العالم يحطّ رحاله في الرياض!

نشر في 28-01-2015
آخر تحديث 28-01-2015 | 00:01
 تركي الدخيل أساطيل من الطائرات من قارات العالم كلها تحط رحالها في الرياض، لوداع زعيمٍ استثنائي في تاريخ العرب الحديث، عبدالله بن عبدالعزيز، جميع الأصدقاء وحتى الخصوم جاؤوا للوداع، لنعي شخصٍ لم يكن عابراً في زمن السياسة، أو طارئاً في تاريخ إدارة الأزمات، بل استطاع خلال سنوات حكمه العشر، وطوال حياته الممتدة طوال تسعين عاماً، أن يرفع سمعة بلاده، وأن يحمي الخليج، وأن ينصح العرب، وسعى إلى مصالح المسلمين في أنحاء العالم. كان سبّاقاً في رؤيته وفي سعيه، لدرجةٍ جعلته يؤسس لحوار الأديان، والحوارات الوطنية الداخلية، ليبث حوارات التسامح بين المسلمين وبين أبناء الوطن الواحد، وقد أسس لحزمة من المبادرات التي لن تموت.

قاد مبادرة السلام العربية، لأنه آمن بأن الحلول العالقة، والمشاكل المتفاقمة على مستويات ثالوث الكوارث: الجهل، المرض، العنف، لن تتم من دون إزالة الشوائب العالقة بما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعليه فإن البدء بترميم هذه المشكلة وإنهاء هذه القضية سيكون بدايةً لفتح آفاقٍ جديدة من العمل العربي والدولي، ورغم عدم تمام هذه المبادرة فإنها لم تكن مغلقة أو منتهية أو بمقبرة التاريخ، بل على العكس لاتزال الحل الأنجح بالنسبة لجميع الأطراف، سواء الفلسطينيون أو الإسرائيليون، وهذه مبادرة تعد من المبادرات طويلة الأمد والتي يمكن أن تفعّل في أي فترة من الأزمان القادمة، وربما لن تنجح إلا بعد أجيالٍ وأجيال، لأنها مبادرة واقعية متجاوزة للعناصر العاطفية والأدوات الحالمة، إنها مبادرة واقعية بامتياز.

نجح في رأب الصدع بليبيا، من خلال حل قضية لوكربي وفك الحصار الذي امتد على ليبيا طوال أحد عشر عاماً، وجمع شمل الفلسطينيين، ورمى ثقله لفك النزاعات والصراعات في إفريقيا، ودعم بالمال سبل علاج الأمراض المتفاقمة هناك، حتى دعم في آخر حياته الأمم المتحدة في جهودها لإيقاف زحف مرض «إيبولا». إنها مبادرات في الشرق والغرب لا تقتصر على دولةٍ مسلمة فقط، ولا على دولة صديقة، بل حتى الدول التي لا تأثير لها ولا وزن كان يقف معها على سبيل تفعيل المبدأ الإنساني والحس المسؤول من قبل ملك يحكم دولة من أغنى دول العالم على الإطلاق.

كان الراحل رجل مبادراتٍ قوية، وكان صريحاً إلى أبعد حد، ويصف الشيخ محمد بن زايد -ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة- الملك عبدالله بأنه صادق وصريح، إلى درجة أنك إن لم تكن تعرفه جيداً فإنك ستظن أنه «زعلان عليك»، كان صريحاً صراحة الأبوة والأخوة والرعاية والعطف، ولهذا لم يرد أن يرحل قبل أن يرى مصر متعافية، ويرى بيت الخليج وقت تم ترميمه بعد العواصف من الرياح العاتية.

بالتأكيد رحل أحد أعظم زعماء المنطقة والعالم، رقد بسلامٍ وطمأنينة، لأنه عاش بسلامٍ وطمأنينة، وأحبه الناس لأنه أحبهم أيضاً، لقد كان الملك الصالح البسيط بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معنى.

back to top