قصة مدون

نشر في 23-05-2014
آخر تحديث 23-05-2014 | 00:01
 صابر ملوكة في ليلة حالكة شديدة البرودة، جلس امام حاسوبه في غرفته الصغيرة فوق سطح إحدى البنايات الشاهقة في شارع فؤاد وسط القاهرة.

كتب في مدونته عن نفسه يقول: «قصتي بدأت و لم تنته، لا يلتفت لها أحد، ولكنها قد تحكي يوما مع حكايات ألف ليلة وليلة، بعد أن تسكت شهرزاد عن الكلام، قد تحكي في زمان جف فيه الخيال، ونضب معين الحكاية».

مرت ليلة وليلتان والشاب في غرفته لم يغادرها أو حتى يتخطى بابها، مما أثار ريبة حارس البناية والسكان.

يضيف: «لمن لا يعرفني، أنا شاب في بلاد شاخت، روحا هائمة فوق مياه النخوة الراكدة، كنتُ صاحبَ هذي البلاد، أمتلك الحدائقِ و القصور، لي السماءُ والأرضُ وفي قبضتي كلُّ الكنوز.

كنتُ زينةَ شباب الأقوام كلّها، في داخلي معبدٌ لكلِّ أسرار العباد، وعلى روحي ترك الإلهُ بصمةَ حكمتِه الخالدة و في عينيّ دون الدهر تاريخ الإنسان قبل أن تعرف المدونات».

وجاءت الليلة الثالثة والشاب على حالته متسمراً في غرفته وحده مع هدوئه المطبق وصمته المخيف، لا أحد يعرف ماذا يفعل بِداخلها!

والحارس في ذروة حيرته ورهبته يفكر ويوسوسِ ما العمل.

لم يتردد وهو يستطرد: «خرجت إلى الشارع عاريا بعد أن خلعت زيفي، رأيت المارة ينظرون إلي، بعضهم يشير إلي وبعضهم الآخر يسب ويبصق في وجهي، وآخرون ينظرون إلي وهم يضحكون فجريت لا ألوي على شيء، أبحث عن مكان يؤويني أستر فيه خيبتي وعري.

دخلت قاعة خافتة الأضواء، سمعت همسا وكلاما غير واضح، اقتربت من الهمس أستطلع معناه، فرأيت أناسا، مثلي، عرايا... لكنهم غير آبهين بعريهم، يتكلمون همسا كأنهم يخططون لشيء.

انسحبت في هدوء ووقفت امام المرآة فرأيتني بكامل ملابسي ولا ينقصني سوى قناع على وجهي لتكتمل الصورة».

استجمع الحارس شيئاً من شتات نفسه المبعثرة وصعد فوق السطح واقترب من الغرفة لكن لا صوت لا همس، وضع أذنه على الباب عله يسمع شيئا يطمئنه لكن لا أحد، ارتبك أكثر وأكثر لربما توفي الشاب ولا أحد يعلم بذلك، ترك تفكيره جانبا وطرق الباب بسرعة... لكن لا أحد يجيب، ظل يطرق ويطرق دون جواب! ازدادت حيرته ودهشته. يجب أن أخبر الشرطة؟ ويحي! هل توفي فعلاً؟

قام الحارس بالاتصال بالشرطة كي ينأى بنفسه في حال حدوث جرم ما وليعرف ما حكايته. وصل المحقق يرافقه شرطيان. اخبرهم الحارس بكل التفاصيل. صعدوا جميعاً إلى السطح. طرق المحقق الباب وطرق منادياً: افتح الباب نحن الشرطة.

وقف رجال الشرطة يتفرجون وعلى وجوهم ابتسامة ماكرة في انتظار لحظة القبض عليه يعلمون انه سيستسلم سريعا هو لا يجيد فن الاختفاء.

سأل الضابط وهو يلف الارساغ حول يده: «ما تهمتي». قال دون ان يلتفت اليه: مدون.

في محبسه استمر في التدوين: «دفعوا بي إلى ركن بارد ومنعوا عني الورق»، اتخذت من جلدي ورقا وكتبت احتجاجي وشما. تعبت من ارتداء القناع لا احب الاقنعة، وعندما تتاح لي الفرصة ازيحها كلها... لأمسح دمعه. والآن أحيا وقناعي هو الذي يموت.

back to top