«الشك في فكر مارتين هيدغر»... في نقد الحضارة التقنية

نشر في 09-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 09-07-2013 | 00:01
No Image Caption
صدر حديثاً عن دار {جداول} كتاب {الشك ونقد المجتمع في فكر مارتين هيدغر} لهانس كوكلر، ترجمه إلى العربية حميد لشهب.
في مقدمة هانس كوكلر لكتاب {الشك ونقد المجتمع في فكر مارتين هيدغر}، يعتبر أن الأخير قدم في تفكيره حول الكينونة نقداً جوهرياً للحضارة التقنية لم يسبق له نظير في الفلسفة الغربية. ففي محاولته تحرير إشكالية كينونة الوجود، أي ببساطة الواقع، من التصورات الذاتية الإرادية وتجاوز {نسيان الكينونة} للغرب، وصل هيدغر إلى أخذ مسافة نقدية تجاه الفكر المعاصر المادي- الأداتي، الذي يحاول التحكم في كل شيء وتطويعه، والذي يجد تعبيراً صارخاً عنه في عولمة القرن الواحد والعشرين.

يتابع كوكلر أن الأنطولوجية الهيدغرية الأساسية، والتي لم تكن ممكنة إلا بتحليل الأساليب الكينونية للوجود هنا (التحليل الوجودي)، تتضمن بعداً نقدياً للمجتمع. وبما أن الأمر كان يتعلق عنده بتحليل جوهري شامل للعالم (الوجود في العالم) وللمعرفة/ التجربة الكينونية المتجلية فيه، فإن مفاهيم الفلسفة التقليدية لم تعد كافية بالنسبة إليه. في {الكينونة والزمن}، اعتمد هيدغر مصطلحات خاصة به، كانت ضرورية بالنسبة إليه، نظراً إلى التغير الراديكالي في وجهات نظره، التي حاول عن طريقها التأثير في الفكر الذي لم يعد يريد إطلاق مصطلح {فلسفة} عليه. لم يعد من الممكن وضع المصطلحات الفلسفية موضع تساؤل انطلاقاً من هذه الفلسفة ذاتها في نظر هيدغر، الذي حاول فهم الواقع الغربي الفعلي، وهنا بالضبط يكمن موقفه الرافض للفلسفة السابقة عليه. ولأجل {هدم} الميتافيزيقيا الغربية، أو كما حدد ذلك في ما بعد {لأجل تجاوزها}، كان عليه الاهتمام الجوهري باللغة وبالفكر الذي يؤسسها أو الذي يتأسس عن طريقها. هذه هي نواة اهتمام هيدغر باللغة، أي اهتمامه بالأصل الإيثيمولوجي للغة، خصوصاً في ما يتعلق بمصطلحات الفلسفة، كما بيّن ذلك مثلاً في تحديده للمصطلح الإغريقي {الحقيقة} كغير مُضمر.

يضيف كوكلر، أنه وفي محاولة وضع الفهم الغربي للواقع موضع تساؤل بطريقة شمولية، وليس فقط بالنظر إلى الأبعاد الفردية الخاضعة للتحول الحضاري المحدد لعالم الحياة، أصبح هيدغر وسيط الفكر الإغريقي المبكر في القرن العشرين. فكان همه الفلسفي الأساس المتأخر إظهار {نسيان الكينونة}، أي اعتبار الكينونة بصفتها وجوداً ما طبقاً لتصور إرادي للعالم، تبدأ مع تعاليم الأفكار الأفلاطونية التي يعتبرها هيدغر بطريقة مثالية بمثابة تقابل للتصور قبل السقراطي الأصلي. ويمكن اعتبار هيدغر كوسيط بين عصور غابرة وعصرنا هذا، فثمة تقارب بين دوره وبين ما قام به الفلاسفة العرب في العصر الوسيط. فكما فتحت الفلسفة العربية الوسيطية الطريق للفكر الأوروبي المسيحي للوصول إلى النصوص الإغريقية الكلاسيكية، ممهدة بذلك الطريق للحضارة الغربية الصناعية للوصول إلى الفكر الإغريقي المبكر، وإلى تصوره الحدسي للعالم، آخذاً مسافة نقدية من الفهم الغربي المسلم به، والذي يركز على الذات وعلى إرادتها الذاتية للتحقق (إرادة القوة).

شرط المعرفة

يشير كوكلر إلى أن نقد هيدغر المجتمعي الأساسي، والذي يعتبر إلى حد ما عكساً منه للمرآة في وجه الحضارة الغربية، ويكتسي نداؤه المستمر للرجوع إلى الوجود/ الواقع الصحيح باعتباره شرطاً لمعرفة الكينونة أهمية إضافية بالنظر إلى خاصية العولمة التي لا تبحث إلا على الربح. وبالنظر إلى سياسة القوة والتسلط للدول الصناعية عن طريق التقنية، قد يفهم العراك السياسي الحالي في الدول العربية الذي بدأ عام 2011، حتى وإن كانت أسبابه الاجتماعية واضحة منذ سنين، كرد فعل على استغلال الفرد من طرف قوى تسلطية، تجعل من الإنسان {شيئاً}، وتفرض عليه أن يشتغل كآلة فقط. إن محاولة التحرر الفردي من الوضع في الدول العربية حالياً يكون فيه هذا الفرد {شيئاً} فقط، هو في العمق أساس أنثروبولوجي يتمظهر في مختلف الحقب التاريخية للإنسانية بأشكال مختلفة. ويعتبر فكر هيدغر المتعلق بالكينونة، باعتباره نقداً {لنسيان الكينونة} و{لإرادة القوة}، كما يتجلى ذلك في إرادية {التقنية} الحالية - مساهمة جوهرية لفهم عميق لمثل محاولات التحرر هذه.

جوهر البعد

يرى كوكلر أن مصطلح {الكينونة} قد أسيء فهمه في كثير من الأحيان في بعده الأنطولوجي، فلا بد من فهمه بصفته مشروعية احتمال لميدان وجودي مطلق. ويظهر قربه من الميثولوجيا/ الخيال باعتباره استغناء عن التفكير بوضوح. أما بالنسبة إلى فكر هيدغر، فيمكن الحديث عنده عن {الكينونة} بصفتها تعبيراً عن التحفظ الأخير تجاه جعل معرفة/ تجربة الواقع مادية بسذاجة الواقع في تمريره إلى أفق متعال وإلى كونية {الواقع/ الحقيقة}، ومن ثم تمريره في الوقت نفسه الشروط المتعالية/ الترانسندنتالية لمعرفة الواقع التي توجد في كل أفق، أي في كل وضع. وبهذا يتضح بُعد آخر في فكر هيدغر، والذي يوجد في جوهر البعد الشكّي وكذا في العلاقة بين الشك والنقد المجتمعي اللذين يحتمان علينا استعمال المفاهيم الخاصة الواردة في هذا العمل طبقاً له، والمأخوذة مباشرة وأساساً من فلسفة الكينونة كما تصورها هيدغر.

يؤكد كوكلر أن أهمية الفلسفة تكمن في القيام بالوعي الواضح، يعني الوعي بالحقيقة التي يتأسس عليها الفرق الذي لا يمكن تجاوزه بين {المعرفة/ التجربة} و{الشيء في ذاته}، المتجليين في دياليكتيك الذات والموضوع.

back to top