الباحث والمفكر الإسلامي أحمد عبده ماهر:

نشر في 21-06-2015 | 00:02
آخر تحديث 21-06-2015 | 00:02
No Image Caption
الخطاب الديني تملَّص من وظيفته وأضحى طائفياً مذهبياً

أفكار الباحث والمفكر الإسلامي أحمد عبده ماهر صادمة تحتاج إلى نقاش للتعرف إلى وجهة نظر مختلفة في موضوع تجديد الخطاب الديني. يرى أن الأخير تملَّص من وظيفته الأساسية وتحوَّل إلى خطاب طائفي ومذهبي، معتبراً في حوار مع {الجريدة} أن الأمة الإسلامية ستظلّ في أقبية الماضي ما لم يتم تجديد الخطاب الديني. كذلك قال إن ثمة عواراً شديداً في المناهج الأزهرية، وإنه لا يوجد سطر واحد في هذه المناهج عن الإمام محمد عبده، معتبراً أن تطوير الفكر الديني يحتاج إلى منظور مجتمعي يضم المفكرين والمتخصصين كلهم، وعلى رأسهم أساتذة علم النفس الإدراكي.
إلى نص الحوار.
ما أهمية الخطاب الديني في حياتنا؟

 

هو المحرك والمؤثر الأساسي والرئيس في حياة المسلمين، لأن هؤلاء بطبيعتهم متدينون، والدين هو محرك حياتهم الأساسي، والخطاب الديني يمثِّل فهمهم وفكرهم. بالتالي، له أهمية قصوى في التأثير فيهم إيجاباً أو سلباً، فهو الذي يدعم الأخلاق ويعمق الإخلاص والمبادئ الطيبة لدى الناس ووحدة المسلمين.

 

هل الخطاب الديني الحالي يحقق ذلك؟ 

 

إطلاقاً، فقد تملَّص من هذا كله وأصبح خطاباً طائفياً ومذهبياً، الفقهاء فيه هم المتحدثون باسم الله ورسوله (ص) ودونهم جهلاء مع أنهم ليسوا أصحاب علم. غالبية فقهاء الأمة لا يصح أن يقال عنهم علماء، لأن العالم هو من ينتج العلم وفقهاء العصر الحديث مقلدون وينقلون عن السابقين بلا فهم أو وعي، وهذا أودى بعقيدة وشريعة الأمة. في النهاية، اتجه الشباب إلى الإلحاد لأنهم لم يقتنعوا بهذا الخطاب المتدني الخالي من التعقل.

 

إذاً أنت مع تجديد الخطاب الديني باعتباره ضرورة؟

 

لا، أنا مع تبديل الخطاب الديني، فالتجديد معناه أن الخطاب يحتاج إلى بعض الإصلاحات. لذلك لا أقول بتطوير الخطاب الديني بل أقول بتبديله، ولذلك لا بد من اختيار الأكفأ للدعوة وانتقاء من يلتحق بالتعليم الديني منذ المرحلة الابتدائية وحتى التخرج، فليس من المعقول أن يكون ديننا في ذيل الاهتمامات، بأن يقوم على توعية الناس الأضعف والأقل حضارياً وعلمياً، ثم نقول عنهم إنهم علماء. أما الأكفأ علمياً فيلتحق بالكليات العلمية.

ألا ترى أن الخطاب الديني يحتاج إلى متخصصين فلا يترك الأمر مشاعا؟ 

 

أنزل الله سبحانه وتعالى الدين وخلق له عقولاً تستوعبه، فنحن لسنا في حاجة إلى وسيط وإذا احتجنا إليه ففي الفتوى فحسب. عموماً، قليل من يستطيع الاستنباط من أهل العلم، ونحن لا نقول بوجود متخصص في الدين فلا يتخصص في ديني غيري. من خلال التخصص راح الناس يتواكلون عن البحث والدرس والقراءة اعتماداً على فقهاء لم يتصرفوا بأمانة، وقالوا بكلام لا يقبله عقل يُدرَّس حتى الآن في المناهج الدراسية. كذلك لا يتورعون أبداً عن مخالفة القرآن، ففقه الحديث مقدم على فقه الآية، ودليل ذلك ما قاله شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي في جريدة «الأهرام» تحت عنوان «هذا هو الإسلام» حيث أكد أن نسخ القرآن بالسنة جائز، وهذا الكلام لا يصح أصلاً.

 

الأزهر والخطاب

 

تطالب منذ سنوات بالتجديد، هل وصلت إلى نتيجة؟

 

إطلاقاً. يكفي أن تعرف أنني ذهبت إلى شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي وقلت له إن في مناهج الأزهر عواراً شديداً، فألغى تدريس المذاهب وقرر كتاب «الفقه الميسر»، وحينما تولى الدكتور أحمد الطيب مشيخة الأزهر أعاد تدريس المذاهب ما تسبب في تدهور الخطاب الديني.

 

ماذا عن المجددين في العصر الحديث مثل محمد عبده ومصطفى عبدالرازق؟

 

لا ذكر لهم. في الأزهر قاعة باسم الإمام محمد عبده ومسابقة باسمه واحتفال بذكرى ميلاده، لكن لا يوجد سطر من فكره في المناهج الأزهرية، فلا إصلاح أو منهجية في ما يدرس بالأزهر من علوم إطلاقا، لذلك تجد الكتب المدرسية مليئة بأفكار مثل قتل الأسرى وهدم الكنائس وقتل الكلاب والزواج من الصغيرة واضطهاد المرأة باعتبارها ناقصة عقل ودين، وأنها زانية إذا استعطرت عندما تخرج إلى الشارع، ويُمنع عليها الخروج إلا بإذن زوجها.

 

أسباب الفشل

 

لماذا تفشل مشروعات تجديد الخطاب والفكر الديني سريعاً؟

 

لأنها ليست مبنية على أساس ولا تتوافر همة ولا فاعلية. مثلاً، تصحيح المناهج الذي قام به الأزهر أخيراً والمقرر تدريسه اعتباراً من العام المقبل، ستجده قشرياً هامشياً لا يغني ولا يسمن من جوع، فنحن فقط نضع أسماء المجددين على القاعات والشوارع ولكن لا ندرجها في المناهج للأسف.

 

ما هي خصائص الخطاب الديني الرشيد؟

 

يحتاج الخطاب الديني الرشيد إلى عقول منفتحة ومدركة لتغيرات الحياة ويجب تنحية الفقه الموجود راهناً كي لا يستعان به في أي منهج دراسي سواء في الأزهر أو مناهج التربية والتعليم، لأن الكل تأثر برجال الأزهر وفكرهم الذي يصنع «دواعش صغار» فكل مناحي الحياة تأثرت بالسلب بسبب جهل القائمين على المؤسسات الدينية.

 

برأيك ما أبرز الغايات المقصودة من وراء هذا التجديد في زماننا الراهن؟

 

ما يحدث حولنا يستدعي التجديد العاجل فشبابنا اتجه إلى الإلحاد وهناك شباب بلا أخلاق، فالآن رسالة المسجد توارت ولا يوجد شخص يقنع بالخطيب أو يستمع لنصحه، وبالتالي ظهرت العادات السيئة لدى الناس وذلك لعدم تطور خطاب الدعاة مع الزمن الذي يعيشون فيه كل هذا نتيجة تخلف وتدني الخطاب الديني.

 

دور المؤسسات الدينية

 

برأيك ما الذي يجب أن تقوم به  المؤسسات الدينية في العالم العربي لإزالة الفهم الخاطئ للإسلام وتجديد الخطاب الديني؟

 

 تأسيس فقه جديد وإزالة كل الآراء التي تتصادم مع كتاب الله، والفقه الوسطي للأزهر يتواكب مع الحضارة ومع العقول الحالية، لكن القيمين على الأزهر مقصرون، فلا بد على المؤسسات الدينية من أن تصنع علماً.

 

ما آليات تجديد الخطاب بشكل عملي ومؤثر لا أن يكون الأمر محض شعارات في بيانات رسمية أو مؤتمرات دينية؟

 

لا بد من أن يجتمع أهل الفكر في هذه الأمة في حوار مجتمعي ليجود كل منهم بقريحته في مسألة تجديد الخطاب الديني، فهي ليست مسألة فردية، كذلك يجب إعادة النظر في شروط القبول بالأزهر وإعادة النظر في علم التفسير وعلم الحديث. 

 

تنامي الجماعات الإرهابية المستترة خلف الدين هل يُعد علامة على غياب التجديد في الخطاب وجمود الفكر؟

 

نحن ضائعون فكرياً قبل أن نكون ضائعين فقهياً... لقد أخافونا من التفكير، ما أحدث إرهاباً فكرياً، لذلك أقول للأزهر {دعونا نعبد الله بشكل صحيح وبراحة وحب وود ودعونا نتفاعل مع الرأي الآخر، ونتفاعل مع الآخر حتى لو كان على غير ديننا}، فليس من المعقول أن نظل نقول من لا يعتنق الإسلام يقتل ومن أسلم وارتد يقتل وتارك الصلاة يقتل والشيعة كفار واليهود أحسن منهم.

 

هل يجب مراعاة رجال الدين القيمين على فعل التجديد توجهه في إحدى صوره إلى غير المسلمين. كيف يكون ذلك؟

 

لا بد من تجديد الفقه وإزالة ما ورد في كتب الفقه عند التعامل مع غير المسلمين فنجد الفقهاء يقولون بالتضييق عليهم في الطرقات وارتدائهم لملابس غير ملابس المسلمين ودفعهم الجزية ومنعهم ركوب الخيل... وذلك كله يشوه الإسلام. 

 

ما تعليقك على من يرفض محاولات تجديد الخطاب الديني بزعم أن ذلك قد يطاول أصول الدين وثوابته القطعية؟

 

لا توجد أصول قطعية للدين، فثمة أصل واحد هو القرآن الكريم، يقول تعالى: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ» (البقرة: 2)، فلا نستطيع أن نمسه بسوء، لكن نمس الفهم الخاطئ لآيات القرآن.

 

هل ينحصر تجديد الخطاب الديني في الخطب والمواعظ؟

 

الخطب هي المنتج النهائي فهو منتج الالتقاء بالجماهير لذلك إذا أردنا التجديد فلا بد من صياغة جديدة للخطاب الديني وعلينا الانتقاء وغربلة المنتسبين للمؤسسات الدينية، خصوصاً الأزهر.

 

الدين والدنيا

 

هذا التجديد هل يعني مجاراة لما تم في الغرب من فصل الدين عن الدنيا؟

 

ليس ثمة شيء اسمه فصل الدين عن الدنيا، لأن الدين لا يكبل الدنيا لكنه ينظم الدنيا مثل علاقة الرجل بالمرأة، حيث أباح العلاقة بطريق شرعي ومنع ما دون ذلك ولم يترك العلاقة مباحة على إطلاقها، كذلك أباح جمع المال بطرق مشروعة بينما حرم السرقة والربا، فالدين يراعي الأخلاق.

 

الإسلام السياسي... إلى أي مدى يعتبر المسؤول الأول عن إحباط محاولات تجديد الخطاب الديني؟

 

أصحاب الإسلام السياسي لا يفهمون شيئاً في الدين ولا حتى في السياسة لكنهم يريدون فقط الرئاسة والسلطة باسم الله وهي صورة جديدة من صور التسلط على المسلمين مثل الأزهر الذي يتسلط على المسلمين باسم الفقه هم أيضاً يريدون التسلط على المسلمين باسم السياسة.

 

ما الشروط التي يجب توافرها لأجل تجديد الفكر الديني؟

 

تحتاج عملية التطوير  إلى منظور مجتمعي يضم كل المفكرين والمتخصصين، وعلى رأسهم أساتذة علم النفس الإدراكي والاجتماعي ومتخصصون في المناهج للإدلاء بدلوهم، لأن هذا تخصص دقيق جداً. 

إلى أي مدى يرتبط نهوض الأمة بتجديد الخطاب الديني؟

 

لا نهضة للأمة وستظل دائماً في أقبية الماضي ما لم تجدد الخطاب الديني.

 

دفع كتاب ومفكرون كُثر حياتهم ثمن دعوتهم إلى تجديد الخطاب الديني والفكري. برأيك لماذا يلجأ المتشددون إلى لغة الدم، وكيف يمكن محاورة هؤلاء بالحجة؟

 

دائماً المتشدد قبل أن يكون متشدداً بسيف هو متشدد بعقل، لذلك أكرر ضرورة تغيير الفكر، فمشكلتنا فكرية ويجب أن نرتقي بالطفولة والتعليم العام، ونجعل الدراسة الدينية بعد التعليم العام بحيث يكون الداعية مثقفاً ثقافة متنوعة.

دور الفقهاء

• تعمد الاستعمار تاريخياً تجميد دور المؤسسات الدينية فجاءت فجوة في الاجتهاد أحدثت فراغاً سعى إلى ملئه البعض بأباطيل استغلت الدين، كيف تستعيد المؤسسات الدينية وضعها في هذا الصدد؟

 

هذا السؤال ظلم للاستعمار لأن القيمين على المؤسسات الدينية بتجمد فكرهم وعدم إخلاصهم تركوا أمتنا نهباً للجهل، ولدينا في مصر مثلاً نحو 500 باحث حصلوا على دكتوراه في الفقه والفقه المقارن وهي درجة بحثية، فماذا قدم هؤلاء من جديد للفقه؟

 

• لكن ثمة مخالفات أدخلها اليهود والاستعمار في كتب التراث.

 

فعلاً. نابليون حينما ادعى الإسلام استطاع أن يدس ما يريد واليهود أيضاً على مر التاريخ، ونجد التفاسير مليئة بالإسرائيليات وتأثر علماؤنا بذلك لقلة إدراكهم. على عكس ما يشاع أن إدراكهم وفهمهم عال، أؤكد أن الأجيال الراهنة أعلى فهما وإدراكاً، وفقهاء الأجيال الحالية. أذم منهجهم الذي درجوا عليه ولا أذم في شخصهم. 

خطابات متنوعة

• أي الخطابات الدينية مع تنوعها وتعددها يجذبك؟

 

جذبتني الخطابات الدينية كافة وكنت يوماً صوفياً، وكنت سنياً وسلفياً وأطلقت لحيتي وخطبت في المساجد 22 سنة متصلة، وكنت مسؤولاً عن ملف التطرف الديني قي المخابرات الحربية. في النهاية اكتشفت أن كل هذا زيف وأن كل هذه الخطابات قشرية تمس الدين من الخارج وليس عندها عمق فكري، ولكن مليئة بالأمراض النفسية.

 

• برأيك ما الخطاب البديل؟

 

غير موجود. ونحن لا نريد سوى خطاب ديني يحترم عقولنا ويتعامل مع واقعنا.

 

• كيف تنظر إلى التشدد؟

 

يخالف يُسر الدين، كما أنه غباء فكري.

 

• لماذا إذاً هو أكثر تأثيراً من الخطاب الديني الرسمي؟

 

هذا صحيح، والسبب أن أسلوب أهلنا في التربية يشكِّل لدينا عقداً نفسية وحينما نكبر في السن ونجد خطيباً يقول اقتلوا الكفرة والمشركين، نجد الخطاب متناغماً مع ما نشأنا عليه.

 

• هل يحتاج التجديد إلى سلطة وقرار سيادي؟

 

طبعاً، ولذلك أشيد بالرئيس عبدالفتاح السيسي الذي طالب بثورة في الخطاب الديني لتصحيح المفاهيم والقضاء على الأفكار المتطرفة.

في سطور:

- المستشار أحمد عبده ماهر من مواليد عام 1945 باحث إسلامي، بدأ حياته ضابطاً في المخابرات الحربية وخرج من الخدمة العسكرية برتبة العميد، ثم اشتغل بالمحاماة وهو راهناً محام بالنقض ومحكم دولي.

- عضو جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب.

- كرَّس حياته لقضية تنقية التراث الإسلامي وتجديد الخطاب والفكر الديني ودخل بسبب ذلك في معارك كثيرة بسبب مقالاته ولقاءاته التلفزيونية التي غالبيتها في المناظرات الدينية، وعمل خطيباً للجمعة لمدة 22 سنة.

- له مؤلفات عدة منها: «إسلامنا والتراث.. نحو تقويم الخطاب الديني»، و{السنة النبوية بين الدس والتحريف»، و{أوهام عذاب القبر»، و{كيف كان خلقه القرآن»، و{القرآن معجزة البيان».

 

back to top