مليار دولار خسارة غير محققة للكويت في استثمارها بـ «ميريل لينش» في 2009

على أساس سعر سهم «بنك أوف أميركا» البالغ حالياً 15 دولاراً والحصة المقدرة بـ 63.5 مليون سهم

نشر في 27-12-2009
آخر تحديث 27-12-2009 | 00:00
 غادة العيسى قبل سنتين، وتحديدا في منتصف يناير 2008، استثمرت الكويت مع عدد من الصناديق السيادية من الخليج والشرق الأقصى، في مؤسستين ماليتين شارفتا على الإفلاس هما "سيتي غروب" و"ميريل لينش".

وقبل أسبوعين، شرحنا تفاصيل استثمار الكويت في "سيتي غروب"، وكيف تمكنت الكويت من تحويل ذلك الاستثمار الخاسر إلى رابح، بعدما تدخلت الحكومة الأميركية لإنفاذ "سيتي غروب" من الانهيار، ممّا أدى إلى تغيير كامل للشروط الأولية لاستثمار الكويت في "سيتي غروب"، فمكنها ذلك من بيع استثمارها بربح يعادل المليار دولار على رأس المال المستثمر والذي كان 3 مليارات دولار.

واليوم، نقدم تفاصيل الاستثمار الثاني الذي تم في نفس الوقت، وهو استثمار الهيئة العامة للاستثمار في "ميريل لينش" (Merrill Lynch).

بداية الاستثمار في يناير 2008

في منتصف يناير 2008، أعلنت صناديق سيادية من ضمنها الهيئة العامة للاستثمار في الكويت ومؤسسة استثمار حكومة كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى مؤسسة استثمار حكومة سنغافورة، أنها تنوي الاستثمار في "ميريل لينش"، وقبل نهاية الشهر كانت الكويت قد استثمرت ملياري دولار، واستثمرت كوريا الجنوبية ملياري دولار كذلك بنفس الشروط، بينما استثمرت مؤسسة استثمار حكومة سنغافورة 5 مليارات دولار بشروط تختلف قليلا عن شروط استثمار الكويت وكوريا.

وكان استثمار الصناديق السيادية في "ميريل لينش" على شكل أسهم ممتازة تدر عائدا سنويا يبلغ 9 في المئة، ويتم تحويلها في عام 2010 إلى أسهم عادية من غير أي عائد ثابت، ويكون سعر تحويل الأسهم الممتازة إلى أسهم عادية بسعر شراء قدره 52 دولارا، وهو سعر يعلو قليلا سعر سهم "ميريل لينش" حينئذ الذي كان 48 دولارا.

ونظرا إلى الخسائر الطائلة التي حققتها "ميريل لينش" في النصف الأول من عام 2008، أي بعد استثمار الصناديق السيادية بستة شهور، انخفض سعر سهم "ميريل لينش" انخفاضا كبيرا ووصل إلى 24 دولارا، أي بانخفاض يعادل 50 في المئة من سعره في بداية العام، وعليه أصبحت الخسارة الدفترية للصناديق السيادية تعادل أكثر من نصف استثمارها تقريبا.

تغيير شروط استثمار الصناديق السيادية في صيف 2008

ونظرا إلى استمرار الخسائر في "ميريل لينش"، وازدياد الخسارة الدفترية للصناديق السيادية، اضطرت "ميريل لينش" إلى تغيير شروط استثمار الصناديق السيادية لتحوِّل استثمارها في الأسهم الممتازة ذات العائد الثابت إلى أسهم عادية من غير أي عائد، لسببين: الأول لتعزيز رأسمال "ميريل لينش" بعد أن تآكل من خسائرها الطائلة، والثاني لتخفيف عبء دفع أموال نقدية كعائد على الأسهم الممتازة.

وفي الشروط الجديدة، خفّضت "ميريل لينش" سعر تحويل الأسهم الممتازة إلى عادية من 52 دولارا إلى حوالي 27 دولارا، وعليه وافقت الصناديق السيادية على ذلك لتخفض خسائرها الدفترية. وبالفعل، أعلنت كوريا في يوليو 2008 أنها حوّلت استثمارها البالغ ملياري دولار وحصلت على أسهم عادية في "ميريل لينش" عددها 72 مليون سهم تقريبا.

وفي 6 أغسطس 2008 بيّن سجل إفصاح الكويت لهيئة سوق المال الأميركي (SEC)، أن الكويت حولت استثمارها البالغ ملياري دولار وحصلت على أسهم عادية في "ميريل لينش" عددها 74 مليون سهم تقريبا.

إنقاذ «ميريل لينش» من الإفلاس في سبتمبر 2008

بعد إفلاس "ليمان بروذرز" (Lehman Brothers) في سبتمبر 2008، خشيت شركة "ميريل لينش" أن يصيبها نفس القدر، فوافـقت على أن يشتريها أحد البنوك الأميركية الكبيرة، ووقع الحظ السيئ على "بنك أوف أميركا" (Bank of America)، الذي قرر أن يشتري "ميريل لينش" بمبلغ 50 مليار دولار على أساس 29 دولارا للسهم الواحد، وتبين بعد ذلك أنه كان سعرا عاليا، لا سيما عندما تبين أن خسائر "ميريل لينش" لعام 2008 كانت أكبر مما كان متوقعا، وعليه استمر سعر سهم "ميريل لينش" في الانخفاض ووصل إلى 11 دولارا في نهاية عام 2008.

وهنا رجعت الخسارة الدفترية للصناديق السيادية مرة أخرى، حيث هبط سعر "ميريل لينش" من سعر الشراء الجديد وهو 27 دولارا الى 11 دولارا، أي بانخفاض يبلغ 60 في المئة تقريبا.

إعلان الصناديق السيادية خسائرها في «ميريل لينش»

تدهور سعر سهم "ميريل لينش" منذ أن أعلن عن خسائره الحقيقية، ووصول سعره في نهاية 2008 إلى حوالي 11 دولارا، وأدى ذلك إلى زيادة الانتقاد للصناديق السيادية على استثمارها في المؤسسات المالية الأميركية المتعثرة، مما اضطرها إلى الإفصاح عن خسائرها لشعوبها، فأعلنت كوريا أن خسائرها في "ميريل لينش" حيننئذ فاقت المليار دولار.

وأفصحت الكويت لمجلس الأمة -في الرد على سؤال من النائب وليد الطبطبائي- أن خسائرها في "ميريل لينش" في بداية ديسمبر 2008 كانت قرابة المليار دولار كذلك.

إنقاذ «بنك أوف أميركا» من الإفلاس

نظرا إلى عظم الخسائر التي تحملها "بنك أوف أميركا" من جراء شرائه "ميريل لينش"، اضطرت الحكومة الأميركية إلى التدخل لإنقاذ "بنك أوف أميركا" هو الآخر من الإفلاس كما فعلت مع "سيتي غروب"، وذلك بضخ 45 مليار دولار على مرحلتين: الأولى في أكتوبر 2008 والثانية في يناير 2009.

وبسبب شرائه "ميريل لينش" الخاسر، انخفض سعر سهم "بنك أوف أميركا" من 37 دولارا في سبتمبر 2008 إلى 15 دولارا في نهاية عام 2008، أي بانخفاض يعادل 60 في المئة خلال 4 شهور فقط.

تحويل أسهم الصناديق السيادية إلى حصص في «بنك أوف أميركا»

في بداية عام 2009 اشترى "بنك أوف أميركا" شركة "ميريل لينش" بسعر 29 دولارا للسهم، وتم تحديد نسبة تحويل الأسهم على أساس 0.8595 سهم من "بنك أوف أميركا" لكل سهم واحد من "ميريل لينش".

وعليه، حولت الصناديق السيادية أسهمها في "ميريل لينش" إلى أسهم في "بنك أوف أميركا"، وأعلنت سنغافوره أنها حصلت على 189 مليون سهم، وكوريا على 62 مليونا، أما الكويت فلم تعلن شيئا، لكن من المتوقع أنها حصلت على 63.5 مليون سهم في "بنك أوف أميركا" على أساس سعر التحويل الآنف ذكره.

خسائر الصناديق السيادية في «بنك أوف أميركا»

أعلنت سنغافوره في مايو 2009 أنها باعت حصتها في "بنك أوف أميركا" في الربع الأول من عام 2009، بخسارة قدرها 3 مليارات دولار على استثمارها الذي بدأته في "ميريل لينش" في يناير 2008 وكان 5 مليارات دولار، أي بخساره تعادل 60 في المئة من قيمة الاستثمار.

كما أعلنت كوريا أن خسارتها في "بنك أوف أميركا" تفوق المليار دولار، وأنها لن تبيع حصتها في "بنك أوف أميركا" وستحتفظ بها كاستثمار طويل الأمد.

ومثل كوريا، أعلنت الكويت قبل اسبوعين أنها لن تبيع استثمارها في "بنك أوف أميركا" في الوقت الحاضر، والسبب كما نعتقد هو خسارتها أكثر من نصف مبلغ الاستثمار، حيث نقدر الخسارة الحالية بحوالي مليار دولار، على أساس قيمة الاستثمار الحالية التي نقدرها بحوالي 950 مليون دولار، والتي حسبناها على سعر سهم "بنك أوف أميركا" البالغ حاليا 15 دولارا، وحصتها في "بنك أوف أميركا" المقدرة بـ 63.5 مليون سهم.

حصيلة استثمار الكويت في «سيتي غروب» و«ميريل لينش»

حالف الحظ الكويت في استثمارها في "سيتي غروب"، واستطاعت أن تحقق ربحا يعادل المليار دولار، ولم يأتِ الحظ بعد لاستثمارها في "ميريل لينش-بنك أوف أميركا"، ومازال يرزح تحت خسائر نقدرها بحوالي مليار دولار.

وعلى ما سبق، يكون الربح النهائي لاستثماري "سيتي غروب" و"ميريل لينش" هو لا شيء، فمليار "سيتي غروب " الموجب مسحه مليار "ميريل لينش" السالب!

مصدر المعلومات: عدة مقالات نُشرت في الصحف الأجنبية ووكالات الأنباء مثل «رويترز» و«بلومبيرغ»

غيّرت «ميريل لينش» شروط استثمار الصناديق السيادية لتحويل استثمارها في الأسهم الممتازة ذات العائد الثابت إلى أسهم عادية من غير أي عائد

مليار «سيتي غروب» الموجب مسحه مليار «ميريل لينش» السالب
back to top