الشاعر فايق عبدالجليل... تجربة شعرية ثرية بجناحيها العامي والفصيح (1-2)

نشر في 07-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 07-07-2015 | 00:01
بدأ موهبته في الرسم ثم اتجه إلى كتابة القصيدة
تنوعت إبداعات الراحل فايق عبدالجليل في الشعر بجناحيه العامي والفصيح، مقدماً للمكتبة العربية دواوين شعرية، إضافة إلى تعاونه مع أبرز مطربي الكويت والخليج. سنتناول في هذه الحلقة نشأته وبداية ممارسة هواية الرسم وظروف كتابة الشعر، ونسلط الضوء على دواوينه الشعرية.

اهتم الشاعر فايق عبدالجليل بكتابة الأوبريتات الخاصة بالأطفال وحصد جوائز في مهرجانات محلية وخليجية، وهو أحد الشعراء الذين أخذت الأغنية الكويتية على يدهم شكلاً جديداً، من خلال الاهتمام باللغة العربية الفصحى اعترافاً وتقديراً لمزاياها.

فايق عبدالجليل شاعر موهوب بفضل اصراره على النجاح والتفوق وبلوغ الهدف الذي ينشده، باحثاً عن أسلوب خاص به، وبلغة متفردة تميزت بها كلمات أغانيه الجميلة، إذ أثبت خلال مشواره الطويل الذي كانت بدايته عام 1968، جدارته في صياغة الأغنية القصصية من خلال تقديمه مجموعة شعرية غنائية غناها المطربون في الكويت والخليج العربي وأثرى بها مكتبة الإذاعة الكويتية والتلفزيون.

طفولة موهوبة

بدأ الطفل فايق عبدالجليل ممارسة الرسم منذ نعومة أظفاره، مترجماً شعوره عبر رسومات مفعمة ببراءة الطفولة وجمال الموهبة، وبعد سنوات أمضاها مع هوايته المحببة في التعبير بلغة بصرية، اتجه إلى كتابة الشعر، فكان يعشق القراءة وكان قارئاً نهماً، وانكب على قراءة نتاج بدر شاكر السياب، الشاعر التركي ناظم حكمت، أنسي الحاج، أدونيس، نازك الملائكة، لوركا.

 يقول عن هذه المرحلة: «بدأت هوايتي بكتابة أبيات من الشعر الفصيح، وكانت محاولات متواضعة، ثم دخلت مجال الشعر الغنائي في أوائل الستينيات حينما أرسلت بعض قصائدي بالبريد إلى الإذاعة، ولم يكن الجواب مشجعاً، ما جعلني أصمم على خوض هذا المجال، وبدأت قراءاتي المتواضعة، فكانت رحلتي الأولى مع نازك الملائكة وبدر شاكر السياب ومجموعة شعراء المهجر، فكانت محطات أولية في مشواري مع القصيدة.

سنابل الطفولة

عام 1967 أصدر «وسمية وسنابل الطفولة» ديوانه الشعري الأول في مشواره مع القصيدة من خلال الشعر الحر، معلناً تمرده على القوالب الجامدة لشكل النص، رافضاً السير على درب سابقيه وباحثاً عن التجديد والتطوير لأنه لم يرغب في أن يكون مجرد شاعر ضمن مجموعة الشعراء فحسب، لاسيما أنه أسس ذائقته الشعرية بشكل مختلف، فانكبّ على قراءة نماذج شعرية مختلفة، مع شغفه الكبير بتثقيف نفسه أدبياً وثقافياً، لاسيما في تقنية بناء القصيدة والعروض والأوزان، وقد أجاد في ذلك، فقصائده زاوجت بين بحور العروض وتفعيلاتها ما دفع المستشرق الفرنسي سيمون غارغي إلى ترجمة قصائده إلى الفرنسية.

سالفة صمتي

عام 1979 صدر له ديوان «سالفة صمتي»، وقال عنه الدكتور محمد مبارك الصوري: «الجديد في ديوانه الثاني هو اللغة العامية التي اشتاق أن يتغنى بها، نجده على مستوى الشعر الغنائي والقصيدة الشعبية، في وقت أشاح الشعراء بأنفسهم ووجوههم عن شطر العامية، ليعمقوا اتجاههم نحو الفصحى، وكأن العامية لا تعنيهم بشيء وكأن تجربته الأولى معها لم تترك أثرها عليهم وعلى لغتهم الشعرية الأولى التي قد تحمل رايات الريادة، فقد نقد هذا الواقع الصامت المر، بالنسبة إليه، بعبارات تكاد تكون غير مفهومة جيدا.

فالشاعر في مفهومه «هو الفنان الذي يحول اللغة إلى طينة» يقصد التلوين فيها عند ليونتها، وتشكيل لغة جديدة واشتقاق أشكال لغوية حديثة صالحة لشعره العامي الجديد».

معجم الجراح

عام 1984 صدر للشاعر فايق عبدالجليل ديوان {معجم الجراح} عن مكتبة أم القرى، وقد احتوى مقطوعات شعرية كتبها فايق بين اكتوبر 1981 وأغسطس 1983.

 أي أن ثمة قرابة عام واحد بين عمر كتابة هذه المقطوعات ونشرها مجموعة في كتاب.

دواوين أخرى

عام 1999 صدر عنه كتاب تذكاري بعنوان “رحلة الحضور والغياب” للشاعر علي المسعودي، وفي 2001 صدر له ديوان “فائقيات” عن مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري.

الأوبريتات والأطفال

اهتم بمسرح الطفل، خصوصاً، وله أوبريتات وطنية من بينها: “جسر المحبة” (1986)، أوبريتات غنائية أشهرها “بساط الفقر” (1980)، “سندريلا” الذي فاز بجائزة “مهرجان الخليج للإنتاج التلفزيوني” (1984)، “والله زمن”، وأعمال أخرى.

في السبعينيات كتب شعر الأطفال ونشر القصائد في مجلة “سعد” الكويتية المتخصصة بالأطفال، وكان فايق يعتبر كتاباته للطفل هروباً من حاضره إلى ماضيه الجميل.

لمسة وفاء

أصدر الأديب حمد الحمد كتاباً يوثق فيه مسيرة الشهيد الشاعر، مقدماً معلومات مهمة ربما يجهلها البعض حول مشوار هذا المبدع، من بينها أن شاعرنا المبدع الشهيد هو فايق محمد علي العياضي وهذا اسمه الحقيقي في السجلات الرسمية، إلا أنه عندما أصدر أول نتاج أدبي له «وسمية وسنابل الطفولة» (1967)، اختار فايق عبدالجليل وكان اسماً مركباً، وعبدالجليل هو خاله الذي رباه منذ الصغر ورافقه في جميع مراحل طفولته، عرفاناً لهذا الرجل الذي ترك أثراً طيباً في نفس ابن شقيقته.

 وينقل الحمد شعور عبدالجليل على لسان ابنه فارس قائلا: «أخبرني أبي أنه عندما قرر إصدار ديوانه الشعري الأول «وسمية وسنابل الطفولة»، اختار اسم فايق عبدالجليل، ولكن لم يكن يتوقع أن يكتسب شهرة، ويكون له اسم في الوسط الأدبي، لهذا لم يفكر، بعد ذلك، أن يعود إلى اسمه الأصلي فايق العياضي، فقد التصق الاسم المركب به واشتهر به.

 لمحة ذاتية

اسمه الكامل فايق محمد علي العياضي من مواليد 5 مايو 1948 الكويت. متزوج ولديه ولد اسمه فارس وأربع بنات أكبرهن غادة، ثم رجاء وسارة ونوف، عمل موظفاً في بلدية الكويت، وشغل مناصب: عضو في جمعية الفنانين الكويتيين، عضو «فرقة المسرح الكويتي» (1976)، ثم نائباً لرئيس مجلس الإدارة (1977)، ورئيساً لمجلس الإدارة (1978 حتى نهاية 1983).

 شهادات شخصية

امتدح الأدباء والأكاديميون موهبة فايق عبدالجليل واعتبروه نموذجاً شعرياً يحتذى به، فهو يجيد اختيار المفردة التي ترسخ في الأذهان ولا تبرح ذاكرة المتلقي.

• كتب الدكتور محمد مبارك الصوري عن رقي العامية في شعر فايق عبدالجليل، مصنفاً إياه أحد أبرز الشعراء الذين امتطوا فرس اللغة ووجدوا لها صيغة مناسبة وفريدة، ملاحظاً أن في نوعية شعره العامي الذي احتواه ديوان «وسمية وسنابل الطفولة» سنلاحظ اختلاف صيغة الكلمة مع الموضوع، ونجد أن هذه اللغة قد تطورت بعد صدور الديوان السابق عام 1968، وهو ما نلمسه أشعار ديوان الشاعر الآخر «سالفة صمتي» (1979).

•  ذكر الشاعر علي الصافي أن بهاء تجربة فايق عبدالجليل راهناً لا يعني أنه قوبل بحفاوة في بداياته، إذ رفض معظم الأدباء تجربته حينذاك، لكن أصدقاءه د. حسن يعقوب العلي، وصقر الرشود، وعبدالعزيز السريع وغيرهم مدوه بالتشجيع والحب.

•  قال عنه الشاعر محمد الفايز: «أحسست وسيحس القارئ عندما يقرأ نصوص عبدالجليل أن الحرف العامي يستطيع أن يتثقف، وأن يحمل ذلك الإشعاع الذي يسربل الفصحى، وكما في الفصحى كلمات رائعة، في العامية كلمات رائعة أيضاً إذا تناولها شاعر مثقف».

•  المخرج المسرحي صقر الرشود، اعتبر أن ديوان {وسمية وسنابل الطفولة} حفظ بعض التراث في هذه البقعة وسجل أحلى لحظات العمر في قصائد حاكت صوراً من الماضي بكل أصالة الشاب المحاول، ألا وهو فايق عبدالجليل الذي من الواجب عليه تجاه بلده أن يسجل العادات والتقاليد القديمة بشعره البسيط الغني بالصور والمعاني.

• يختصر الشاعر علي السبتي الحديث حول تجربة عبدالجليل بالكلمات التالية: «في الكويت، كما في البلدان العربية، كما في بقية بلاد العالم، ثمة شعراء نالوا هذه المرتبة من الشرف بجداره، وثمة من يحاولون الوصول إليها، وفايق عبدالجليل يحاول مع المحاولين، وأرجو أن يصل إذا ثابر واجتهد، وآمن بالكلمة، وآمل من كل قلبي أن يصل».

back to top