المشكلات الخارجية تطارد الرئيس الأميركي في ولايته الجديدة

نشر في 26-01-2013
آخر تحديث 26-01-2013 | 00:01
كان على أوباما أن يتوقع حصول ما حصل في مالي، فطوال أشهر، سيطر الجهاديون على مساحات واسعة تفوق تلك التي تسيطر عليها «طالبان» في أفغانستان، وكانت بعض الجماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في نيجيريا، والنيجر، والصومال، وموريتانيا.
 ذي ستار لا تزال الولايات المتحدة المستضعفة قوية ويُعتبر رئيسها أقوى زعيم في العالم. بالتالي، كل ما يفعله مهم. أقسم باراك أوباما اليمين لبدء ولايته الثانية ولكنه لا يزال يجد صعوبة في فرض سياسة خارجية متماسكة، بدءاً من أفغانستان مروراً بمالي وصولاً إلى الشرق الأوسط.

لكن لا يقع اللوم كله عليه، فهو بقي منشغلاً بالتخلص من الفوضى الاقتصادية والجيوسياسية التي خلّفها جورج بوش الابن، إذ كان عليه أن يحمي المصالح الأميركية تزامناً مع تأييد بعض المبادئ ولو شفهياً، وكان يجب أن يعمل ضمن الحدود التي رسمها له الكونغرس. كان يحاول إقامة توازن بين أهدافه السياسية المفضلة في الخارج وحاجاته الانتخابية في الداخل.

شبح القذافي

الآن وقد تغلب على أعدائه الجمهوريين (هم كانوا يتصرفون كالأعداء فعلاً بدل أن يكونوا مجرد خصوم سياسيين ينشطون في معسكر المعارضة ويتجاوزون الخلافات الحزبية خدمةً للمصلحة العامة)، فإن الرئيس سيحصل على هامش أوسع للمناورة.

لكن بسبب التعب من الحرب واستنزاف موارد الخزينة، اضطر أوباما إلى لعب دور ثانوي في ليبيا بينما قادت بريطانيا وفرنسا قوات حلف الأطلسي لإسقاط معمر القذافي، لكن تحققت تلك المهمة جزئياً فقط، فقد وقعت ليبيا بيد الميليشيات المتخاصمة. قتلت واحدة من تلك الميليشيات السفير الأميركي في بنغازي في السنة الماضية. ومنذ ذلك الحين، قررت ميليشيا أخرى مؤلفة من جماعة "الطوارق" الإثنية من مالي (هي كانت تضمن أمن القذافي) العودة إلى ديارها وأخذت معها جميع أسلحتها. بعد عقود على نشوء حركة تمرد "الطوارق" ضد حكومة مالي، انضمت الحركة إلى الإسلاميين الذين كانوا يهددون باجتياح البلد. هذا ما دفع فرنسا إلى التدخل.

وراء الكواليس

كان على أوباما أن يتوقع حصول ذلك، فطوال أشهر، سيطر الجهاديون على مساحات واسعة تفوق تلك التي تسيطر عليها "طالبان" في أفغانستان، وكانت بعض الجماعات مرتبطة بتنظيم "القاعدة" في نيجيريا، والنيجر، والصومال، وموريتانيا، وأماكن أخرى، وقد تدرب عدد من عناصرها في أفغانستان. حين خطفوا الدبلوماسي الكندي روبرت فولر في عام 2008، جاهروا خلال فترة احتجازه التي دامت 130 يوماً بأنهم يطمحون إلى بسط سيطرتهم في المنطقة كلها، لكن فضّل أوباما العمل من وراء الكواليس فأنفق 500 مليون دولار لتدريب القوات المالية، لكن تبين أن تلك الجهود لم تكن مجدية، فهو تردد في مهاجمة قوة مسلمة خوفاً من تحفيز الجهاديين في أماكن أخرى.

لكن لا يمكن اعتبار فرنسا محاوراً موثوقاً داخل مستعمرة سابقة لها، ويبدو أن بعض المجاهدين في مالي ممن تورطوا في خطف الرهائن في الجزائر المجاورة كانوا جزائريين في السابق وقد أصبحوا أكثر تطرفاً خلال الحرب الأهلية هناك بين عامي 1993 و2002. انطلقت تلك الحقبة الدموية نتيجة إقدام الجيش الجزائري على إلغاء الانتخابات التي فاز بها حزب إسلامي، إذ قررت فرنسا حينها تأييد عرقلة الديمقراطية، ومع ذلك، يبقى التحرك العسكري الفرنسي في مالي أفضل من عدم التحرك، ويجب أن يقدم رئيس الوزراء الكندي ستيفن هابر مساعدات أكبر بدل الاكتفاء بتوفير طائرة نقل.

يتحدث الجهاديون دوماً عن الإسلام ولكنهم في الحقيقة مجرد قطاع طرق وإرهابيين وهم يعيشون على التهريب وأموال الفدية التي يحصلون عليها لتحرير الرهائن، فلا ترفض الحكومات المسلمة والمسلمون حول العالم أن تطارد الولايات المتحدة أمثالهم، لكنهم يرفضون النزعة الإمبريالية الجديدة التي تنتشر تحت شعار محاربة الإرهاب.

ثمن الاغتيالات

يبدو أن الولايات المتحدة عالقة في وضع شائك بسبب أخطاء بوش وأخطاء أوباما أيضاً، إذ انسحب هذا الأخير من العراق ولكنه أمر زيادة عدد القوات في أفغانستان لتعزيز مصداقيته الأمنية، لكن بعد إعادة انتخابه الآن، أعلن أوباما تنفيذ انسحاب سريع مع أن أفغانستان لم تصبح "أكثر استقراراً" ولم تحصل القوات المحلية على معدات أفضل لمحاربة "طالبان".

بعد خسارة أفغانستان منذ سنوات عدة، يبدو أن عقد تسوية سياسية مع "طالبان" (وبالتالي مع باكستان حيث يقيم عدد كبير من العناصر) هو الحل الوحيد على المدى الطويل، كما كان قبل زيادة عدد الجنود. يحتاج هذا الحل إلى دعم إقليمي، لا سيما من الهند وإيران، لكن ثمة برود في علاقة أوباما مع الهند وهو يتعامل بعدائية مع إيران (مع أنه يحرص على تجنب الحرب). ستتعاون إيران حصراً كجزء من صفقة كبرى: تقليص طموحات طهران النووية مقابل أن تنهي واشنطن العمليات السرية والعقوبات.

خفّض أوباما الوجود العسكري الأميركي في الخارج ولكنه لم يفعل ذلك بسبب نقص الأموال وتراجع الدعم الشعبي حصراً بل لأسباب استراتيجية أيضاً، لكنه ينفي ذلك ويركز على تكثيف الاعتداءات بالطائرات بلا طيار في باكستان واليمن والصومال وأماكن أخرى، وقد قتلت تلك العمليات حتى الآن 3500 شخص، منهم بعض المدنيين. لم تكن التداعيات السياسية أقل وقعاً على المصالح الأميركية، ويجب أن تفرض الولايات المتحدة حكم القانون بدل أن تركز على عمليات الاغتيال.

عقبة الاحتلال

حين انطلق الربيع العربي انحاز أوباما إلى الشعب المصري، ولو في مرحلة متأخرة، ولكنه تخلى عن شعوب البحرين وسورية وتركها تحت رحمة الحكام الدكتاتوريين، ولو أردنا تجسيد جوهر الفكرة الكندية حول "مسؤولية الحماية"، فلا شك أن سورية هي أفضل تجسيد لها، لكن بقي أوباما خارج الصراع وفعل رئيس الوزراء الكندي هاربر الأمر نفسه، وهو موقف مخجل فعلاً.

في ما يخص إسرائيل، طالب أوباما بوقف المستوطنات اليهودية غير المشروعة نهائياً في الأراضي الفلسطينية التي تحتلّها إسرائيل. لكن حين رفض بنيامين نتنياهو ذلك الطلب، تراجع أوباما، لكنه بقي الفائز الأكبر منذ ذلك الحين بعد أن كسب تأييد 70% من الناخبين الأميركيين اليهود، ويبدو أنه أصبح الآن أمام فرصة جديدة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي القائم منذ 45 عاماً، علماً أن ذلك الاحتلال هو سبب السخط العام ضد إسرائيل والولايات المتحدة حول العالم ومصدر خيبة أيضاً وسط عدد متزايد من اليهود.

من خلال تعيين جون كيري في منصب وزير الخارجية وتشاك هيغل في منصب وزير الدفاع، هو اختار مقاتلَين مخضرمَين شاركا في حرب فيتنام ويشاركانه حذره في ما يخص خوض الحروب. كما أنهما يدعمان إنهاء مبدأ تمويل المجمع الصناعي العسكري حتى لو كان الأميركيون يعجزون عن تحمّل الكلفة.

يمكن أن تبقى الولايات المتحدة "الدولة التي لا غنى عنها" شرط أن تدرك حدود نفوذها المتلاشي.

* Haroon Siddiqui

back to top