لمَ تستنفد إيران حظوظها؟

نشر في 10-01-2016
آخر تحديث 10-01-2016 | 00:01
 كومينتاري هل تتذكرون "العودة إلى العقوبات"؟ كان يُفترض أن تشكل هذه آلية تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الصفقة النووية الإيرانية، فإن لجأت إيران إلى الغش فستعود الولايات المتحدة إلى فرض العقوبات، أمضى المتحدثون باسم الإدارة الأميركية الصيف في التأكيد لكل مَن يصغي أن آلية معاقبة إيران على أي انتهاكات قد تقترفها أكيدة، وسريعة، ومؤلمة.

صحيح أن "العودة إلى العقوبات" ما زالت ممكنة من الناحية الناظرية، إلا أنها تعتمد على مدى استعداد الحكومة الأميركية للمخاطرة بمواجهة مع طهران، فمن الواضح راهناً "وخلال السنة المقبلة" أن هذه الإدارة لن تخاطر بخوض مواجهة مماثلة، مهما كانت الظروف ومهما فعلت إيران.

عمدت مجموعة من الرعاع الإيرانيين بحض من الدولة إلى تخريب السفارة السعودية في طهران، فما كان رد فعل الولايات المتحدة؟ أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً نددت فيه بالمملكة العربية السعودية لإعدامها 47 مسجوناً بمن فيهم الشيخ الشيعي نمر النمر، الذي يهدد موته "بتفاقم التوتر الطائفي في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى الحد من هذا التوتر"، ولو اعتُبر إعدام النمر خطأ، فإن هذا ينطبق أيضاً على اقتحام السفارة السعودية، علماً أن هذا تكتيك لطالما اتبعه النظام الإيراني لمهاجمة دول يمقتها. إذاً، لمَ لا تقود الولايات المتحدة هجوماً لإدانة إيران دولياً؟

قد يكون هذا السبب عينه الذي دفع الولايات المتحدة إلى التراجع عن خططها لفرض عقوبات على إيران بعد إجرائها اختبارين صاروخيين في الأشهر الأخيرة شكلا انتهاكاً لعقوبات الأمم المتحدة. فقد هدد النظام الإيراني بأن تؤدي هذه العقوبات إلى إفشال الصفقة النووية، وأكّد أنها لن تحقق أي هدف غير دفع إيران إلى تسريع برنامجها الصاروخي (غير المشروع). نتيجة لذلك تراجعت إدارة أوباما بجبن في الحال.

قبل بضعة أيام حدث الأمر عينه عندما تذمرت إيران بشأن تشريعات جديدة تفرض الاستحصال على تأشيرات دخول للسفر إلى الولايات المتحدة على كل مَن زار العراق، وإيران، والسودان، وسورية أو غيرها من الدول العالية المخاطر منذ عام 2011. لم يستهدف هذا التشريع إيران بحد ذاتها، إلا أن هذه الأخيرة خشيت أن تمنع هذه التشريعات بعض رجال الأعمال من زيارة الجمهورية الإسلامية. ونتيجة لذلك أثار وزير الخارجية محمد جواد ظريف ضجة كبيرة، فسارع وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى التعهد باستخدام السلطة التنفيذية لحل هذه المسألة.

وماذا يحدث عندما تطلق سفن حرس الثورة الإيراني الصواريخ على بعد 1500 ياردة عن حاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان في الخليج العربي؟ لا شيء غير احتجاج بسيط من مسؤول عسكري أميركي منخفض المستوى.

علاوة على ذلك، لم نشهد أي ضغط أميركي حقيقي على إيران بسبب دعمها نظام الأسد في سورية، الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية، علماً أن سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة سامانثا باور أمضت حياتها المهنية في التنديد بجرائم مماثلة، كذلك لم تنزل الولايات المتحدة بإيران أي عقاب لاحتجازها خمس رهائن أميركيين أو لعادة آية الله خامنئي وغيره من القادة الإيرانيين العدائية، فهم لا ينفكون يرددون "الموت لأميركا".

هل تلاحظون نمطاً محدداً هنا؟ فكلما أقدمت إيران على انتهاك ما أشاحت الولايات المتحدة بنظرها.

لكن هذا تصرف فاضح، نظراً إلى أن إيران لم تُعفَ بعد من العقوبات، وستحظى إيران قريباً، ربما في غضون أسابيع، بأكثر من 100 مليار دولار من أصول النفط المجمدة، وإلى أن يحدث ذلك يبقى النفوذ الأكبر في يد الولايات المتحدة؛ لذلك من المفترض أن تحسن إيران التصرف إلى أن تحصل على جائزتها مقابل توقيعها الصفقة النووية، لكن إيران تنظر إلى الوضع من منظار مختلف، فيدرك النظام الإيراني مدى رغبة أوباما في تطبيق خطة العمل المشتركة الشاملة، مما يسمح لإيران باقتراف أسوأ الانتهاكات من دون أن تواجه العواقب، وهذا ما تقوم به بالتحديد.

لكن هذا يؤدي إلى سابقة بالغة الخطورة للمستقبل؛ ففقدان الولايات المتحدة الكثير من مصداقيتها يعني أن الرئيس المستقبلي سيواجه صعوبة كبيرة في استعادة قوة الردع، حتى لو أراد ذلك، وإقناع إيران بألا تسعى سراً إلى تحقيق طموحاتها النووية، كذلك يعني ذلك أن قيمة الضمانات الأمنية الأميركية ستواصل تراجعها، مما يساهم في توضيح لمَ يحاول حلفاؤنا، أمثال المملكة العربية السعودية، التصدي للخطر الإيراني بطريقتهم الخاصة: قصف الثوار الحوثيين في اليمن وإعدام شيخ شيعي مثير للشغب.

خلاصة القول، يعني هذا أن الشرق الأوسط، وسائر العالم، سيواصل تحوله إلى مكان أكثر خطورة وعدائية لمصالح الولايات المتحدة وإن بدا ذلك صعب التصديق.

* ماكس بوت | Max Boot

back to top