الخيار الأخير... الاعتراف بأن كوريا الشمالية قوة نووية!

نشر في 16-02-2013
آخر تحديث 16-02-2013 | 00:01
برهن التقدم السريع غير المتوقع، الذي حققه مهندسو كوريا الشمالية وعلماؤها، مرة أخرى أن العالم سيرى بروزاً مأساوياً وخطيراً لدولة مسلحة نووياً لا نعرف نواياها، إن لم تُتخذ أي خطوات حاسمة.
 تشاينا يو إس فوكس لا شك أن أي آمال تصف السنة الأولى من حكم الزعيم الكوري الشمالي الشاب المستبد بداية بالابتعاد عن سياسات والده كيم يونغ إيل المتشددة، قد تحطمت، فقد برهن كيم يونغ أون بمظهره البريء (شاب جاد في التاسعة والعشرين من عمره) أنه ابن أبيه الوفي، إذ سار على خطاه، محققاً في الوقت عينه نتائج ما كان والده يحلم بها.

في 12 فبراير، أجرت كوريا الشمالية بنجاح اختبارها النووي الثالث، فوفق التقارير الأولية، كان الجهاز، الذي انفجرت في جزء نائٍ من كوريا الشمالية صباح يوم الثلاثاء، أصغر وأشد قوة مما اختُبر في عامَي 2006 و2009. يُقدّر وزير دفاع كوريا الجنوبية أن قوة الاختبار الأخير بلغت نحو 6 إلى 7 كيلو طن. وتُعادل هذه القوة نصف قوة القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما عام 1945، إلا أنها على الأرجح أكبر من اختبار كوريا الشمالية الأخير، الذي بلغت قوته، وفق التقديرات، من 2 إلى 6 كيلو طن، وأكبر بكثير من اختبار عام 2006، الذي يعتبره كثيرون فاشلاً.

لم تحظَ كوريا الشمالية برأس حربي نووي فاعل بعد، إلا أنها تقترب من ذلك بالتأكيد، ففي شهر ديسمبر، نجحت بيونغ يانغ أخيراً في وضع قمر اصطناعي في مداره، متفوقةً في هذا الإنجاز على عدوتها الأكثر منها تطوراً، كوريا الجنوبية، ما يبرهن أن مهندسي كوريا الشمالية يتقدمون نحو امتلاك قدرات صاروخية بالستية كاملة عابرة للقارات. لا يزال أمامهم الكثير من العمل: فعلى المهندسين أن يطوروا آلية إعادة دخول، وأن يتقنوا أنظمة التوجيه الصاروخي، وأن يحسنوا القدرات العامة لهذه الأجهزة. رغم ذلك، يُشكل إطلاق القمر الاصطناعي في ديسمبر واختبار فبراير خطوة بالغة الأهمية في هذا الاتجاه.

لا شك أن البرنامج الكوري الشمالي يتقدم بسرعة أكبر مما توقع كثيرون. قد تكون هذه الدولة فقيرة وتعاني نظاماً اقتصادياً بالياً، بيد أنها واحدة من دول قليلة تملك أسلحة نووية. ومن المرجح أنها ستطور قريباً نظام إيصال فاعل وتملك القدرة، وربما الإرادة، لإطلاق أسلحة نووية موجهة نحو الولايات المتحدة الأميركية.

لا تُعتبر هذه التطورات مفاجئة. صحيح أن الاقتصادات الستالينية، التي تفتخر كوريا الشمالية بأنها جزء منها، تحقق أداء سيئاً، مقارنة باقتصادات السوق، بيد أنها تتحلى بقدرة كبيرة على تركيز كل الموارد المتوافرة على عدد صغير من المشاريع التي تظنها الحكومة بالغة الأهمية، ما يتيح لها تسديد ضربات موجعة في المجالات التي تعتبرها أولوية. على سبيل المثال، طوّر الاتحاد السوفياتي برامجه النووية وصواريخه البالستية العابرة للقارات في أواخر أربعينيات القرن الماضي، في وقت لم يكن فيه أكثر ازدهاراً مما هي عليه كوريا الشمالية اليوم. باختصار، تخفق الاقتصادات القائمة على التخطيط المركزي في سد حاجات المستهلكين، غير أنها تنجح في تطوير القنابل.

برهن التقدم السريع غير المتوقع، الذي حققه مهندسو كوريا الشمالية وعلماؤها، مرة أخرى أن العالم سيرى بروزاً مأساوياً وخطيراً لدولة مسلحة نووياً لا نعرف نواياها، إن لم تُتخذ أي خطوات حاسمة. دانت الصين والولايات المتحدة واليابان هذا الاختبار. ووصفه أوباما عشية خطاب "حالة الاتحاد" بأنه "عمل استفزازي كبير". أما الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فذكر ما يبدو جلياً: هذا الاختبار "انتهاك واضح وكبير" لقرارات مجلس الأمن. إذن، فشلت العقوبات الدولية فشلاً ذريعاً. فُرضت عقوبات صارمة على كوريا الشمالية عام 2006، إلا أنها لم تمنعها من أن تطور بنجاح أسلحة نووية ونماذج من صواريخ بالسيتية عابرة للقارات. ولا نستطيع أن نستخلص أن المكاسب التي حققتها جاءت على حساب تضحيات قدمها المواطنون الكوريون الشماليون. صحيح أن كوريا الشمالية لا تزال فقيرة، غير أن العقوبات تزامنت مع فترة ربما ازداد فيها مستوى المعيشة. كذلك برهن الاختبار النووي أن الصين، التي تُعتبر البلد الوحيد القادر على لجم كوريا الشمالية، فقدت جزءاً من سيطرتها التي كانت تتمتع بها سابقاً. خلال الشهر الماضي، تبنت الصين موقفاً أكثر تشدداً من وعد بيونغ يونغ إجراء اختبار ثالث. لكن ذلك لم يردع كوريا الشمالية، التي تجاهلت ضغط الصين وتهديداتها شبه الصريحة.

آن الأوان لنقر بالواقع، فرغم كل الجهود المبذولة لوقف هذا التقدم أو إبطائه، ستنجح كوريا الشمالية في تطوير أسلحة نووية فاعلة. وعندما تحقق هذا الهدف، ستبقى دولة نووية لفترة طويلة، ولكي نمنع بيونغ يانغ من المضي قدماً في تطوير قدراتها النووية والصاروخية وتحسينها، ينبغي للغرب أن يبدأ حواراً جاداً مع قادة هذا البلد، ويجب أن يكون هدفه التوصل إلى اتفاق للحد من التسلح يقر ضمناً بادعاء كوريا الشمالية بأنها قوة نووية، يحد في الوقت عينه من حجم ترسانتها النووية، ويحدد وسائل واضحة لضبط هذه الترسانة. بكلمات أخرى، علينا التخلي عن الحلم المستحيل بالتخلص من أسلحة كوريا الشمالية النووية، لأن الحد من حجم هذه الأسلحة هو الهدف الوحيد الذي نستطيع تحقيقه.

يجب البدء بهذا الحوار بدون أي أوهام: فلكوريا الشمالية تاريخ حافل بالخداع، ولا شك أنها ستحاول مرة أخرى خداعنا، فلن توقِّع اتفاقاً مماثلاً للحد من تسلحها إلا إذا كان العالم الخارجي مستعداً ليدفع الثمن بتقديم المعونات وغيرها من أساليب المساعدة، كما فعل خلال جولات المفاوضات السابقة. صحيح أن هذه التسوية ليست ممتازة، إلا أنها الخيار المتبقي، نتيجة عقود من مناورات السياسة الخارجية الماكرة التي اعتمدها قادة كوريا الشمالية. ولا شك أن كيم يونغ إيل يبتسم في مثواه الأخير.

ANDREI LANKOV

back to top