إعلان حقوق

تأتي المادة 9 مرة أخرى لتنص على "حرية الرأي والتعبير عنه حق لكل إنسان، وممارستها مكفولة بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، والنظام العام والأنظمة (القوانين) المنظمة لهذا الشأن". مرة أخرى تتحد الشريعة الإسلامية يداً بيد مع القوانين الداخلية لتشكل خطوطاً حمراء أمام الحريات، حيث تأخذان قوى أكبر من قوى الإعلان بحد ذاته، وهو ما يلغي أهمية الإعلان ويدحض تأثيره. المادة 13 تقول بأحقية كل إنسان في الجنسية "ينظم منحها النظام "القانون"، ولا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدوده". وفي حالة مثل حالتنا في الكويت، يكون الوضع "كأنك يا أبا زيد ما غزيت". تعود المادة 15 لتؤكد أن الزواج حق ولكن (وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام "القانون")، كما أن للطفل حق "الحماية من الاستغلال الاقتصادي" وفق المادة ،19 وذلك "بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية" ثم إن "الإرهاب انتهاك لحقوق الإنسان وهو محرم ومجرم بكل صوره وأشكاله، بموجب أحكام الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية" في المادة 40 منه، لتأتي المادة 44 بنصها على أن (مع عدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية والنظام "القانون")، فإن ممارسة الحقوق والحريات المنصوص عليها بهذا الإعلان والتمتع بها، حق لكل إنسان". والمادة 46 بنصها على أن "على كل إنسان واجبات إزاء مجتمعه، ولا يخضع في ممارسة حقوقه وحرياته الواردة في هذا الإعلان، إلا للقيود التي يحددها النظام "القانون"، لحماية واحترام حقوق وحريات الآخرين والنظام العام".هكذا نرى أن الشريعة الإسلامية وقوانين البلدان الموقعة على الإعلان ستكون أقوى من مواد الإعلان نفسه، هذا وهناك الكثير من التعبيرات العائمة غير المفهومة، فكيف يحمى الطفل من الاستغلال الاقتصادي وفق الشريعة الإسلامية؟ وما تعريف الإرهاب وفق هذه الشريعة؟ هل ستجتمع الآراء الاسلامية على اعتبار "داعش" و"القاعدة" منظمتان إرهابيتان؟ هل يقع "حزب الله" في ذات الدائرة؟ وكيف يكون لإنسان حرية المعتقد في ظل شريعة دينية محددة؟ وفي حين أنه لا يمكن أن ننكر الكثير من المواد الإنسانية الرصينة الواردة في الإعلان، إلا أنه تصعب رؤية الكيفية التي سيحمي بها هذا الإعلان الأشخاص المعنيين، هذا فضلاً عن أن، وكما يقول د. النجار، هذا الإعلان "هو إعلان مبادئ غير ملزم، ولا توجد فيه آليات إلزام للدول الأطراف".من حيث الشكل تبدو الوثيقة جميلة ومرضية، فهي من جهة تجميلية لتغطية الوضع الإنساني في دول الخليج، وهي من جهة أخرى تضع قوانين البلدان والشريعة الإسلامية على قمة الهرم التفعيلي للمواد بما يرضي محافظي ومتديني هذه الدول الذين يرون في تطبيق الشريعة، وإن جاروا في فهمها، عاملا أهم وأكثر صوناً للمجتمع من تطبيق المبادئ الحقوقية التي تفتح أبواباً هم ليسوا على استعداد للتعامل مع رياحها.كيف سيحمي الإعلان من يرغب في تغيير دينه مثلاً أو من تسحب جنسيته بلا محاكمة أو من يطلق رأياً مختلفاً حول التاريخ الإسلامي أو غيرها؟ ماذا يقدم لهم هذا الإعلان؟