دراسة : الفيلي: المخاطب بعرض مراسيم الضرورة هو الحكومة لا المجلس حفاظاً على عدم تأجيلها

نشر في 04-12-2014 | 00:10
آخر تحديث 04-12-2014 | 00:10
• الإعلان اللاحق من الرئيس المنتخب عن إحالة المراسيم يشكل سنداً لسلامتها

• المحكمة استلزمت للنظر في أمر بطلان العضوية أن تكون الأحكام الصادرة على العضو مقرونة بعقوبة

• لماذا يطعن في نتائج الانتخابات مَنْ لا يرغب في الاشتراك فيها؟
أكد الخبير الدستوري أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي أن "الاعلان اللاحق من قبل الرئيس المنتخب عن إحالة مراسيم الضرورة يشكل سندا لسلامة الإحالة، خاصة ان النص لم ينظم جزاء محددا في صلبه، كما لم يقرر ميعادا دقيقا للإحالة".

وقال الفيلي، في دراسة قانونية عن الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية، التي أصدرتها عقب الانتخابات التكميلية، إن "المحكمة توسعت أيضا في تقرير حق الانتخاب، فهي لم تكتف لتقرير الحرمان من حق الانتخاب وبالتالي الترشح بالإدانة القضائية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، بل استلزمت أن يكون ذلك مقرونا بعقوبة يقررها القاضي، فلا يكفي لتقرير الحرمان الادانة المقرونة بالامتناع عن النطق".

وعن عرض مراسيم مجلس الأمة ذكر أن "المخاطب بهذا العرض، وحسبما أكدت المحكمة، هو الحكومة، ويترتب على هذا الإجراء ان هذه المراسيم، وهي أدوات قانونية تختص الحكومة بإصدارها، تصبح خارج نطاق اختصاص الحكومة، فليس لها أن تعدل فيها أو تلغيها، وينتقل الاختصاص بالتعامل معها لمجلس الأمة، وفي ما يلي نص الدراسة:

عقب إعلان نتائج الانتخابات التكميلية لمجلس الأمة التي اجريت بتاريخ 26/6/2014 تقدم اربعة مرشحين وناخب واحد بستة طعون في نتائج الانتخابات (واحد منها تم تقديمه امام مجلس الامة وامام قلم كتاب المحكمة الدستورية) وصدرت بتاريخ 26/11/2014 الاحكام في هذه الطعون. اكدت المحكمة الدستورية في عدد من هذه الاحكام مبادئ كانت قد ارستها في احكام سابقة، كما انها تعطي انطباعا بالعدول عن توجهات سابقة لها، وهي ايضا تعاملت مع مسائل جديدة في احكام اخرى.

موقف المحكمة

اولا: توجهات سابقة: وبعض هذه المسائل هي محل للاستقرار في الاجتهاد السابق من قبل المحكمة، كما ان موقف المحكمة في بعضها يسمح بالاعتقاد بأن التوجهات السابقة لم تعد محل استقرار.

1– اجتهادات مستقرة: ويمكن ان نورد عددا منها:

 أ   في الطعن المقدم من المرشح محمد الهاجري والمقيد برقم 6/2014 اكدت المحكمة مبدأ استقرت عليه، وهو مبدأ معروف في القضاء المقارن ومفاده ان البطلان غير المؤثر على سلامة تعبير الانتخاب عن ارادة الناخبين لا يبرر اعلان بطلان الانتخاب.

ب  في موضوع التعامل مع الدفوع بعدم الدستورية بمناسبة فحص الطعون الانتخابية لاتزال المحكمة تفرق بين موضوع عدم الجدية الذي يؤدي الى رفض الدفع (طعن انتخابي 1/2014) والفحص الموضوعي للطعن بعدم الدستورية الذي قد يقود الى قبول الطعن او رفضه (طعن انتخابي 2/2014)، وقد تعاملت في الطعون 20 و21 /2008 و15/2012 بمثل هذا المنهج (انظر محمد الفيلي. جريدة الجريدة. 4 يوليو 2013).

ج  اقرار المجلس لمرسوم بقانون لا يمنع من قبول طعن فيه من حيث اتساق احكامه مع الدستور موضوعيا او من حيث سلامة اجراءات اقراره، وقد بحثت المحكمة موضوع سلامة المرسوم بقانون 20/2012 مرتين: مرة في حكمها بالطعن 15/2012 ومرة في حكمها بالطعن 2/2014.

 د  انطلاقا من ظاهر النص تستلزم المحكمة لقبول الطعن في نتائج الانتخاب ان يكون مقدما من مرشح في الدائرة الانتخابية او ناخب مقيد في الدائرة. والمحكمة مستقرة على هذا الفهم للنص (الطعن 2/2014 على سبيل المثال) لان النص في ظاهره يقود للفهم السابق، كما ان هذا التفسير قد يكون سائغا عند البعض، فمن لا يرغب في الاشتراك في الانتخابات لماذا يطعن في نتائجها. ولكن التفسير السابق لا يأخذ في الحسبان إمكان ظهور فرضيات تكون عدم المشاركة مرتبطة بإرادة عدم تمكين المسجلين في الجداول الانتخابية من المشاركة في الانتخاب وعند تحقق مثل هذه الحالة يصبح العدول عن هذا التوجه منطقيا جدا.

2- بوادر عدول: في الطعن 5/2014 تعاملت المحكمة مع موضوع اثر حسن السمعة على حق الانتخاب والترشيح على نحو يستحق التأمل، خاصة في ظل اجتهادها السابق الذي قررته في الطعن 8/2008، وفيه اضافت بعدا جديدا لحسن السمعة المقرر في النص على نحو يجعله غير مرتبط بالإدانة القضائية هو اجتهاد سايرتها فيه محكمة التمييز (الحكم 241/2009 بتاريخ 13/3/2013) وذهبت محكمة التمييز ابعد من ذلك عندما فكت الارتباط بين الناخب والمرشح على النحو الذي يقرره الدستور. وفي الاجتهاد الاحدث لها اعادت ربط مفهوم حسن السمعة بالناخب والمرشح على النحو المقرر في المادة 82 من الدستور والمادة الثانية من قانون الانتخاب ولم تمايز بينهما. وهي في الاجتهاد الاحدث توسعت ايضا في تقرير حق الانتخاب، فلم تكتف لتقرير الحرمان من حق الانتخاب، وبالتالي الترشيح، بالإدانة القضائية في جريمة مخلة بالشرف او الامانة، بل استلزمت ان يكون ذلك مقرونا بعقوبة يقررها القاضي، فلا يكفي لتقرير الحرمان الادانة المقرونة بالامتناع عن النطق بالعقاب والتوجه الاحدث يمكن ان نجد له مقدمات في حكمها بالطعن 42/2013 عندما قررت ان رد الاعتبار لا يمكن تصوره في حالة الامتناع عن العقاب. وفي واحد من الاحكام المذكورة تعاملت المحكمة مع مسألة جديدة ومهمة، وهي اثر الاجراءات على السلامة الدستورية للتشريع.

السلامة الدستورية

ثانيا: اثر الاجراءات على السلامة الدستورية للتشريع: في الطعن 2/2014 كان امام المحكمة موضوعان، خاصان بالمراسيم بقانون، طرحهما الطاعن على نحو يوحي بتداخلهما واختلاطهما مع انهما في واقع الحال منفصلان من حيث ترتيبهما الزمني ومن حيث المكلف والمخاطب في الحكم. المراسيم بقانون وقد كان احدها هو محل الطعن يلزم وفق الدستور عرضها على مجلس الامة في مواعيد محددة ومن بعد ذلك توجب اللائحة الداخلية للمجلس احالتها للجنة المختصة لإعداد تقرير عنها قبل مناقشتها في الجلسة العامة.

1- العرض: تقرر المادة 71 من الدستور وجوب عرض المراسيم بقوانين على مجلس الامة خلال خمسة عشر يوما من صدورها على مجلس الامة ان كان قائما وفي اول اجتماع له بعد نهاية الفصل التشريعي ويترتب على عدم العرض زوال قوة القانون المقررة لهذه المراسيم وذات الحكم تقرره المادة 111 من اللائحة الداخلية للمجلس. ومن يقوم بهذا العرض هي الحكومة ويترتب على هذا الاجراء ان هذه المراسيم وهي ادوات قانونية تختص الحكومة بإصدارها تصبح خارج نطاق اختصاص الحكومة فليس لها ان تعدل فيها او ان تلغيها وينتقل الاختصاص بالتعامل معها لمجلس الامة. ولم يحدد الدستور شكلا للعرض الوارد ذكره في المادة 71 منه والعمل استقر على ان يتم هذا العرض بإحالة هذه المراسيم لمجلس الامة في المواعيد الموصوفة والمجلس يودعها من بعد ذلك في جدول اعمال الجلسة المحددة في المادة 71 كي تكون تحت نظر الاعضاء. من يقرر الايداع في جدول اعمال اول جلسة تلي نهاية الفصل التشريعي؟ هل هي الامانة العامة التي تعد جدول الاعمال؟ ام رئيس السن علما بأن الدستور في الفقرة الاخيرة من المادة 92 يقرر له الاختصاص برئاسة الجلسة الاولى وليس المجلس؟ لخلو النص من حكم في المسألة استقر العمل على ان يقوم رئيس السن بأعمال رئيس المجلس كي لا تتولى الامانة العامة هذا الدور. ونلاحظ ان الغرض من العرض وهو كف يد الحكومة عن المراسيم بقوانين يتحقق بالإحالة، اما تمكين الاعضاء من الاطلاع فيتم بالإيداع في جدول اعمال الجلسة الموصوفة. اذا العرض يتحقق بفعلية الاحالة من قبل الحكومة وبفعلية الايداع في جدول الاعمال في الجلسة الموصوفة في المادة 71 من الدستور ما دام النص يخلو من وصف دقيق للأسلوب.

اللجان المتخصصة

2- الاحالة الى اللجان المختصة: وهذا الاجراء لا يقرره الدستور صراحة بل مقرر في المادة 112 من لائحة المجلس، ووفقها "يحيل رئيس المجلس المراسيم بقوانين التي تصدر بالتطبيق للمادة 71 من الدستور إلى اللجان المتخصصة لإبداء الرأي فيها، ويكون لها في المجلس وفي اللجان صفة الاستعجال"، وهي تستند للتكليف العام بتنظيم اعمال المجلس الوارد في المادة 117 من الدستور. وحكم المادة 112 من اللائحة يتسق مع الاصول العامة في العمل البرلماني الذي يوجب على البرلمانات بحث التشريعات والقرارات المهمة في اللجان المختصة قبل اتخاذ قرارات بشأنها. ونلاحظ ان الاحالة لا تتم الا بعد العرض واذا كان منطقيا ان تتم في الجلسة الاولى فان نص المادة 112 لا يقرر ذلك صراحة، كما ان النتيجة المترتبة على عدم العرض لا تترتب على عدم الاحالة، لأننا بصدد اجراءين مختلفين من حيث اساس مشروعيتهما والعلة من وجودهما.

بنى الطاعن طلبه في الطعن 2/2014 بإعلان بطلان الانتخابات التكميلية على تقريره بأن المرسوم بقانون 20/2012 لم يعرض عرضا صحيحا على مجلس الامة. ذلك ان العرض الصحيح يفترض، وفق قراءة الطاعن للنص، تداول المجلس في موضوع المرسوم بقانون وتمحيصه وتفحصه في الجلسة الاولى المقرر فيها حدوث العرض. كما ان المرسوم بقانون قد تمت احالته للجنة المختصة من قبل رئيس السن قبل حلول موعد الجلسة الاولى. والمحكمة قررت سلامة المرسوم بقانون لان العرض المقرر وجوبه في المادة 71 من الدستور قد تحقق بإحالة الحكومة للمرسوم بقانون مع نصه بما يسمح للمجلس بالاطلاع عليه ذلك ان المخاطب بحكم وجوب العرض هو الحكومة وليس المجلس. ونلاحظ من جانبنا ما يلي:

1- رغم اتفاقنا مع المحكمة بان المخاطب الاساسي بوجوب العرض هي الحكومة، لأنها هي التي اصدرت المراسيم بقوانين إلا ان قصر مفهوم العرض على الاحالة دون مدة للإيداع في جدول الاعمال يفوت جزئيا الحكمة من النص، وهي تمكين الاعضاء من الاطلاع على محتوى الاحالة. ولعل موقف المحكمة في ترجيحها لجانب الاحالة ناتج عن تقديرها بان المراسيم بقوانين هي في الاصل منشورة ومتداولة، كما ان الاحالة للمؤسسة البرلمانية يترتب عليها منطقيا وجوب تمكين الاعضاء من الاطلاع على موضوع الاحالة ومضمونها. وعلى كل حال تقرير المحكمة بان العرض يعني تمكين المجلس من التمحيص تمهيدا للخلوص لرأي في المراسيم بقوانين يسمح بمد الالزام لفكرة الايداع في جدول الاعمال من باب الاستنتاج.

2- صحيح ان احالة المرسوم بقانون للجنة المختصة حكم لم يرد في صلب الدستور ولكنه مستمد من حكم المادة 117 من الدستور التي اناطت باللائحة تنظيم اعمال مجلس الامة والاجراءات المتبعة امامه. ونعتقد ان بحث المحكمة الدستورية لسلامة الاحالة للجنة المختصة من قبل رئيس السن داخل في نطاق اختصاص المحكمة الدستورية. وقولنا في هذه المسألة لا يعني اتفاقنا مع الطاعن فنحن اميل الى القول بان الاعلان اللاحق من قبل الرئيس المنتخب عن الاحالة يشكل سندا لسلامة الاحالة خاصة ان النص لم ينظم جزاء محددا في صلبه كما لم يقرر ميعادا دقيقا للإحالة.

back to top