكّل الموصل وسكانها مجرد بيادق في صراع على السلطة، فترى الميليشيات الشيعية العراقية في معركة الموصل فرصة لإخلاء المدينة من سكانها السنّة بغالبيتهم وكسب المزيد من الأراضي، أما إردوغان فيسعى لحماية التركمان السنّة في المنطقة، إلا أنه يعتبر أيضاً أن الفرصة سانحة لإنشاء نطاق نفوذ سني في العراق يمنحه هامش مناورة أكبر. يحتاج الغرب إلى استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط بغض النظر عما قد يحدث في الموصل. صحيح أن من الضروري تأمل أفكار بولتون بريبة نظراً إلى دعمه حرب العراق الكارثية، لكنه محق بشأن مسألة واحدة: اختفت الحدود التي كان الغرب يدافع عنها، ومن الأفضل بالتأكيد التعاطي مع الواقع بدل التمسك بخيال واهٍ، ولو كانت بيل على قيد الحياة اليوم لوافقتني الرأي على الأرجح.

back to top