إلى اللقاء... طبتم وطابت لحظاتكم!

نشر في 26-04-2015
آخر تحديث 26-04-2015 | 00:01
 د. ساجد العبدلي كانت رحلتي مع «الجريدة» من الناحية المهنية في أعلى مستويات الرقي، حيث لم تتدخل إدارة التحرير يوما في مسار ما كنت أكتب، ولم تعترض على أي مادة تناولتها، اللهم إلا في مرة أو اثنتين لأسباب تبينت لي وجاهتها بعدما نوقشت فيها، فتحية للزملاء أسرة التحرير والإداريين في جريدة «الجريدة» على تلك الصحبة الجميلة، وتمنياتي لهم ولـ«الجريدة» ولقرائها بالخير دائما.

في الثالث من يونيو ٢٠٠٧ بدأت رحلتي مع جريدة "الجريدة"، أي بعد انطلاقها بيوم واحد فقط، فقد كان عددها الأول في اليوم السابق لهذا التاريخ، وكانت الانطلاقة من خلال مقالي الذي جاء بعنوان "سيرك سياسي"، وفي العشرين من يناير ٢٠١٥ كان آخر مقال كتبته في "الجريدة"، قبل هذه الرسالة، حيث جاء بعنوان "غريزة القطيع"، رحلة كتابة امتدت على مدى ثمانية أعوام، كتبت فيها مئات المقالات المتنوعة التي تناولت مئات القضايا والأفكار.

    بدأت رحلتي مع "الجريدة" بمقال "السيرك السياسي" حيث قلت، من جملة ما قلت فيه، واصفا وكاشفا حقيقة وضعنا السياسي المحلي: "ما لدينا هو بعض من مكونات الديمقراطية غير المترابطة والمعلقة هكذا في الهواء، من دون نسيج يشد بعضها إلى بعض، ومثلما أن القمح والرحى والماء والخميرة والتنور ليست خبزا، فإن الانتخابات والأدوات البرلمانية والقنوات الإعلامية وجمعيات النفع العام والجماعات السياسية لا تعني ديمقراطية"، كتبت ذلك وكأني كنت أتنبأ، بشكل من الأشكال، بما ستؤول إليه الأمور والأحوال، وانتهيت في يناير الماضي إلى مقال "غريزة القطيع"، قائلاً وناصحا نفسي في المقام الأول: "كن يقظا على الدوام، وكن متسائلا في حقيقة ما تراه وتسمعه، وفكر بعمق، بعيدا عن تأثير ما فعله الآخرون"، وهو ما تعلمته على مدى مسيرة الأعوام الثمانية التي انفرطت بلمح من بصر وكأنها خرزات مسبحة انقطع خيطها بغتة!

    لم يكن قصارى الأمر في رحلة الأعوام الثمانية هذه أني أنتجت آلاف السطور المطبوعة بالحبر فحسب، بل الحقيقة أنها كانت قطعة حية بذلتها من نفسي ومزاجي وعمق ذاتي، وكانت في ذات الوقت إزميلا كان يعمل نحتا وصقلا في فكري وتكويني النفسي، حتى صرت إلى ما صرت إليه اليوم.

    ولأن لكل رحلة نهاية، فقد وصلت رحلتي مع جريدة "الجريدة" إلى محطتها الأخيرة، بدأ ساجد العبدلي تلك الرحلة شخصا مستغرقا في شجن الحدث السياسي، وأنهاها شخصا آخر، يربط كل الأمور بعضها ببعض، ويتساءل على الدوام في حقيقة ما يراه ويسمعه ويفكر بعمق بعيدا عما يفعله الآخرون، ويبحث طوال الوقت عن دوره الحقيقي المؤثر في مجمل هذه الحياة، ولو كان صغيرا، ولو كان بمقدار شق تمرة!

    كانت رحلتي مع "الجريدة" من الناحية المهنية في أعلى مستويات الرقي، حيث لم تتدخل إدارة التحرير يوما في مسار ما كنت أكتب، ولم تعترض على أي مادة تناولتها، اللهم إلا في مرة أو اثنتين لأسباب تبينت لي وجاهتها بعدما نوقشت فيها، فتحية للزملاء أسرة التحرير والإداريين في جريدة "الجريدة" على تلك الصحبة الجميلة، وتمنياتي لهم ولـ"الجريدة" ولقرائها بالخير دائما.

    وأما قرائي الأعزاء، الذين هم محور مدار المسألة برمتها، فشكرا لهم على قراءتي طوال هذه السنوات عبر هذه الزاوية، على أمل أن ألقاهم في زوايا أخرى، سواء في المطبوع أو الإلكتروني، فالكاتب الحق سمكة لا تعيش بعيدا عن ماء الكتابة.

    طبتم جميعا وطابت لحظاتكم.

back to top