الإقصاء... بالقانون!

نشر في 02-07-2016
آخر تحديث 02-07-2016 | 00:05
 يوسف عوض العازمي صدر قانون من مجلس الأمة، تمت الموافقة عليه في المداولتين، يتعلق بمنع أي شخص صدر عليه حكم نهائي جراء إدانته بالإساءة للذات الإلهية والأنبياء والذات الأميرية، من الترشح للبرلمان مدى الحياة، وهو قانون إقصائي بامتياز، والحقيقة أنني أؤيد شكله وفكرته العامة، لأن الذات الإلهية مصونة، وكذلك الأنبياء، ولا خلاف أيضاً في صون الذات الأميرية، أي أن القضية أخلاقية بالدرجة الأولى، ولا أعتقد أن هناك خلافا على ذلك، إنما جوهر الخلاف أن تكون العقوبة مدى الحياة! ففي ذلك تعدٍّ على الحقوق وربما على القضاء كذلك.

ولنفرض مثلاً أن أحدا أدين بجريمة ما، ثم نفذ العقوبة، هل من المعقول أن تستمر عقوبته مدى الحياة بتشريع برلماني؟!

الإقصاء هو الواضح من هذا القانون، وهو أقصى قرار يتخذه الإنسان في حالة اليأس، وليس كل قرار إقصائي حكيما، ويحتمل الصحة، فقد يكون العكس هو الأصح، والإقصاء يحدث غالبا في الظروف السياسية المعقدة، عندما يتبين أنه لا مناص من الإقصاء، لعدم القدرة على المواجهة، وهو يتخذ غالباً في الدول ذات النهج الديكتاتوري.

لن أجمع أقوالاً من هنا وهناك، ولن أتمترس بمواعظ تدل على ذلك وتلك، إنما لأن الأمر بات واضحاً فسيكون حديثي في كلمات محدودة عمن قرر الإقصاء، هل وجده فرصة ذهبية للتخلص من منافسين محتملين في منافسات أرزاق الدنيا؟ أم أنه وقع على بياض برضا أو عدم رضا، بعلم أو بدون علم؟ هذه الأسئلة ستكون حاضرة إذا تبين أن القانون سينفذ بأثر رجعي، أما إن كان سينفذ من تاريخه، فلذلك أفتراضات أخرى أقل وطأة.

أعتقد أن الأسئلة كلها تتمحور حول جواب واحد، قد يصح أو لا، وفي النهاية هو ظن لا حقيقة واقعة، حتى لا نقع في ظلم مسلم في هذه الأيام المباركة.

منذ علمي بخبر هذا القانون المثير للجدل، توقفت عن الكتابة عنه، وانتظرت لعل وعسى أن يصدر توضيح يبين غايته وهدفه، وبعد يوم، صرح من أثق به، وأتحرى فيه الصلاح (أقصد أحد مقدمي الاقتراح)، بأن القانون لن يطبق بأثر رجعي، وأنه لا مكان للانتقام والاقصاء فيه، وهذا أمر جيد، لكن أثناء ذلك صدرت تصريحات حكومية تناقض ما صرح به الأخ الكريم! وبشكل أثار الشك حول عدة أمور!

في النهاية الظلم ظلمات، ولا عاقل يقبل الأثر الرجعي للقانون، الذي إن صحت التصريحات الحكومية بشأنه، سيكون له وقع أكبر من وقع "الصوت الواحد" حين تم إقراره، ذلك الوقع المقصود هو الإقصاء المتوقع لعدد من النواب السابقين، عن الحياة البرلمانية مدى الحياة، وليس فقط النواب السابقون هم المعنيين وحدهم به، بل يستوي في ذلك أيضا سياسيون غير برلمانيين، ونشطاء سياسيون، أي أننا ببساطة نتجه إلى الصيغة الإيرانية، كما في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وبذلك نكون استوردنا قانوناً لا يمت بصلة للعدالة ولا لتكافؤ الفرص ولا للحق المواطن في ممارسة حقوقه السياسية الدستورية.

الأكيد، طال الزمن أم قصر، وأياً كانت نوايا من أقر القانون، أنه سيلغى، ولن يستمر، سواء بطعن في المحكمة الدستورية، أو صدور قرار مستقبلي من البرلمان بتعديله أو حتى بإلغائه، لمجافاته مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتناقضه مع مواد الدستور الكويتي التي تطالب بحريات أوسع لا الإقصاء!

أيضا أمر مهم جداً، من يضمن في المستقبل ألا تقع تهم كيدية على أي من السياسيين بسبب اختلاف مع الحكومة، عندئذ سيكون هذا القانون كالسيف في يد الحكومة؟ أي أنه، بتفسير آخر، سيلغي هيبة البرلمان والرقابة الشعبية وهذه هي المشكلة، وبيت القصيد.

back to top