عين الشمس

كنت أتوقع خطوة قوية جبارة باتجاه إزالة المظاهر الإقصائية التمييزية بيننا كمواطنين ومقيمين بعد أن حاولنا أن نواجه أنفسنا بواقعية في الأيام القلائل التالية للتفجير. التمييز يسكننا، والإقصاء يستهدفنا ضد بعضنا بعضا، نحن مجتمع مقسم أفقياً وعمودياً، وكلما ازداد التقسيم وكثرت الحوائط تفككت الأواصر وازدادت البغضاء وتراكمت الأحقاد، ومع الارتفاع المطرد لكل تلك يصبح هناك انخفاض مطرد للاستقرار والأمان. توقعت بعد التفجير أن نقف كلنا على قدم واحدة، "فنقصّ الحق من أنفسنا"، ونطالب الحكومة قبل كل شيء بحل قضية البدون حلاً نهائياً وإنصاف العمالة الوافدة إنصافاً تاماً، بعد أن تلقينا الدرس، ويفترض أننا فهمناه جيداً، فهمنا أن نقطة الضعف في أي مجتمع تحتاج إلى منفذ، وأن هذا المنفذ عادة ما يصنعه أبناء هذا المجتمع بعلمهم أو بدونه، عن نية مبيتة أو عن جهل تام.إلا أن ما حدث كان عكس ذلك، فأوقف إصدار الجوازات للبدون، وازداد التشدد في التعامل مع الوافدين، واغتيلت الحريات الشخصية والخصوصية للمواطنين، واستخدم بعبع العنف وحجة ضمان الأمان لتكبيل المواطنين وللإمعان في التمييز والإهانة للبدون والمقيمين. لقد خوزقنا مجتمعنا وأمعنا خرق وجهه بعنصرياتنا وطبقيتنا وتمييزنا ضد الآخر حتى أصبح كالمصفاة، لا تستطيع الاحتفاظ بنقطة ماء ولا يمكنها أبداً سدّ عين الشمس.فوّتنا على أنفسنا الدرس، وها هو الوقت يمرّ، ها نحن نبرد في أماكننا، وها نحن نتباعد والمسببات الرئيسة للمخاطر التي أصبحنا نعيشها. ليست المشكلة في داعش بحد ذاتها، وليست في إيران ولا العراق ولا سورية، وليست في التطرف المستورد من الجيران، وليست في وجود دسائس ومكائد من آخرين، المشكلة الحقيقية هي في من فتح الباب لكل هؤلاء، في نقاط الاختراق الضعيفة التي صنعناها نحن بانقسامنا على بعضنا، في عنصرياتنا الكاتمة على قلوبنا وطبقياتنا المثقلة على أكبادنا. لن نكون في أمان حتى نصبح نحن أفضل من الداخل، حتى نسقط نحن الحواجز ونعطي كل ذي حق حقه، ولن نكون في أمان حتى نحل قضايانا الإنسانية الداخلية، وننقح مناهجنا المتطرفة، ونغير طريقة تفكيرنا تجاه الآخر، ولن نكون في أمان حتى نأمن من أنفسنا قبل كل شيء آخر.