أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة عين شمس د. محمود إسماعيل: تجديد الخطاب الديني يبدأ من حيث انتهى محمد عبده

نشر في 17-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 17-07-2015 | 00:01
No Image Caption
قال أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة عين شمس، صاحب موسوعة «سسيولوجيا الفكر العربي» الدكتور محمود إسماعيل، إن الحديث عن تجديد الخطاب الديني بدأ منذ منتصف القرن الثامن عشر وكان رائده الإمام محمد عبده، الذي بدأ بالفعل في تجديد الخطاب. وأضاف في حوار مع «الجريدة» أنه مع ظهور جماعة «الإخوان» عام 1928 ظهرت موجات التكفير، ولم يكن للأزهر دور بارز حيال هذه الأزمة، معتبراً أن الأزهر مسؤول عما يحدث الآن من تطرف، خصوصاً أن كتبه غير مجددة ولا تواكب المستجدات. إلى نص الحوار.
منذ بداية القرن العشرين ثمة مطالبات عدة بضرورة تجديد الخطاب الديني، وحتى هذه اللحظة لم يتحقق هذا الأمل. لماذا برأيك؟

ذلك الأمر لم يكن من بداية القرن العشرين، بل بدأ منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر، حيث ظهر الإلحاح على تجديد الخطاب الديني وكان الرائد في هذا الطلب هو الإمام محمد عبده. فعلاً، بدأ تجديد الخطاب لأن الذي كان سائداً في الأزهر الشريف آنذاك هو أنه في العقيدة الإسلامية في «علم الكلام» كانوا يأخذون بالمذهب الأشعري، وهذا ما يسمونه الآن «الإسلام الوسطي»، وهذا المصطلح بهذا المعنى يعد خطأ بل خطيئة، لأنه في ما يتعلق بالعقيدة فإن الإسلام ليست عقيدته وسطية، وكون الإسلام قاطعاً في العقائد، قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ». (الإخلاص)، فصيغة التوحيد قاطعة، وأيضاً في آية أخرى «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ». (الشورى: 11)، وهذا يعني أنه لا مجال لتجديد العقيدة، إنما نحن الآن في حاجة إلى العودة إلى استثناء محمد عبده.

وإذا كان الأزهر راهناً يقول بالمذهب الأشعري، والأخير على المستوى المعرفي يعد هزيلاً جداً، ذلك لأن القضية الأساسية أن الإنسان حر في أفعاله أم أنه مجبر عليها... كان المعتزلة يقولون إن الإنسان حر وهذه الحرية أمر طبيعي، لأن الله سبحانه وتعالى هو العدل المطلق، ولا يمكن أن يكون الإنسان مجبراً على أفعال ويُحاسب عليها في الحياة الأخرى، لذلك فإنه مُخير، يفعل ما يشاء فيحاسب عليه، لأن مدخل الحياة الأخروية هو الحياة الدنيوية، «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (الزلزلة: 7:8)، فإذًن الإنسان هنا حر في أن يعتقد ما يشاء كما نص القرآن أيضاً على ذلك في قوله تعالى: «فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ». (الكهف: 29).

وبعد الإمام محمد عبده، جاء الإمام محمد إقبال، ذلك الرجل العظيم الذي أعطى لتجديد الخطاب الديني صورة أشبه بالفلسفة وحكَّم العقل إلى درجة كبيرة، وأثبتت النصوص الدينية وآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة أن هذا التجديد أمر لا بد منه، يقول النبي (ص): «إن الله يبعث على رأس كل مئة عام من يجدد لأمتي أمور دينها»، لأن تجديد الدين هو تجديد الدنيا.

مُنطلَق التجديد

من أين نبدأ تجديد الخطاب الديني؟

لا نبدأ مع أناس مارسوا التجديد في الشريعة وهي تاريخ علم الفقه، وهو علم ليس دينياً بل دنيوي، فالفقه هو علم استنباط الأحكام في العلاقات بين البشر، وثمة فقه يسمى «فقه العبادات» وهو ما ليس فيه أي تأويل أو إضافة. على سبيل المثال، صلاة الصبح ركعتان، ولا يصح أن تصبح ثلاث ركعات، فهذا يسمى بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. فالتجديد في العقيدة بدعة، ومنهج الأشعرية السائد في الوقت الحالي يقول إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخلق أفعال العباد، وأن أفعال العباد هي فعل الله بمعنى أن الله يقرر والإنسان ينفذ. فعلينا أن نبدأ من حيث انتهى محمد عبده.

إشكالية التكفير

كيف ترى إشكالية التكفير بين الطوائف المختلفة؟

التكفير موجود في مصر منذ عام 1928، فأين الأزهر منذ ذلك الوقت؟ إذ لم يصدر فتوى ضد جماعة «الإخوان»، وجامعة الأزهر راهناً هي أشهر الجامعات الإسلامية في التدمير والتخريب، نظراً إلى غياب الموقف. وليس فقط لغيابه وإنما لأنه يقف موقفاً سلبياً، لأن المناهج التي تدرس لطالب الأزهر من مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي وحتى الجامعة، فيها كتب من عصر الانحطاط وفيها من كتب التكفير أيضاً، ولم يحرك الأزهر ساكنًا.

كيف تقيم الصراع السني - الشيعي في العالم الإسلامي راهناً؟

محاولة استعداء إيران وتصويرها في صورة العدو للعالم السني لا تصب إلا في مصلحة الغرب الإمبريالي الذي يهدف إلى حصار إيران وإضعافها، كونها قدمت نموذجاً إسلامياً متقدماً قادراً على مناطحة الغرب، فقد كنت من المؤيدين للثورة الإسلامية في إيران عندما اندلعت في سنة 1979، فالفكر الشيعي يلخص لاهوت التحرير ومعاني المقاومة، وهو ما تأكد عندما قدمت إيران نموذجاً لتجربة إسلامية ناجحة رغم الكثير من المعوقات، التي شاركنا كعرب في صناعة بعضها، وأثبتت قدرتها على البقاء ومناطحة الغرب، لذلك سعت الإمبريالية الدولية إلى حصارها من خلال استخدام السلاح نفسه المتمثل في الاستعانة بالتيارات السنية المتشددة ممثلة في تيار «الإخوان المسلمين» والتفسير  الوهابي للإسلام، باعتبار أن الحديد لا يفله إلا الحديد. في الحقيقة، نخسر نحن جميعاً في هذا الصراع ولن ينتصر فيه إلا إسرائيل وأميركا.

دور الأزهر

تُحمِّل الأزهر مسؤولية كل شيء. كيف يمكن تعديل الوضع الحالي للأزهر في ضوء مسألة تجديد الخطاب الديني؟

قضية تجديد الخطاب مسؤول عنها الأزهر، فمنذ نحو 12 عاماً نظم المجلس الأعلى للثقافة ندوة حضرها نحو 300 مفكر عربي تحت عنوان «نحو خطاب ثقافي عربي جديد» وتقدمت وقتها ورقة شرحت من خلالها كيف يمكن ترشيد الخطاب الثقافي العربي بالعودة إلى ابن رشد، لأنه جدد الخطاب الديني، وبعد انتهاء الندوة اجتمعوا في مائدة مستديرة ضمت نحو عشرين مفكراً عربياً، وكنت أنا من بينهم وكان يديرها وزير الأوقاف الأسبق الدكتور حمدي زقزوق. قلت آنذاك إن تجديد الخطاب الديني يأتي نتيجة أمرين: الأمر الأول إما أن المؤسسة الدينية تعيد حساباتها لإحساسها بأن الخطاب الديني لا يتفق مع مجريات العصر، فتجدد نفسها بنفسها تماماً مثلما حدث في حركة الإصلاح الديني في أوروبا على يد مارتن لوثر وغيره، والذين تطهروا من الإنكليز وقاموا بمهمة الإصلاح الديني الحقيقي، ورأوا أن الوظائف الدينية تباع بالرشى والكتابات الخاصة بالفكر المسيحي للباباوات والأساقفة، فأسسوا حركة الإصلاح الأوروبي وكانت تسمى الاحتجاج على الخطاب المسيحي، وليس احتجاجاً على المسيحيين. وكانت مطالبهم تتمثل في أن كل الاحتجاجات التي قامت بها المؤسسات الدينية والكنسية والباباوية يتم التخلص منها والعودة مباشرة إلى نص الكتاب المقدس وهم رجال ونحن رجال عصرنا، والنص الديني نص مفتوح.

الأمر الثاني أن أولي الأمر يرون أن الحكم في يدهم وأن الشعب سيثور، فيستخدمون الدين في تخدير الشعوب، وفي هذه الحالة يتم ذلك تحت اسم «التجديد»، بينما الواقع يؤكد أن الخطاب لدى الأزهر الشريف لا يزيد عن خطبة الجمعة.

ماهية الخطاب

بما إن الخطاب الديني ليس خطبة، فماذا يكون من وجهة نظرك؟

الخطاب هو الكلام الذي يتفق مع طبيعة الحال ولا بد من تجديد الفكر الديني نفسه، بمعنى أن بعض الكتابات ضمن هذا السياق أهيل عليه الرماد، وبعضها كتب محنطة صفراء تركز على  التكفير وغيرها من أمور غريبة نعاصرها في زماننا الراهن، والتي من أهمها السحر وتفسير الأحلام والشعوذة، بما يجعلنا ندخل في حالة من الهوس .

من علماء التراث الذين يجب أن يحتذى بهم؟

أولا المعتزلة والذين سموا أنفسهم أهل العدل والتوحيد، وسبقوا العدل على التوحيد لأن التوحيد علاقة بين الإنسان وربه ونحن لا نستطيع ولا أي مخلوق أن يفهم ما بداخل الإنسان، والأخير ليس له كهنوت وهي الصلة بين الإنسان وربه والله وحده هو الذي يعلم السرائر. ورب العالمين قال في كتابه العزيز: «فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ» (الكهف: 29)، وإذا أراد الله أن يغير شيئاً سيقول له كن فيكون.

الثوابت

يرفض البعض محاولات تجديد الخطاب الديني بزعم أن ذلك من شأنه أن يمس أصول الدين وثوابته القطعية... كيف يكون الرد على هؤلاء؟

ثوابتهم هزيلة، ليست ثوابت وإنما يوظفها الدين كفئة لتغليب أفعال السلطة، وكلمة فقيه السلطان موجودة في التاريخ الإسلامي وتلك شريعة العدل وليست شريعة النصوص فالشريعة الإسلامية هي القرآن والسنة والرسول نفسه لم يأمر بتغليب السنة، لأنه حدث في عملية الحديث النبوي الوضع  ودخول الاسرائيليات كما أن تفاسير كثيرة مليئة بالأساطير والخرافات. فالأحاديث الموضوعة عن النبي (ص) كثيرة وكتاب «البخاري» مليء بالقضايا محل الخلاف، خصوصاً أنه يضم ٣٦٠ راوٍ، من الذين أخذ منهم البخاري الأحاديث.

حملة تنقية

ماذا عن دور الأزهر حيال هذه الإشكالية؟

الأزهر مسؤول عما يحدث الآن من تطرف، خصوصاً أن كتب «الأزهر»، غير مجددة، وليس ثمة إنسان معصوم من الخطأ إلا الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلّم)، والصحابة رضوان الله عليهم، وقعوا في الخطأ، ولا بد من تطهير الشريعة بالحكمة من الجهلاء، فبعض كتب التراث لا يحتاج إلى التجديد، بل إلى الإبادة، والأحاديث النبوية، تحتاج إلى حملة تنقية من الأحاديث الموضوعة.

يرى يعتبر البعض أن تجديد الخطاب الديني يعني تقليد الغرب وفصل الدين عن الدنيا؟

من ناحية الفصل فالدين من حيث العقيدة هو علاقة بين الإنسان وربه وليس من حق أي إنسان أن يتدخل فيها ولا يوجد ما يسمى مؤسسة دينية، والدين نفسه يقول {استفت قلبك ولو كثر المفتون}. فعلماء الأزهر يختلفون في الآراء على القضية نفسها، أما الإسلام فيرفض «التقليد» أساساً، ويدعو إلى التجديد المنوط بالعلماء على رأس كل قرن. عندنا، يتمثل تجديد الخطاب الديني في تطوير العلوم الدينية من ناحية، والإلحاح على إحياء منهجيات العلوم الدنيوية إبان عصور ازدهارها من ناحية أخرى. كذلك يجب فتح باب الاجتهاد في تجديد علم الحديث الذي ما زال يزخر بمرويات خرافية لا تستقيم مع العقل.

في سطور:

هو محمود إسماعيل عبد الرازق ولد في 21 أبريل 1940، في محافظة الدقهلية في دلتا مصر.

حصل على ماجستير التاريخ الإسلامي في عام 1967، والدكتوراة في التخصص نفسه سنة 1970.

تدرج في السلم الأكاديمي في جامعة {عين شمس} المصرية، حتى وصل إلى مرتبة أستاذ التاريخ الإسلامي في كلية الآداب بالجامعة نفسها.

 حاصل على جائزة الدولة التقديرية.

مؤرخ ومفكر متخصص في التاريخ الإسلامي وتاريخية الأفكار.

من أهم أعماله، بالإضافة إلى موسوعته {سوسيولوجيا الفكر الإسلامي} في عشرة مجلدات: {فكرة التاريخ بين الإسلام والماركسية، الإسلام السياسي بين الأصوليين والعلمانيين، الخطاب الأصولي المعاصر، إخوان الصفا- رواد التنوير في الفكر العربي، مذاهب إسلامية في الميزان- رؤية معاصرة، الخطاب الديني المعاصر بين التقليد والتجديد، إشكالية المنهج في دراسة التراث، الفكر الإسلامي الحديث بين السلفيين والمجددين، قراءات نقدية في الفكر العربي المعاصر، العروبة والإسلام- بين الإرجاف والإنصاف، الخلافة الإسلامية بين الفكر والتاريخ، الأسطغرافيا والميثولوجيا- نظر وتطبيق}.

back to top