العلامة علي الأمين: المعارضة السياسية المطالبة بالحقوق ليست من الفتنة في شيء

نشر في 30-06-2014 | 00:02
آخر تحديث 30-06-2014 | 00:02
No Image Caption
العلامة السيد علي الأمين أحد الأسماء الدينية البارزة في العالم العربي، له مواقفه واجتهاداته الفقهية في الدين والمسائل الدينية والسياسية، وله رأيه الحضاري والمختلف في قضية الفتنة والمذاهب والتيارات الدينية والحروب بين السنة والشيعة. معه هذا الحوار.
كيف رصد القرآن والسنة الفتنة وما وسائل تصديهما لها؟

وقوع الخلافات داخل المجتمع الواحد أحد الأمور المتوقّعة الحصول في ظلّ اختلاف الآراء والأفكار وتعدّد الرّغبات والطموحات التي تصل إلى حدود التناقض والتّضاد بين أصحابها، وهذا ما يحتاج إلى وضع الأسس المرجعية لمنع حصول التّصادم والنزاعات بين الأفراد والجماعات، ووضع الحلول لها على تقدير وقوعها، وقد تصدّى القرآن الكريم لوضع العلاجات لها بالنهي عن وصولها إلى درجة التنازع بقول الله تعالى {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. وبالعودة إلى مرجعيّة الحلّ كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.

ومن خلال منهج الإسلام في الحكم والتربية الذي يقوم على مبدأ التآخي بين أبناء المجتمع واعتبارهم أمّة واحدة كما جاء في قول الله تعالى {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} وقوله تعالى {إن هذه أمتكم أمّةً واحدة وأنا ربّكم فاعبدون}، وجاءت السنّة النبويّة الشريفة لتؤكد على هذا المعنى ابتداءً من تأسيس المجتمع الإسلامي في المدينة المنوّرة الذي ابتدأه الرسول عليه الصلاة والسلام بعقد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وانتهاءً بوصيته في حجّة الوداع {لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض}، ومروراً بكل المواقف والتوصيات القائلة {كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه}. وقد استجاب المسلمون رضي الله عنهم لهذه التعاليم في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله فكانوا خير أمّة أخرجت للناس واعتصموا بحبل الله جميعاً وأصبحوا بنعمته بعد العداوة إخواناً في دين الله {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).

 

ما صحة حديث {الفتنة نائمة} وما حجم دوره في ممارسة المسلمين للسياسة؟

 

{الفتنة نائمة، ولعن الله من أيقظها} هو حديث مشهور، وهو يعبر عن حقيقة تصاب بها المجتمعات، والمقصود منه النهي الشديد عن السعي إليها، وعدم الدخول فيها، وقد نامت فتنة العصبيات والعداوات القبلية  والمنطق الجاهلي الذي كان السبب في حدوث الصراعات الدموية وانتشار الظلم، وقد نامت تلك الفتنة بنعمة الإسلام ومنطقه الذي يقوم على العدل والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات ملغياً التفاضل في العنصر والعدد، وقال {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} و}لا فضل لأبيض على أسود ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى}. والمستفاد من حديث الفتنة وغيره أن كل دعوة إلى شقّ الصفوف تؤدي إلى سفك الدماء وزعزعة الاستقرار وتعطيل النظام العام هي من الفتن التي يجب اجتنابها. أما المعارضة السياسية المطالبة بالحقوق والإصلاح فهي ليست من الفتنة في شيء، بل هي معارضة لازمة كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}. وجاء في الحديث الحث على المعارضة السياسية {أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر}.

 

تحث  الأحاديث النبوية على اعتزال الفتنة، هل هذا أمر ممكن؟

لا شك في وجوب اجتناب الفتنة بالمعنى المتقدم كما يستفاد من الأحاديث، والنهي خير دليل على إمكان اجتنابها، فإن التحذير من وقوع الشيء والدخول فيه يكون في الشيء الواقع تحت القدرة والاختيار، ويمكن اجتنابها من خلال تنظيم الخلافات والتزام القواعد الداعية للحفاظ على سلامة المجتمع وعدم تعريضه للأخطار.

 هل صحيح أن الإسلام أمر باعتزال الفتنة وعدم التورط فيها ولو بتأييد أي جانب من المتصارعين؟

نهت الشريعة الإسلامية عن الفتن كتاباً وسنّة، والاعتزال المطلوب هو الاعتزال الإيجابي الهادف إلى عدم تأجيج نيرانها وزيادة اشتعالها، كما يفهم من بعض النصوص {كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهرٌ فيركب، ولا ضرعٌ فيحلب}، وهذه تعتبر الخطوة الأولى لمحاصرة الفتنة، وأما الخطوة الأخرى فتكون بالسعي إلى إطفائها ومنع استمرارها ولا يكون ذلك بالاعتزال السلبي الصامت الذي لا ينهى عنها ولا يبين وجوه الحق، ولذلك أمر القرآن الكريم بالإصلاح بالعدل بين الفئتين المتصارعتين كما تقدم بقوله تعالى {فأصلحوا بين أخويكم}، هذه هي القاعدة الأساسية، فإذا امتنعت الفئة الباغية عن الاستجابة لنداء الإصلاح وأصرّت على البغي فيجب حينئذٍ مع الإمكان العمل من خلال الدولة الناظمة للأمر على إيقاف البغي والعدوان حتّى تفيء إلى أمر الله وتستجيب لقواعد العدل والإصلاح.

 

هل الفتنة ترادف عملية الخروج على الحاكم أم هي خاصة بحالات الصراع داخل المجتمع؟

الفتنة بالمعنى الذي يؤدي إلى الفرقة والانقسام بين أبناء المجتمع الواحد والأمّة الواحدة هي شاملة لكل وجوه الصراعات الداخلية سواء كانت في مواجهة جماعة لأخرى أو في الخروج المسلّح على الحاكم، لأن ذلك كله يعتبر من الأسباب الداعية إلى اختلال النظام الذي يعرض المجتمع والأمّة لأفدح الخسائر والأخطار، وقد أثبتت التجارب الكثيرة في الماضي والحاضر حجم المفاسد الكبيرة الناجمة عن الصراعات الداخلية على السلطة بكل وجوهها، والوسيلة الوحيدة المقبولة في حلّ الخلافات الداخلية هي في الدعوة السلمية للإصلاح، وهذا ما يستفاد من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن النصوص الدينية الآمرة بالإصلاح بين الناس.

 

الربيع العربي... فتنة أم ثورة؟

حركات الربيع العربي لها أسبابها التي انبعثت من أمورٍ كانت تعاني منها شعوب تلك الدول والأنظمة التي لم تحقق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية لشعوبها، واستبد فيها الحاكم الأوحد والحزب الواحد باتخاذ القرارات وحصر السلطات واتسعت الفجوة بين الحاكم والمحكوم. ولا نشك في أصل شرعية الاحتجاجات على تلك السياسات ولا في حق تلك الشعوب في التعبير عن تطلعاتها نحو الحياة الأفضل. وقد كان لرفض حكام تلك الأنظمة المطالب المشروعة لشعوبهم واستخدام العنف والسلاح الأثر الكبير في خروج الربيع العربي عن طبيعته السلمية إلى ساحات الاحتراب والتقاتل الداخلي.

ولست أرى في الربيع العربي قانوناً يسري في كل الدول والأنظمة العربية وذلك لاختلاف الأمور بين دولة وأخرى وبين حاكم وآخر من حيث العدالة الاجتماعية والحريات السياسية التي يمكن تعزيزها من خلال العمل على المزيد من إشراك الشعب في العملية السياسية وإدارة البلاد عبر المؤسسات التشريعية ومن خلال تعزيز المواطنة بربط المواطن بالدولة ومؤسساتها مباشرة وليس من خلال الزعامات الشخصية والحزبية والمؤسسات الطائفية.

 

ما يحدث في سورية هل هو فتنة أم ثورة؟

طغيان العناوين الطائفية والمذهبية على الأحداث كان من بين أسبابه قيام بعض التجمعات العلمائية بإصدار فتاوى الجهاد والدعوة إلى نصرة الشعب السوري بالسلاح والمسلحين، وتدخل حزب الله الناتج من تحالف النظامين الإيراني والسوري ورفعه شعار الدفاع عن المقامات الدينية والقرى الشيعية في القصير، ودخول عمليات الخطف لأسباب طائفية ومذهبية... ذلك كله أدّى إلى صبغ الصراع باللونين الطائفي والمذهبي في سورية، ومن أهم تلك الأسباب التي هيّأت لولادة هذا المناخ الخطير اعتماد النظام على الخيار العسكري من أول الأمر واستمراره عليه وانجرار الثورة إلى حمل السلاح مما غيّب المطالب المشروعة للشعب السوري ومنطق الإصلاح وجعل منطق الغلبة هو السائد، وهو منطق يدفع الأطراف المتصارعة إلى الاستقواء بالعصب المذهبي والاصطفاف الطائفي. والمطلوب لإطفاء نار هذا الصراع المدمر للجميع والذي لن تنجو منه مجتمعات وشعوب المنطقة العمل على إنهاء هذا الصراع المسلّح ولزوم اقتناع النظام والمعارضة بأن السلاح لن ينتج سوى المزيد من الدمار لسورية والمزيد من الأحزان والآلام والتشريد للشعب السوري. وللخروج من الاحتقانات الطائفية والمذهبية فقد طالبنا باجتماع المرجعيات الدينية الفاعلة والمعتمدة في مصر والعراق والسعودية وإيران وسائر الدول العربية والإسلامية وإصدار فتاوى تحريم ذهاب المقاتلين إلى سورية، فإن فتاوى التحريم هذه تبطل الحجج الدينية والمذهبية للقتال باسم الدين والمذهب، وتساهم في إزالة الاحتقان الطائفي والمذهبي من النفوس، وتعمل على إخراج كل المقاتلين الموجودين على الأراضي السورية.

 

يعتبر البعض أن التعددية المذهبية سمحت لمزيد من الفرقة بين المسلمين وبالتالي انتشار الفتن بينهم.

حالة الاختلافات المذهبية التي تتصاعد باتّجاه العداوة بين الطرفين السنّي والشّيعي يظهر منها أنّها ليست ذات طبيعة داخليّة من منطقتنا، لأنّ التعدّدية المذهبيّة والطائفية كانت موجودة في المنطقة منذ قرون عدة، ولم نكن نسمع بالعداوات المذهبية والاحتقانات الطائفية. إن ضعف دول المنطقة وعدم ترسيخها لمنطق المساواة بين المواطنين في الحقوق هو ما يفتح النافذة للتدخّلات الخارجيّة التي تشجّع على نموّ حالات التّصارع المذهبي في المنطقة تحت شعار الحريات وحرمان طائفة لأخرى، وبذلك يضعفون الجميع ويشغلون الأمّة بعضها بالبعض الآخر.

ولذلك فإن المطلوب من الدول العربية والإسلامية وولاة الأمور فيهما العمل على إغلاق هذه النافذة وغيرها من نوافذ تزرع الفرقة والبغضاء في مجتمعاتنا بتعزيز منطق الدولة الحاضنة لكل أبنائها والتي تشكل المرجعية لجميع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية، والعمل على إصلاح مناهج التعليم الديني بالشكل الذي يعزز الوحدة الوطنية والولاء للوطن.

back to top