رائحتكِ تنقل مخاوفك إلى طفلكِ

نشر في 04-08-2014 | 00:02
آخر تحديث 04-08-2014 | 00:02
No Image Caption
وفق بحث جديد، يمكن أن يتعلم الأطفال العوامل المخيفة في أولى أيام حياتهم عبر شم رائحة أمهاتهم في أوقات المحنة. لا يقتصر الأمر على المخاوف {الطبيعية}: إذا اختبرت الأم تجربة معينة جعلتها تخشى أمراً محدداً قبل الحمل، فسيتعلم طفلها سريعاً أن يخاف من ذلك الأمر من خلال الرائحة التي تبثها حين تشعر بالخوف.
شملت دراسة جديدة مجموعة من إناث الفئران وصغارها، لاحظ خلالها الباحثون أن الأم التي اعتادت الخوف من رائحة النعناع قد تنقل ذلك الخوف إلى صغارها من خلال الرائحة المنبعثة منها حين تشعر بذلك الخوف.

بعد ملاحظة هذا النوع المباشر من نقل المخاوف، درس فريق من كلية الطب في جامعة ميشيغن وجامعة نيويورك حالة أمهات الفئران التي تعلّمت أن تخاف من رائحة النعناع، فأثبت كيف يمكن أن {تعلّم} ذلك الخوف لصغارها في أولى أيام حياتهم عبر رائحة الإنذار التي تطلقها عند الشعور بالتوتر.

في الدراسة الجديدة التي نُشرت في {وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم}، ذكر فريق البحث كيف توصّل إلى تحديد المنطقة الدماغية التي تشهد عملية نقل المخاوف في أولى أيام الحياة.

تجربة صادمة

قد تسهم النتائج التي توصلوا إليها مع الحيوانات في شرح ظاهرة حيّرت خبراء الصحة العقلية طوال أجيال: كيف يمكن أن تترك تجربة صادمة عاشتها الأم آثاراً عميقة عند أولادها، حتى لو حصلت تلك التجربة قبل فترة طويلة من ولادتهم.

كذلك يأمل الباحثون أن يؤدي عملهم إلى تحسين طريقة فهم ما يحول دون ظهور الآثار نفسها عند جميع أولاد الأمهات المصابات بصدمات نفسية أو حالات رهاب حادة أو اكتئاب أو أي اضطرابات قلق أخرى.

يقول الدكتور جاسيك ديبيك، عالم نفس حائز شهادة دكتوراه في جامعة ميشيغن وهو عالم الأعصاب الذي قاد البحث: {في بداية حياة صغار الفئران، تكون هذه الكائنات محصّنة ضد اكتساب معلومات عن المخاطر القائمة في محيطها. لكن إذا كانت الأم مصدر المعلومات عن التهديدات المطروحة، تبين أن الصغير يمكن أن يتعلم منها وينتج ذكريات دائمة}.

أضاف الدكتور ديبيك: {تشير أبحاثنا إلى أن الأطفال يمكن أن يتعلموا من طريقة الأم في التعبير عن خوفها في أولى مراحل حياتهم. قبل أن يخوضوا تجاربهم الخاصة، يكتسبون خبرة أمهاتهم. الأهم من ذلك أن هذه الذكريات التي تنقلها الأم تكون طويلة الأمد بينما تتلاشى الأنواع الأخرى من المعلومات التي يتعلّمها الصغار سريعاً إذا لم تتكرر}.

نظرة داخل الدماغ الخائف

يعالج الدكتور ديبيك الأولاد والأمهات المصابين بالقلق أو اضطرابات أخرى في قسم الطب النفسي في جامعة ميشيغن، يذكر أن البحث الذي شمل الفئران يسمح للعلماء برؤية ما يحصل داخل الدماغ خلال عملية نقل المخاوف بطريقة ما كانوا ليستعملونها عند البشر.

بدأ ديبيك البحث خلال دراسته في جامعة نيويورك مع ريجينا ماري سوليفان الحائزة شهادة دكتوراه، والمشرفة الرئيسية على الدراسة الجديدة. يتابع البحث في مختبره الجديد في {معهد علم الأعصاب السلوكي والجزيئي} في جامعة ميشيغن.

تحفيز المشاعر

عمد الباحثون إلى تعليم إناث الفئران ضرورة الخوف من رائحة النعناع عبر تعريضها لصعقات كهربائية خفيفة ومزعجة تزامناً مع شمّ الرائحة قبل الحمل. وبعد الولادة، عرّض الفريق الأمهات إلى رائحة النعناع، من دون صعقات كهربائية، لتحفيز مشاعر الخوف. كذلك استعمل الباحثون مجموعة مرجعية تشمل إناث الفئران التي لا تخشى النعناع.

ثم عرّضوا صغار الفئران في المجموعتين لرائحة النعناع، في ظل ظروف مختلفة، بحضور الأمهات أو في غيابهن.

من خلال استعمال تقنية تصوير خاصة للدماغ ودراسات عن النشاط الجيني في الخلايا الدماغية الفردية وفحص الكورتيزول في الدم، ركزوا على بنية الدماغ المسماة {اللوزة الجانبية} باعتبارها المنطقة الأساسية لتعلّم المخاوف. في مرحلة لاحقة من الحياة، أصبحت هذه المنطقة أساسية لرصد ردود الفعل على التهديدات والتخطيط لها، لذا من المنطقي أن تكون هذه المنطقة مرتبطة بتعلّم المخاوف الجديدة أيضاً.

لكن نظراً إلى القدرة على تعلم تلك المخاوف بطريقة دائمة، بينما تكون قدرة صغار الفئران على اكتساب أي مخاوف أخرى بطريقة مباشرة مقموعة طبيعياً، تبدو النتائج الجديدة مثيرة للاهتمام بحسب رأي الدكتور ديبيك.

كذلك، أثبت الفريق أن المواليد الجدد يمكن أن يكتسبوا مخاوف أمهاتهم حتى في ظل غيابهن. كان نشر رائحة الأم حين تتفاعل مع رائحة النعناع التي تخشاها كافياً لجعلهم يخشون الرائحة نفسها.

رائحة النعناع

حتى عند انبعاث رائحة الأم الخائفة في الغرفة التي تعرّض فيها صغار الفئران إلى رائحة النعناع، طور الصغار ذلك الخوف من الرائحة نفسها وارتفعت معدلات الكورتيزول في دمهم حين كانوا يشمّونها.

وحين قدم الباحثون لصغار الفئران مادة تعوق النشاط في اللوزة الدماغية، لم يكتسبوا الخوف من رائحة النعناع مثل أمهاتهم. بحسب رأي الدكتور ديبيك، يشير هذا الأمر إلى احتمال وجود طرق لمنع الأولاد من تعلّم المخاوف الضارة أو غير المنطقية من أمهاتهم أو تخفيف أثرها على الأقل.

من الحيوانات إلى البشر: خطوات مرتقبة

يرتكز البحث الجديد على ما تعلّمه العلماء، مع مرور الوقت، بشأن دورة الخوف في الدماغ وما يمكن أن يشوبها. ساعد ذلك البحث علماء النفس على تطوير علاجات جديدة للمرضى البشريين المصابين بالرهاب أو أنواع أخرى من اضطرابات القلق، مثل علاج التعرض للرائحة الذي يساعدهم على تجاوز المخاوف عبر مواجهة المشكلة أو التجربة التي تسبب لهم الخوف تدريجاً.

بالطريقة نفسها تقريباً، يأمل ديبيك أن يستفيد المرضى البشريون من استكشاف جذور الخوف في الطفولة وطريقة تأثير صدمات الأمهات على الأجيال اللاحقة. لا يزال الوقت مبكراً لمعرفة ما إذا كان الأثر المبني على الرائحة يحدث بين الأمهات والأطفال البشريين أيضاً، لكن اتضح دور رائحة الأم في تهدئة أطفالها.

يتذكر ديبيك الذي ينحدر من بولندا أنه عمل مع أولاد ناجين من محرقة اليهود وقد اختبروا الكوابيس وغرائز التهرب، حتى أنهم كانوا يسترجعون ذكريات مرتبطة بتلك التجارب الصادمة التي لم يختبروها بنفسهم يوماً. ربما علموا بشأن المحرقة من أهلهم لكن تشير مخاوفهم المترسخة بعمق إلى وجود عامل مغاير في هذا المجال، بحسب رأيه.

back to top