«ياي... جنان»

نشر في 10-02-2014
آخر تحديث 10-02-2014 | 00:01
 د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب «ماذا ستختار؟»

تسأل يا أستاذ حسن العيسى في مقالك المنشور في 30 يناير سؤالاً مجازياً، فأنت سيد العارفين باختيارها، والذي بدا واضحاً للعيان بعد أن ظهر وبشكل مفاجئ الخبير الدستوري المستشار يحيى الجمل ليؤكد وبكل فخر أنه صاحب فكرة الصوت الواحد وسعيد بتطبيقها. حكومتنا يا أستاذ حسن، وأنا هنا أفضفض لك ولا أعلّمك، فأنت أعلم مني وأخبر، لا تعترف بخطأ، ويبدو أنها لا تخطئ أصلاً، لا تعاقب وزيراً ولا تحاسب مسؤولاً، لا يخطئ أحد من بطانتها ولا يقصّر، حكومة ونظام "الحقران يقطع المصران"، مترفعان عن لغونا، متعاليان على شكوانا التي لا تنضب.

الملاحظ في الموضوع أن تجاهل الحكومة والنظام لما يحدث يدفع بالناس إلى الاحتجاج المتطرف والنقد الخارج، فنلاحظ أنه في أيامنا، وبمساعدة من وسائل التواصل الإلكترونية، أن نحا الناس إلى التجريح والغلاظة إلى حد القبح، لأن الآذان المسؤولة مغلقة عن الاحتجاج "المؤدب" أولاً ولأن المجال مفتوح ثانياً. أما الطريف المحزن في الموضوع هو أن الحكومة التي تبدو متعالية عن "الصغائر"، ما إن يظهر شخص ما على "تويتر" بتعليق جارح أو بفيديو خارج حتى تفقد اتزانها ولا مبالاتها، فتتراكض خلف "المذنب" بما يوسع من دائرة انتشار التعليق أو الفيديو جاعلاً منه مادة للتندر بل للإمعان في النقد.

«ماذا ستختار؟»

اختارت الحكومة من زمان يا أستاذ حسن، بدليل التشكيل الوزاري الجديد، بدليل أسلوب التعامل مع المغردين، بدليل الملاحقات المضحكة لنوعية من الناس هي الأحق بالتجاهل، وبتجاهل نوعية من الناس هي الأحق أن يستمع إليها. أما فراولة اختيارها التي وضعتها على كومة آيس كريمها فهي ظهور السيد المستشار الجمل، وليستخدم عادة متأصلة في حكومتنا: الإمعان في غيظ الناس والضغط على جراحهم وإعادة تهييجهم، وليخبرنا وبلا فخر أنه صاحب فكرة الصوت الواحد وسعيد بتطبيقها "بأمارة" أن الكويت أصبحت سويسرا بعد التطبيق، فاستتب الرضا وهدأ المشهد السياسي وورد علينا مجلس أمة "إنما إيه... جنان".

أما الأستاذ الكبير عبداللطيف الدعيج، الذي جاء ذكره في مقالك، والذي نعت المقاطعين ذات يوم أغبر بالغباء، والذي يدعو اليوم إلى "حكومة شعبية" فلا يبدو حديثه أقل نكأً للجراح خصوصاً بالنسبة إلينا، نحن من أحبه ونظر إليه في علياء موقعه الصحافي نظرة التلميذ لمعلم كبير، وذلك ليس لأنه اختلف معنا ولا لأنه انتقدنا، ولكن لأنه لم يقدم فن النقد على غيظه، فترك للغضب مجاله، وحطم فكرته على صخرة أسلوب عرضها، ودكّ ما نحمل له في القلب دكاً دكاً.

«ماذا ستختار؟»

لمَ تسأل يا أستاذنا الكبير؟ أتنكأ جراحنا أنت الآخر؟ أتريد تعذيبنا بتداول الجواب؟ أم تريد تذكيرنا على شاكلة مواجهة المريض بمرضه؟ نحن معلولون بعلة لا شفاء منها سوى بالاستئصال، بإزالة كل الأورام الخبيثة، وهذا يتطلب شجاعة، عملية تحتاج ليس فردا، بل شعبا بأكمله يقف على رؤوس مسؤوليه، ويقول لهم "كفاكم، حتى إحنا خربتونا من الداخل"، أصبح الفساد قاعدة حياتنا، وأصبحت اللعبة السياسية الرخيصة مسلسلنا السخيف الطويل الذي لا ينتهي، ودليلكم: أموال طائلة وانحدار مستمر، ماذا تقول لكم هذه الخلطة؟

«ماذا ستختار؟»

لا يحق لها أن تختار، اليوم نحن من يختار.

back to top