معالجة عجز ميزانية الحكومة

نشر في 10-02-2016
آخر تحديث 10-02-2016 | 00:00
 أحمد قبازرد أسعار النفط المنخفضة ستؤدي إلى خروج منتجي النفط ذوي التكلفة العالية من السوق والحد من الاستثمارات الجديدة في حقول النفط من جهة، ومن جهة أخرى إلى تشجيع زيادة استهلاك الطاقة مما سيؤدي إلى تماسك الأسعار وبدء صعودها في السنوات القادمة في دورة اقتصادية جديدة من الارتفاع والانخفاض، وفي كل مرة تنخفض الأسعار تتعالى الأصوات منادية بالإصلاح الاقتصادي لتتلاشى هذه الأصوات مع ارتفاع أسعار النفط من جديد.

لدى الدولة احتياطيات مالية تمكنها من تسديد العجز لعدة سنوات، لكن المشكلة في التضخم الكبير للمصروفات الحكومية في السنوات الأخيرة، واستمرار نموها بنسب كبيرة لتصل في ميزانية سنة 2016-2017 إلى 19 مليار دينار، وتتطلب لتعادلها 67 دولاراً لكل سعر برميل نفط، ويتوقع خلال أقل من 10 سنوات تجاوز سعر التعادل 100 دولار للبرميل، والتطور السريع في تكنولوجية إنتاج الطاقة المستدامة وإنتاج النفط الصخري وانخفاض تكاليف الإنتاج لتلك المصادر ستضع سقفا أعلى لارتفاع أسعار النفط، مما يجعل الرهان على أسعار تزيد على 100 دولار للبرميل في المستقبل المنظور مجازفة غير مضمونة النتائج.

عجز ميزانية 2016-2017 بمبلغ 12.3 مليار دينار بنسبة قدرها 65% من الإيرادات، أي إيرادات الدولة تغطي فقط ثلث المصاريف، يحتم علينا النظر في وضعنا الاقتصادي على المدى البعيد، والبحث عن موقع الخلل لعلاجه الآن ونحن لدينا الإمكانات والاحتياطيات المالية. والأفكار المطروحة لزيادة أسعار المحروقات والكهرباء والماء وكذلك زيادة رسوم الانتفاع من أملاك الدولة مثل القسائم الصناعية والمزارع والشاليهات، لو طُبقت جميعا فمن الصعب أن توفر أكثر من 5 إلى 7% من عجز الميزانية.  إذا كنا نبحث عن موقع الخلل فيجب النظر في بند المرتبات البالغ 10.4 مليارات دينار، ولو أخذنا في الاعتبار التكاليف الأخرى المرتبطة بتضخم أعداد موظفي الدولة من مستلزمات ومعدات وتجهيزات ومبان وصيانة وخدمات نجد أن تكلفة البيروقراطية الحكومية تصل إلى 14 مليار دينار، وقد وصف البنك الدولي هذه البيروقراطية بإحدى أسوأ بيروقراطيات العالم، وفي أسفل السلم في مصاف أكثر الدول فقراً ونقصا في الإمكانات، ومن حيث ثقل العبء التنظيمي بصفة عامة، إذ تحتل الكويت المرتبة 81 من أصل 84 دولة، وبالإضافة للتكلفة العالية لتضخم الجهاز الحكومي في الميزانية فإن تعدد الإجراءات الحكومية وصعوبتها يضع تكلفة عالية على القطاع الخاص ويحدّ من نموه.

لو أردنا إصلاح الجهاز الإداري للنهوض من موقعنا في أسفل السلم لنصبح أعلاه في مصاف الدول المتقدمة حسب المعايير العالمية، لما أمكننا تحقيق ذلك بعملية تطوير اعتيادية، فهذه العملية قد تؤدي إلى توفير 10 إلى 20% من التكاليف، إنما المطلوب عملية هدم القائم، وإعادة هندسة الجهاز الإداري من الأساس على صفحة جديدة، فبالاستغلال الأفضل للأنظمة التكنولوجية الحديثة يمكننا بناء جهاز جديد، قادر على تنفيذ جميع المهام الحكومية بسرعة وكفاءة، بثلث حجم الجهاز الحكومي الحالي، مما يوفر 9.3 مليارات دينار أي ما يساوي 76% من عجز الميزانية.

إعادة هندسة إجراءات عمل الحكومة مهمة سهلة من الناحية الفنية البحتة، لكن تطبيقها يعدّ من أصعب الأمور بسبب مقاومة البشر للتغيير والتشبث بالأمر الواقع، وما يعتبرونه مكتسبات يجب الدفاع عنها، ومن أهم عوامل نجاح المهمة إيمان القيادة السياسية والرئيس التنفيذي الأعلى بأهمية التغيير والنجاح في توعية المجتمع وأصحاب المصالح بأهمية التغيير للكويت وأجيالها القادمة.

وللمحافظة على مستوى معيشة جيدة لأجيال المستقبل يجب بناء مؤسسات مبنية على أساس الكفاءة وقياس المردود والمحاسبة على النتائج، مع تهيئة البيئة المناسبة لنمو القطاع الخاص حسب نظرة استراتيجية لخلق الوظائف لأغلبية المواطنين في القطاع الخاص.

back to top