صفقة الاتحاد الأوروبي مع تركيا تكشف عن عجزها الواضح

نشر في 22-03-2016
آخر تحديث 22-03-2016 | 00:01
 ذي تيليغراف لُقِّبت أنجيلا ميركل بـ"سيدة أوروبا الحديدية" في مقارنة سطحية إلى حد ما مع المرأة الحديدية البريطانية الأصلية استندت في جزء كبير منها إلى واقع أن المستشارة الألمانية سياسية ترأس ألمانيا منذ مدة طويلة وقد بدأت حياتها كعالمة كيمياء.

ولكن مع تفاقم أزمة المهاجرين الأوروبية المحتّم، اكتسبت هذه المقارنة مبرراً جديداً، بما أن ميركل تزداد انفصالاً عن الواقع على الأرض: فتبدو هذه الشخصية التي كانت تشع هدوءاً وقوة من قبل معزولة وحادة.

لنتأمل المجلس الأوروبي حيث يُفترض أن يتفق قادة الاتحاد الأوروبي على صفقة مع تركيا تُرحَّل بموجبها أعداد كبيرة من اللاجئين من الجزر اليونانية مقابل قبول أوروبا باستقبال العدد ذاته من اللاجئين من مخيمات اللاجئين التركية مباشرة.

لكن أوروبا لا تزال بعيدة كل البعد عن التوصل إلى الحلّ الذي كانت ميركل تحاول فرضه على الدول الأعضاء منذ نحو سنة (وتخفق بوضوح)، فبعد مرور ستة أشهر على إعلان المفوضية الأوروبية "صفقة" أخرى لتوزيع 160 ألف لاجئ في أوروبا، أقرت بأسى قبل أيام أنها نجحت بالقيام بـ937 عملية نقل فقط حتى اليوم.

لكن هذا الإخفاق المريع لم يردع ميركل، التي مضت قدماً وعقدت بمفردها تقريباً "صفقة" مع تركيا تعِد بنقل لاجئين إلى أوروبا قد تصل أعدادهم إلى مئات الآلاف سنوياً، وجاءت هذه الصفقة رغم رفض دول أوروبا الشرقية القاطع استقبال لاجئ واحد وإعلان فرنسا أنها لن تستقبل أكثر من الثلاثين ألف لاجئ الذين سبق أن حددتهم، مما يعني أن "ائتلاف الدول المستعدة" غير المتكافئ سيقتصر على ألمانيا وربما السويد وهولندا.

إلا أن انفصال ميركل عن الواقع لا يقف عند هذا الحد، فحتى قبل التوقيع على خطتها لوضع اللاجئين على مراكب وإعادتهم إلى تركيا، أعلنت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أنها غير قانونية، بما أن اتفاقية جنيف تنص على أن لكل لاجئ الحق في طلب اللجوء شخصياً.

ولكن حتى لو كانت هذه الخطة ممكنة (علماً أن هذا السيناريو يتطلب مراكز معالجة ضخمة في اليونان)، لم يتضح بعد ما إذا كانت تركيا، التي تمنع السوريين من عبور حدودها وتسعى إلى توقيع اتفاقيات "لإعادة قبول اللاجئين" مع دول مثل أفغانستان، تُعتبر "دولة ثالثة آمنة".

رغم ذلك، لا يقف الجنون عند هذا الحد أيضاً، فمن بين الإغراءات التي تُقدَّم لتركيا السماح لرجال الأعمال والسياح الأتراك بالسفر من دون تأشيرة سفر إلى أوروبا، ولا شك أن هذا مثال آخر يبرهن أن صفقة ميركل بعيدة كل البعد عن الواقع.

إن أرادت تركيا أن تنعم بإمكان سفر مواطنيها إلى أوروبا من دون تأشيرة سفر، فعليها أن تستوفي 72 معياراً محدداً مسبقاً، إلا أنها لم تتمكن حتى اليوم من تحقيق نحو نصفها، فضلاً عن أن فرنسا وإسبانيا أكدتا أنهما لا تنويان التساهل في هذه المسألة.

نتيجة لذلك، لا أمل في الوقت الراهن بأن يسافر 75 مليون تركي إلى أوروبا من دون تأشيرة سفر، ورغم ذلك يبدو قادة أوروبا مصممين على توقيع اتفاق يعد بذلك.

لا شيء يبدد المصداقية والسلطة بقدر التفاهات الواضحة المتعمَّدة، ومع ذلك توشك أوروبا أن توافق على صفقة غير قانونية، غير عملية، وغير نافذة، ويعرف الجميع هذا الواقع، خصوصاً الشعب الألماني، الذي يعتقد 71% منه أنها لن تنجح، وفق استطلاع للرأي أجرته شركة YouGov للأبحاث أخيراً.

ثمة سبب حقيقي لخسارة ميركل تواصلها مع حزبها: فقد فقَدَ عدد كبير من ناخبيها الأوفياء الثقة بقدرتها على التركيز على ما يمكن تحقيقه عملياً، ولا يقتصر هذا الشعور بالسأم على ألمانيا، إذ يفصلنا أقل من مئة يوم عن تصويت الناخبين البريطانيين على عضوية بلدهم في الاتحاد الأوروبي، ولا شك أن مشهد القادة الأوروبيين الذين يعلنون صفقة متعجرفة أخرى لا تحقق أي هدف غير إبراز عدم كفاءتهم ستزيد عدد الناخبين الإنكليز الذين يساورهم شعورهم مماثل.

* بيتر فوستر

back to top