فاضل مقامس... عاشق الفن والتراث وصديق نحوم الغناء العربي

نشر في 06-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 06-07-2015 | 00:01
• عمل مع والده في التجارة وعمره 11 عاماً واختار اسماً فنياً «بوصقر»
كانت حياة فاضل مقامس مزيجاً غريباً متنوعاً في  شتى الاتجاهات: تجارة.. فن... رياضة... سفر... تراث... كتب... موسيقى وغناء.

والمتابع لسيرته لا يمكنه إلا التوقف للتعرف على الصفات الإنسانية المجسمة في شخصيته، المتمثلة بكفاحه في الحياة والتضحية والبذل وحب الناس والإخلاص للآخرين، كنموذج نريد من جيل اليوم أن يتأثر به، وأن يحذو حذوه. كذلك كان دوره على الساحة الموسيقية والغنائية وتطويره للمرواس مهما جداً، وعلاقته أيضاً مع الفنانين العرب من خليجيين ومصريين.

الحديث عن مسيرة فاضل مقامس يتركز على جوانب من حياته، والأعمال الجليلة التي قدمها وتعد بصمة واضحة وضعها هذا الرجل الفنان على جبين الفن الأصيل، في الكويت كما في الخليج والجزيرة العربية، وقد تجاوز ذلك إلى دول عربية شقيقة قدم لها تضحيات وانكار الذات.

حياته رحلة ممتعة وطويلة، بذل فيها فاضل مقامس الجهد والعناء والمال... وتستحق منا هذا الاهتمام وأكثر.

  «فريج القروية»

فاضل مقامس من مواليد 1928 في فريج «القروية» في براحة الزهاميل القريبة من دروازة عبدالرزاق. بين الدروازة والمطبة على اليمين فريج بن جبل وعلى الشمال شارع دسمان. وكانت بيوت الهاجري وبيوت البحوة وبيوت الروضان قريبة منها، ومن الناحية الأخرى بيوت علي الأربش والمجادي.

من إخوته حمزة ومنصور وفاضل الأوسط، أما والده فولد في فريج {الفرج}.

آخر بيت اشتراه والده في فريج القروية كان بمبلغ 300 روبية، {وهو يحتفظ بورقة هذا البيت.. وقد تم تثمينه في ما بعد وهو بيت كبير جداً.

أما محل والده فكان في السوق، وكان لجده علي بن مقامس الذي كان تاجراً معروفاً.

 الأسد

 يقول في أحد اللقاءات: كثيرون يسألون عن كلمة {مقامس}... أصلها مغامس، أي بالغين ونحن في الكويت لا ننطق حرف الغين، لذا تحولت {الغين} إلى {قاف} وأصبحت مقامس، والكلمة تعني الأسد.

أما عن دراسته، فكانت البداية في مدرسة ملا بلال في فريج {القروية}، ومن أصدقائه في مدرسة ملا بلال في الثلاثينيات: عوض دوخي، يوسف دوخي، وأحمد باقر...

ثم درس في مدرسة {زكريا} في سكة بني الدعيج، وبعدها عند ملا عثمان في المكان نفسه، لكنه لم يستمر طويلاً معه، فانتقل بعد ذلك إلى المدرسة الجعفرية، ومن الأساتذة الذين درّسوه في الجعفرية معجب الدوسري وكان يدرّسه الرسم وملا سعود الخرجي وغيرهما.

لم يستمر طويلاً في المدرسة الجعفرية، ففي الأربعينيات انتقل للدراسة عند ملا حمادة حيث تعلم الحساب والقرآن الكريم.

مساعدة الوالد

 خلال فترة دراسته تعلم  من والده التجارة، ثم طلب منه والده مساعدته في المحل، وقال له: {تعلمت الحساب والقراءة ويجب أن تساعدني في المحل الآن}.

كان لوالده تجارة واسعة، ومحلات للمواد الغذائية للبيع بالجملة والمفرق، وسفن خمس تعمل بين البصرة وإيران، ونواخذة يتنقلون ويعطي كل واحد منهم رأس مال مقداره خمسة أو ستة آلاف روبية، لجلب بضاعة من الهند، وكانت تجارته بين البصرة والكويت آنذاك.

عندما عمل فاضل مع والده في التجارة كان في الحادية عشرة من عمره، وساعده في محل بيع مواد غذائية في سوق الخضار... ووالده اشتغل بالتجارة مع والده عندما كان صغيراً.

 كان لدى والده 14 {بلماً} من السفن الصغيرة، وكان  يصطحبه معه إلى الفرضة سيرا على الأقدام، لأنه لم تكن ثمة سيارات في الكويت آنذاك باستثناء سيارات الشيوخ وبعض الشخصيات.

كانت هذه السفن الصغيرة مسجلة باسم والده، وتحضر له البضائع والفواكه، إما من إيران أو البصرة، وكانت تجارة والده في غالبيتها من البصرة، والبصرة أيام زمان غيرها اليوم... وكان والده وكيل نوع من السجائر اسمه {غازي} وبعض أنواع الأغذية.

 أوانٍ منزلية وهدايا

 عمل في تجارة الأواني المنزلية، وطوّر الأدوات المستخدمة في القهوة والشاي والمباخر، وكان يسافر  إلى كوريا وإسبانيا فغير في الأشكال المستخدمة، وطلب طلاء بعضها بالذهب أو الفضة.

كذلك طوّر بعض الهدايا من الأبوام المذهبة التي تقدم هدايا للضيوف وكبار المسؤولين الذين كانوا يزورون الكويت.

اشتهرت محلات مقامس بهذه الطريقة وأصبح الناس يقصدونها من السعودية والبحرين وقطر وبعض الدول الأخرى لشراء احتياجاتهم من الأواني.

 لمسة فنية

  استفاد فاضل من اهتمامه بالفن والموسيقى في وضع لمسة فنية على تلك الأواني التي تقدم بهذا الشكل للمرة الأولى.

وبداية تطويره لهذه الأواني ليست وليدة اليوم، بل بدأ عمله منذ 1958، واستمر في تطويرها حتى عام 1990، عندما وقع الغزو العراقي الغاشم وسرقوا كل ما لديه من بضائع في المخازن، كذلك نهبوها وحرقوا مخازنه في الشويخ وسرقوها... لكن كل شيء يهون من أجل الكويت.

كان والده يعطي بعض النواخذة المال لشراء البضائع له من الدول التي يزورونها، ومن هؤلاء المضاحكة، خالد الخشتي، سالم مبارك، المراغي، وكانوا يحضرون له الأواني المعدنية من الهند، المصابيح وأدواتها من فتيل ولمبات، كذلك كان يحضر بعض الأدوية من {عبدان} في إيران.

تزوج عام 1949 قبل أن يتوفى والده بعام واحد، ولم يكن يعلم بعلاقته بالفن، فتعلم منه معاملة الناس والصدق والتسامح، وكان والده مدرسة تعلم فيها الكثير، وكان يراه وهو طفل  كيف يساعد الناس بالمال لاستكمال التجارة من دون إيصالات، لأن التعامل آنذاك كان بكلمة الشرف والأمانة.

وكانت عنده مخازن، والمخزن فيه خمس غرف نوم، وكان إيجاره في الشهر 20 روبية، وكانت أجرة الموظف 5 روبيات، وقد اشتغلت عند والده بعض الشخصيات المعروفة في أيام شبابها بين 15-18 عاماً.

عندما توفي والده عام 1950 تحمل فاضل مع أخوته المسؤولية. وفي عام 1958 عندما فتح محلات للكريستال والفضيات،  قصد  المعارض، في دول أوروبا في إيطاليا، مثل ميلانو وكذلك لندن وباريس، ليختار البضاعة التي تعرض للبيع.

وفي عام 1961سافر إلى أميركا لإحضار بضائع، وفي عام 1965 سافر إلى الصين لزيارة المصانع الصينية المشهورة والتعاقد على بعض البضائع، كذلك  زار الصين الشعبية والصين الوطنية وباكستان وهونغ كونغ وكوريا وتايوان وغيرها من دول آسيا الصناعية.

كانت حياته التجارية حلاً وترحالاً هنا وهناك.. وقد تعرف على حضارة تلك الشعوب.. وتراثها، وله أصدقاء فيها.

لقاء الأصدقاء

عام 1949 استأجر فاضل مقامس مكاناً خاصاً بمبلغ 24 روبية، يجتمع فيه مع أصدقائه: أحمد الشطي، محمد العمران، جاسم الوزان.. وكان في منطقة {براحة بن حسن}، وكان كل واحد منهم يدفع 6 روبيات.

بعد ذلك انتقل إلى مكان آخر قرب وزارة الإعلام مخصص للغناء  ودفع أجره 60 روبية، وكان عبارة عن غرفتين وحوش وجليب، فتحول  نادياً للفن، ومن بين الفنانين الذين كانوا يرتادونه: حمد خليفة، عوض دوخي، عبدالعزيز بورقبة، مطرب يدعى عبدالله حيمد، محمد سمحان، عبدالهادي بوطيبان، معيوف الجلاهمة، عبدالعزيز الرباح {عم سعود الراشد}، وكان معه مطرب اسمه سعود بوقنيفة وعبدالله بن ثابت، وانضم إليه محمد الخراز وأحمد الرومي.

عاشق المرواس

 عشق فاضل مقامس العزف على المرواس، وكثيراً ما كان يترك المحل، في  أواخر الأربعينيات،  ويقصد المكان الذي يبيت فيه بعض المطربين ويوقظهم من النوم ليعزفوا له ويغنوا ويقوم بالترويس.. ثم يعود إلى المحل ثانية. كانت تقام  الحفلات في البر، أو في رأس الأرض بالسالمية، وكانت في ذلك الوقت بعيدة نسبياً عن المساكن.

يقول مقامس: {كما حدث تطوير في الصوت، حدث تطوير للمرواس أيضاً على يد أبناء الجيماز.. وقد طورته أنا أيضاً}. سافر إلى النيبار للتعرف، عن قرب، على كيفية صنع المرواس من الخشب الأصلي}.

 حول أصل المرواس يضيف: {هو من الهند، وقد ساهم عبدالله الفرج الذي كان يعيش في الهند بتعريفنا به، في السابق كان عندنا {الدنابك} لاختلاطنا مع أهل العراق، خصوصاً البصرة}.

بو صقر

تعلق فاضل مقامس بالغناء، خصوصاً الإيقاع، وكان إذا خرج  عند العاشرة ليلاً يعود مرة أخرى لسماع المزيد. بعد ذلك طور نشاطه وبدأ المشاركة في الحفلات، واختار اسماً فنياً {بو صقر} خوفاً من والده الذي كان يعارض الغناء، ومن نظرة المجتمع إلى الفنان كأنه عاق وكانت بعض العائلات ترفض تزويج بناتها لفنان...

عرف الناس {بو صقر} الذي يروس في الحفلات، وبدأ يميل إلى الإيقاعات ثم بدأ يتقنها ويرتاح إليها، وقد روس لمطربين بارزين، مثل يوسف فوني وعبدالله أبو شيخة من البحرين، وتفرّد في المرواس وحملت  الإيقاعات التي أضافها أسلوبه، وقد جعله عشقه للمرواس يسافر إلى دول عدة بحثاً عن معلومات عن هذا الفن وأصوله، وصولاً إلى الهند وأفريقيا وغيرهما.

 أشهر المروسين

يذكر فاضل مقامس أن محمد زويد قال له يوماً عندما سأله عن المروسين القدامى.. إن محمد بن فارس قد روس له ملا سعود الياقوت في بغداد، إضافة إلى صالح وداود الكويتي، وأما بالنسبة إلى ضاحي بن وليد فقد كان يروس له بلال، وكان ثمة تعاون بين الكويت والبحرين في هذا المجال.

من أبرز المروسين في الكويت: عبدالله الماص، ناصر الزايد، راشد الجيماز، عيسى الجيماز، نجم العبدالله، سعد بن عابر، عبدالهادي بوطيبان، محسن بن نوح، عبدالله بن ثاني. أما بو بشير فطور في المرواس، وقدم حركة جديدة، ثم جاء فاضل مقامس وطور حركات بوبشير ومحمد الحمد وخليفة المسعود. وفي البحرين:  راشد بن سند، مبارك بن سعد، سرور سالم، يوسف مطر وسالم العبدالله وغيرهم.

عرف المرواس قديماً كآلة مرافقة للغناء مثل العود، والمرواس آلة مصغرة عن الطبل، قد يصل طولها إلى عشرين سنتيمتراً ولا تزيد في سعة قطرها أكثر من 15 سنتيمتراً. تستخدم كآلة إيقاعية ترافق  العزف.. وهي كغيرها من الآلات التي استخدمت فيها عملية الحفر وترقيم الجلد على فوهتها من الجانبين.

كان الكويتيون يصنعون المرواس كما يصنعون العود... وقد تخصصوا بصناعة الترقيم {شد الجلد}. يحمل العازف آلة المرواس بأطراف أصابعه باليد اليسرى ليتمكن من النقر عليها بواسطة أصبع السبابة في اليد اليمنى لإبراز نقرة {الدم}، مع حفظ السبابة، في الجهة المقابلة، على الغشاء في حالة {التك} وتستخدم في غناء الصوت.

وغالباً ما يرافق {الزفن}  العود والمرواس في غناء الصوت، وهو نوع من الرقص يختص بغناء الصوت.

 صديق المطربين...

بداية تعرف فاضل مقامس بالمطربين كانت في طفولته من خلال السهرات والحفلات، وكان يستمتع  بها ويستعين بالفنان الشعبي الكفيف نجم بو غيث، وكان يحضر معه بعض المطربين، وانضم إليه عبدالهادي بوطيبان ومعيوف الجلاهمة وغيرهما من المطربين.

كان الفنانون العرب الذين يزورون الكويت يجتمعون في بيته في الفنيطيس، كذلك الأصحاب والأصدقاء، وقد اشتراه بمبلغ 50 ألف روبية، ولم  تكن ثمة بيوت أخرى في الفنيطيس، ومن بين المطربين الذين كانوا يزورونه: محمد زويد، أحمد الجميري، أحمد خالد، علي خالد، محمد حسن من البحرين، وكذلك محمد عبده، سعود العروج، حمد خليفة، عوض دوخي، عبدالله حميد، سليمان حميد، عبدالعزيز بورقبة، وعبدالوهاب عبدالسلام.

كانوا جميعاً يحضرون حباً بالفن والغناء والطرب الأصيل، ولم تكن ثمة أهداف أخرى مادية أو غيرها.. أثمرت تلك الحفلات التي تقام في بيت الطرب، تعاوناً بين مطربين خليجيين وعرب وكويتيين. وكان مقامس يساعدهم على تسجيل أغانيهم في التلفزيون، وقد استفاد من ثقافة هؤلاء الفنانين.

 فنانو البحرين والسعودية

 ارتبط فاضل مقامس بعلاقة قوية مع فناني البحرين، مثل محمد زويد، علي خالد، أحمد خالد، أحمد الجميري، إبراهيم حبيب، وفرحان بشير... وكان الفنانون البحرينيون يأتون إلى الكويت في تلك الفترة لأن التلفزيون لم يكن موجوداً بعد، وكان الشيخ جابر العلي يشجع الخليجيين على تسجيل أغانيهم وتصويرها في تلفزيون الكويت.

وفي السعودية، تعرف مقامس على محمد علي السندي، فنان يجيد الأغاني الحجازية، وكانت الحجاز متطورة، أما نجد فتشتهر بالعرضة والفرينسي، وكانت لديها فرق بحرية، وتغني النساء في حفلات الزواج من خلال الفرق الشعبية الخاصة.

 سأل فاضل مقامس السندي من علمه الفن، فذكر له اسم {الجاوي}، وقبله كان الشريف هاشم.. فضلا عن بعض المطربين، مثل حسن عبدالرحيم، عبدالرحمن اللبني، وعبدالرحمن المذن، كانوا يقدمون أغاني حجازية قبل أن يأتي الجيل الثاني، الحلواني، عمر كدرس، طلال مداح، وطارق عبدالحكيم مؤسس الفن وساهم في تطويره مع مجموعة من الشباب من بينهم محمد عبده.

مع نجوم مصر

 توطدت علاقة مقامس بنجوم مصريين على غرار نجاة الصغيرة، شكوكو، هدى سلطان، أحمد فؤاد حسن، بليغ حمدي، محمد الموجي، شريفة فاضل، كذلك  التقى أم كلثوم في الكويت، ثم زارها في مصر، وحضر حفلاتها، وتعرف على فريد الأطرش، وزاره مرتين في القاهرة.

تمنى لقاء بعض مطربي جيل الرواد، مثل عبداللطيف الكويتي، وعبدالله فضالة، لكنه قرأ وسمع وشاهد الكثير عنهم، كذلك الحال مع محمود الكويتي، ولديه حصيلة من المعلومات حول هؤلاء المطربين.

back to top