ميزان

خسر أحمد كل شيء، خسر وظيفته في الكويت التي قدم استقالته منها ليستكمل تعليمه، خسر مقعده في أدنبره وخسر البعثة التي حصل عليها من فيرجينيا. تعاطف معه الأكاديميون في جامعة دبلن وتقديراً لظروفه أجلوا العرض المقدم له من جامعتهم إلى سنة 2016/ 2017، وهي الفرصة القادمة إلى نهايتها قريباً إذا ما لم يحصل أحمد على جوازه ويسافر سريعاً ليبدأ دراسته.يسألني أحمد، لماذا يحدث لي كل هذا دكتورة؟ أنا رجل أحمل عائلتي الصغيرة والكبيرة على أكتافي، أحمل هموماً أكبر من عمري وطموحاً أكبر من إمكاناتي، لمَ يحرمونني حتى هذه الفرصة، هذا المتنفس البسيط؟ لا ردود لدي أقدمها لأحمد، كما لم يرد عليه آخرون، الموظفون والمسؤولون والنواب، حتى جمعية حقوق الإنسان ما ملكت له رداً، والتي وبحسب ما أخبرني أحمد، أخبره أحد أعضائها أنه ليس بيدهم شيء الآن. وبالتواصل مع السيد محمد الحميدي عضو مجلس إدارة جمعية حقوق الإنسان بخصوص الموضوع، أخبرني أن الوضع مزر وأن "الداخلية" تضع القيود الأمنية على أبسط الأسباب، وأن الجمعية حاولت التواصل معهم سابقاً دون أي استجابة. يقول الأستاذ الحميدي أنه رفع عدداً من القضايا بسبب هذا الموضوع، مؤكداً لي أن سياسة الدولة القادمة مخيفة تجاه البدون، حيث إن الأمر لن يتوقف عند القيود الأمنية فقط. يبدو أن القادم، والكلام لي الآن، أعظم وأمرّ.قصة أحمد هي قصة كل شاب بدون يعيش في المركز الإنساني العالمي الكويتي، شباب وشابات، من الجيل الخامس أو السادس الآن من البدون، لم يعرفوا غير الكويت بلداً، استنشقوا هواءها، مشوا في شوارعها، سكنوا بيوتها، التي ليست ككل البيوت، تعلموا في مدارسها، التي ليست ككل المدارس، غنوا نشيدها، التصقوا بترابها لربما أكثر من الكويتيين أنفسهم، فنحن نسافر للخارج، نرى أماكن أخرى، نحب بلداناً ومدناً أخرى، أما هم فلم تعرف أغلبيتهم سوى هذه الأرض، وهذه السماء، وهذا الماء المالح للخليج، تلك هي كل حياتهم التي ترفض الحكومة الاعتراف لهم بها. قصة أحمد مقبلة على نهاية، وكم أخشى هذه النهاية، أخشى أن يخسر أحمد آخر آماله وأن تخسر الكويت أحمد المتفوق الذي يمكن أن يقدم لها الكثير، وأن يخسر المركز الإنساني كل ما تبقى له من مصداقية. لدي الكثير من أوراق أحمد ومستنداته للراغب في الاطلاع، عل وعسى أن يمدّ أحدهم يداً له، فتطلق سراحه ليستكمل تعليمه ويحقق شيئا من آماله، لربما يتزن ساعتها ميزان الدنيا لأحمد بعض الشيء، فتنصفه، ولو لمرة.