عرّاب السينما الكويتية... المخرج العالمي خالد الصديق (5-5):

حصلت على أول رخصة إنتاج سينمائي من البلدية عام 1964

نشر في 23-06-2016
آخر تحديث 23-06-2016 | 00:03
في الحلقة الأخيرة، يتحدث المخرج خالد الصديق عن الثقافة السينمائية لأمير القلوب الشيخ جابر الأحمد، بعد إهدائه كتاب «عرسي وعرس الزين»، وهو الأول من نوعه في العالم العربي، ويتناول خطوات عمل الفيلم السينمائي، واكتشافه أن سموه متابع لتطور الأفلام.
استدعى الصديق ذاكرته حول خوضه رياضة الملاكمة، في مدرسة «سان بيتر هاي سكول»، وتلقيه لكمات متتالية من المنافس، ما جعله يتدرب ويقرأ عن هذه الرياضة، لينتقم منه.
ودعا المخرجين العرب إلى رفض المشاركة في المهرجانات الدولية التي تضعهم في خانة فرعية، وتحرمهم من منافسة الأفلام العالمية، لأن هذا التصنيف ليس في مصلحة السينمائيين العرب.
● لماذا أعجبت برواية عرس الزين للطيب صالح؟

- الرواية للأديب السوداني الكبير الطيب طالح، وتم إنجاز الفيلم عام 1977، وأكثر ما لفتني بها أجواؤها، وتناولها سلطة الأب والفهم الساذج للدين لدى الناس البسطاء، فكتبت السيناريو، وقمت بتطوير شخصيات الرواية ومعالجتها لتتلاءم مع لغة السينما.

وقد عملت بحب ومعايشة وافتتان بالبيئة والمكان والناس هناك، حيث أمضيت فترة ليست قصيرة، ورغم كل العوائق والصعوبات والتحديات جاءت النتيجة كسابقتها: إعجاب النقاد والجمهور وتقديرهم، ثم سعت المهرجانات العالمية لإلحاقه بفعالياتها.

● لماذا رفض الرقيب "عرس الزين" في البداية؟

- بحجة أنه ضد الإسلام، فاضطررت إلى وضع الآية "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله" في مقدمة الفيلم دون أي تغيير، فوافقت عليه الرقابة.

● كيف تلمست ثقافة أمير القلوب السينمائية؟

- عندما عملنا "عرس الزين"، فضلت أن يكون الافتتاح برعايته الكريمة، لكنه لم يستطع، فوكل من أناب عنه، وقبل ذلك قدمت له كتابي "عرسي وعرس الزين"، وبعد أسبوعين قال مدير مكتبه عبداللطيف البحر إن سموه يريد رؤيتي، فذهبت إليه وبدأ يناقشني في الكتاب، فانبهرت من قراءته لجميع الفقرات.

وكان سموه معجبا بالكتاب، لأنه الأول من نوعه في العالم العربي الذي يذكر إجراءات عمل الفيلم السينمائي، وما يحدث من مشاكل أثناء تنفيذه، ثم طلب مشاهدة الفيلم، بالتنسيق مع عارض الأفلام واسمه عبدالرسول، وتم ذلك في قصر الجوهرة، فذهبت بنفسي بدلا من ارسال الفيلم، ومعي 12 بكرة، واكتشفت أن أمير القلوب كان يشاهد كل يوم أو اثنين فيلما، ويرى كل الأفلام الغربية التي تأتي لشركة السينما ويتابع مدى تطورها.

● كم تبلغ من العمر؟

- الإنسان لديه ثلاثة أعمار، الأصلي يوم ولادته، والثاني ما يراه الناس فيك، والثالث والأهم هو ما تشعر به بنفسك، أقول ذلك لأنني مقهور، لأن والدي كان يدون تواريخ ميلاد أبنائه وبناته، في آخر المصحف، وهو متزوج من امرأتين.

وعندما توفي والدي أردت أن أعرف تاريخ ميلادي، فسألت عن المصحف فلم يعرف أحد مكانه، وبعد وفاة أختي الكبيرة طلبت صوري النادرة الموجودة لديها، ولم يعثروا عليها.

● هل ابنك أمين يسير على خطاك؟

- لديه هواية الكمبيوتر، والألعاب الإلكترونية، ويجيد العزف على آلة البيانو والسباحة، ولعبة الكراتيه، وأتمنى أن يمارس الرياضة، لأن الجلوس فترة طويلة أمام الكمبيوتر يسبب السمنة.

● هل مارست الرياضة؟

- لم أمارس الرياضة في حياتي، هوايتي الرماية (أم صجمة) وصيد الطيور، وفي مدرسة "سان بيتر هاي سكول"، عندما كنت في التاسعة من عمري، ارغموني على لعبة الملاكمة، ولبست القفازات، ورموني في الحلبة فوراً، فأكلت علقة وضربات متتالية من قبل المنافس، وكسرت إحدى أسناني، فسألت المدرس لماذا أجبرتموني على اللعبة، فقال كي نحرضك على الانتقام، وقلت إنه تعذيب وليس لعبة.

وقمت بقراءة كتب عن الملاكمة إضافة إلى التدريبات، إلى أن وصلت إلى مرحلة متقدمة بعد عام ونصف، وعزمت على دخول الحلبة مرة أخرى، لمقابلة من ضربني، لكنهم أتوا بآخر لا أعرفه، وفزت على العديد من المنافسين إلى أن جاء دور الطالب الذي أريد منازلته، فانتقمت منه شر انتقام، ثم تركت اللعبة.

● كيف تنظر إلى المشاركات العربية في المهرجانات الدولية؟

- بعدما كنا ننافس كبار المخرجين العالميين في سبعينيات القرن الماضي من خلال "بس يا بحر" و"عرس الزين" وغيرهما، وفي أوهايو نافست أفلاما أميركية وإنكليزية وروسية وفرنسية وغيرها، وكذلك في مهرجان طهران، نشهد اليوم مع الأسف الشديد وجود قسمين في المهرجانات العربية السينمائية، قسم للأفلام الدولية والآخر للأفلام العربية، إنني ضد هذه الفكرة تماما، بل أرفضها رفضا باتا، وأشفق على المخرجين الشباب الذين ليس أمامهم غير منافسة أفلام الدول العربية فقط.

وأدعو المخرجين العرب إلى رفض المشاركة في المهرجانات الدولية التي تضعهم في خانة فرعية وتحرمهم من منافسة الأفلام العالمية، كما أن هذا التصنيف ليس في مصلحة السينمائيين العرب، ويستدعي مقاطعة مثل هذه المهرجانات.

● وماذا عن مهرجان نانت الفرنسي؟

- جاءتني دعوات من مهرجان الثلاث قارات في نانت الفرنسية، وفي يوم من الأيام كان يزور المنطقة مدير المهرجان بيار جالادو، فقال لي إنهم ينظمون شيئا عربيا في نانت، حضرت ووجدت أنهم عملوا قسما يسمى مهرجان أفلام الجنوب، استفسرت منه عن ذلك، دول الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، وقلت تعني أنها سينما الدول المتخلفة أليس كذلك، إنه أمر معيب، لا ألومهم لأننا قمنا بأنفسنا بهذا التقسيم في مهرجاناتنا.

● كيف أكملت دراستك وصولا إلى الدكتوراه؟

- بعد الاحتلال الغاشم، وتحرير الكويت، وضياع ممتلكاتي من الاستوديو وكاميراتي، كتبت عدة سيناريوهات تحت اسم مستعار وقمت ببيعها إلى متعهد أميركي، والممتازة احتفظت بها لنفسي ولم أبِعها.

ووجدت وقتا كافيا لأعود إلى المشروع القديم للدكتوراه، من خلال سيناريو "الطائرة الورقية بالخيط الفضي"، الذي يحتوي على مناح دينية وروحانية وجوانب من حقوق الأطفال والإنسان ومبادئ من البوذية خدمة للأطفال المشردين، وكنت في حالة تفاوض مع شركات الإنتاج من بينها أميركية ويابانية، وأردت أن أضع اسمي عليه، فقال المتعهد السيناريو قوي جدا.

طلبوا مني أن أكتب نحو 400 صفحة إضافية، ثم جعلوني اجتمع مع إدارة جامعة تشلسي في إنكلترا، حيث قيل لي إنه مشروع تخرّج، إذا كان لديك استعداد للمواصلة، بماذا تفكر كي تقدمه لي كرسالة، قلت أقدمه كسيناريو مع تحليل للسيناريو، إضافة إلى طريقة التسويق، الذي كان غريباً، وحصلت عبره على براءة اختراع.

وحصلت في البداية على درجة الماجستير، ثم بعدها قمت بتحليل العمل كاملا، وأبعاده المختلفة ومحتوياته ومراحل إنتاجيته كلها، فنتجت منه 800 صفحة، بعد عمل دؤوب استغرق ثلاث سنوات، وقد قضيت عدة أشهر في إنكلترا، حتى موعد المناقشة، لنيل الدكتوراه.

● هل تم تصويره؟

- نعم، كان يصور في الهند عن أطفال الشوارع، حيث تولت إنتاجه الشركتان اليابانية والأميركية.

● لماذا اختلفت مع الشركتين؟

- طلب مني حذف أحد المشاهد، وإضافة آخر، عن تجارة أعضاء البشر، الذي اعتبرته سيسيء إلينا، كخليجيين وعرب، فوصل الخلاف بيننا إلى أقصى درجة، فأعدت لهم المقدم الذي تسلمته، وقدره 100 ألف دولار تقريباً، وأخذت السيناريو منهم.

«شاهين»

● إلى أين وصل فيلمك "شاهين"؟

- اسمه الحقيقي والكامل "شاهين الشتاء والصيف"، موضوعه تاريخي، أنجزت منه نحو 80 في المئة، استغرق العمل فيه ثلاث سنوات، صوّرت مشاهده في الهند عام 1984، وشارك في بطولته الممثلة الهندية كيران جونيجان، والممثل الإيطالي كارلو كارتير، والفنان المصري مجدي وهبة، إلى جانب إبراهيم الحربي، والفيلم ناطق بلغات أربع، هي: العربية، الإنكليزية، الإيطالية، والهندية. كتبت له السيناريو وأخرجته.

وبالإمكان استكماله، كي يظهر إلى النور، إذا عثرت على شركاء مناسبين، خصوصا أن طريقة تسويقه فريدة من نوعها في العالم، أخذت عليها براءة اختراع، ورفضت طلب شركات أميركية لشرائها، لأنني أريد تطبيقها أولاً على فيلمي، وكذلك ستكون الإيرادات خيالية وغير متوقعة.

● إذا لم تعثر على الشركاء... فماذا ستصنع؟

- انتظر حلاً لقضية تعويضاتي المعقدة، وما حصل من ظلم لي، لكنني استطعت بطريقة ما بعد تقديم مطالبتي أن اجتمع بلجنة الأمم المتحدة في سويسرا برفقة محامٍ، وقالوا يفترض بنا عدم مقابلتك، لكن وضعك مختلف، فأنت الوحيد في الكويت من قدم تعويضا من هذا النوع، وأعلموني بقوانينهم وشروطهم التي يجب أن تطبقها هيئة التعويضات في الكويت، فهي من خالفتها، وعليك مراجعتهم.

الحل الوحيد أن أدخل في قضايا، وهذه حقيقة مهلكة جداً، ولا أحب خوض تلك المتاهات، إنني بانتظار أن تحل عليَّ المعجزة من مكان ما.

مبنى التلفزيون القديم
استدعى المخرج خالد الصديق ذكرياته حول مبنى التلفزيون القديم، قائلا إنه كان محوطاً، عبارة عن شبرة واحدة للإدارة، ومديرها في تلك الفترة د. يعقوب الغنيم، وشبرة تحتوي على استديو الأخبار، وجزء آخر لأجهزة الإرسال، واستديو أكبر للتمثيليات، وشبرة ثالثة للمطعم، كنا 15 موظفا تقريبا.

وأشار إلى أنه ينفذ في الصباح برامج "البادية" و"الصحة" و"الداخلية"، ثم يتفرغ للتمثيليات، وفي المساء يتصدى لـ"نافذة على العالم"، وهي عبارة عن أخبار متفرقة ومتنوعة، وفي التاسعة مساء نشرة الأخبار، بعدها يقوم بالمناوبة في مراقبة الإرسال لعرض الأفلام أو المسلسلات العربية أو الأجنبية. وفي مرحلة لاحقة أضيفت شبرة للمكاتب في موازاة شبرة الاستديو، ثم للاكسسوارات والملابس والديكور.

وعن امتلاكه أول رخصة إنتاج سينمائي في الكويت، أكد أنه حصل على أول وأقدم رخصة رسمية، في مارس 1964، حيث كانت تصدرها البلدية، وكان مسموحا لموظفي الدولة بممارسة التجارة، إلى جانب وظائفهم، وبعد ذلك تحولت الرخص إلى وزارة الإرشاد والأنباء، والآن لدى المصنفات الفنية في وزارة الإعلام.

ولفت إلى ان الكويت هي الأقدم سينمائيا في المنطقة، موضحا أنه منذ ثلاثة أعوام قامت القنصلية البريطانية في أبوظبي بعمل مهرجان مصغر للأفلام الوثائقية والتسجيلية الخليجية، بالتعاون مع جامعة الشيخ زايد، واتصلوا به فبين لهم أن الأفلام التي أخرجها الكويتيون في البدايات، "الصقر" 1965، و"معهد الأمل" عن الصم والبكم 1968، واتضح في هذا المهرجان أن الكويت هي الأقدم سينمائيا في المنطقة، ثم البحرين في السبعينيات، والإمارات في الثمانينيات.

السينما الأميركية والعالمية مفلستان
للمخرج القدير خالد الصديق وجهة نظر ناقدة للأفلام السينمائية الأميركية التي تابعها، حيث أشار إلى أن ثمة أفلاماً لا تستحق أن تظهر، على الرغم من الميزانيات الضخمة والأسماء الكبيرة التي شاركت فيها، مثل فيلم "ذا هوبيت: معركة الجيوش الخمس" للمخرج بيتر جاكسون، الذي تبلغ تكلفته 250 مليون دولار، وحقق إيرادات كبيرة، صحيح أنه يحتوي على خدع جميلة، لكن الطفل باستطاعته أن يكتشف كماً من الأخطاء، وبعض النقاد قالوا: بعد هذا العمل يجب على المخرج أن يتوقف.

كما لفت إلى أنه لم يعجبه فيلم "الحاقدون الثمانية" (2015) لكوينتن تارانتينو، وقد أطلق الصديق عليه تمثيلية تلفزيونية عربية تتحدث اللغة الأميركية، وما زاد استغرابه، أن هذا المخرج قدم أفلاماً جميلة في السابق، مثل: "اقتل بيل" و"جانغو".

وقال عن السينما في الوقت الراهن، إن السينما الأميركية والعالمية مفلستان، ليس لديهما إلا الخدع والكمبيوتر (غرافيكس)، تحملان موضوعات ليست دسمة، وأحياناً هي بمثابة تقليد لأفلام أخرى مع تغيير الممثلين النجوم، مثل "ستار وورز"، الذي تم فرضه إعلامياً. أما الأفلام التي أحبها ولا يزال يشاهدها فذكر فيلم "أماديوس"، عن قصة حياة الموسيقار موزارت، "فهو ينم عن ذكاء المخرج والسيناريست في جعل المتفرج يتعاطف مع المجرم، شاهدته أكثر من عشرين مرة".

وعن جديده من بحوث أو دراسات، أكد الصديق أنه اقتنى كماً من أفلام الأربعينيات من اليابان، وهو يشاهدها لإعادة الذكريات، ومن جانب آخر سيقدمها في بحث يتناول قصة حياته.

كاميرات أمس واليوم
عقد المخرج خالد الصديق مقارنة بين كاميرات أمس وكاميرات اليوم قائلاً إن "ريد راغون 6 كي"، كاميرا 35 ملم، كانت قيمتها 170 ألف دولار، أما اليوم فإن أحسن كاميرا ديجيتال تبلغ قيمتها 20 ألف دولار، كما يمكنك الآن عبر جهاز الهاتف الذكي "آيفون" أن تنفذ الأفلام الطويلة، وهناك تجارب لمخرجين أبدعوا في هذا الحقل.

أما بشأن الكاميرا التي سيستخدمها، إن أراد تصوير أي فيلم في الوقت الحالي، فقد أكد المخرج خالد الصديق أنه يفضل، على الصعيد الشخصي ولو توافر التمويل المناسب للفيلم، أن يعود إلى تنفيذ العمل بطريقة الفيلم السينمائي، مستدركاً: "صحيح أن الديجيتال يساعد على التوفير، لكن الجودة التي تراها على الشاشة ليست مثل الأفلام الخام". ولفت إلى أنه قام في "عرس الزين" بإعادة لقطات لأحد الممثلين أكثر من عشرين مرة، مضيفاً: "وهنا يكمن الصراع بين الصديق المخرج والمنتج، وأخيراً فإن المخرج ينتصر، وهذه خسارة، فمعدل الإعادة في العالم العربي لا يتعدى ثلاث مرات. وبالنسبة لي، سأستخدم كاميرا تصوير السينما الخام الحديثة، مثل آلة تصوير (بانافيجن)".

السينما الكويتية الأقدم في المنطقة تليها البحرين ثم الإمارات

سيناريو «الطائرة الورقية بالخيط الفضي» أسهم في حصولي على الماجستير والدكتوراه

«أماديوس» فيلم عن الموسيقار موزارت شاهدته أكثر من 20 مرة

«شاهين الشتاء والصيف» سيرى النور إذا عثرت على شركاء مناسبين

على المسرحيين العرب رفض المشاركة في المهرجانات التي تحرمهم من المنافسة
back to top