أوباما أفسد صفقة سلام سورية باكرة

نشر في 12-10-2013
آخر تحديث 12-10-2013 | 00:01
أعاد الأسد، بعد تحديه التنديد العالمي واستخدامه غاز السارين، رسم صورته في سلسلة مقابلات تلفزيونية بالغة الأهمية قدم نفسه فيها بصفته البديل الأفضل للثوار الإسلاميين الذين يريدون تأسيس دولة أصولية.
 ناشيونال جورنال   رغم جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري الحثيثة، يبدو أن التحضيرات لمؤتمر "جنيف الثاني" بشأن الحرب الأهلية السورية بدأت تنهار، فقد ازدادت حركة الثوار أكثر تفككاً وتشدداً في رفضها الحاكم السوري المستبد بشار الأسد، وفي المقابل، حصل الأسد، الذي استعاد ثقته بنفسه، على شرعية متجددة نوعاً ما بصفته الموقع على حظر جديد للأسلحة الكيماوية توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا في مفاوضات رعتها الأمم المتحدة، حظر كُلفت حكومة الأسد بتطبيقه خلال السنة المقبلة، كذلك أعاد الأسد، بعد تحديه التنديد العالمي واستخدامه غاز السارين، رسم صورته في سلسلة مقابلات تلفزيونية بالغة الأهمية قدم نفسه فيها بصفته البديل الأفضل للثوار الإسلاميين الذين يريدون تأسيس دولة أصولية.

يجب أن يحض كل ذلك الولايات المتحدة على إعادة تقييم مؤتمر جنيف الأول، الذي عُقد في صيف عام 2012، والذي استند إليه كيري في سعيه الجديد إلى السلام. يشير بعض المسؤولين المعنيين أن المأساة الكبرى في سورية تبقى على الأرجح أن الرئيس أوباما كان يملك، قبل مقتل نحو 80 ألف شخص، خطة فاعلة لإنهاء العنف، خطة بات نجاحها مستبعداً اليوم، ولكن في الجو السياسي الذي ساد خلال الانتخابات الرئاسية عام 2012 (حين اتهم مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني تكراراً أوباما بأنه "لين")، لم تبذل الإدارة جهداً يُذكر لإنجاح هذه الخطة، واكتفت باعتماد خط متشدد في تعاطيها مع الأسد، مغضبة بالتالي مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية كوفي أنان. ونتيجة لذلك، استقال هذا الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وفق عدد من المسؤولين المعنيين.

يذكر عضو سابق في فريق أنان للتفاوض أنه بعد توقيع وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري رودهام كلينتون ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 30 يونيو عام 2012 بياناً وضعه أنان دعا فيه إلى عملية "انتقال" سياسية في سورية، كان الزخم لعقد صفقة كبيراً بقدر ما حققه كيري بعد سنة مع الأسلحة الكيماوية. وسافر أنان بعدئذٍ من جنيف إلى موسكو وحصل على ما ظن أنه موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التخلص بهدوء من الأسد. لكن الولايات المتحدة وبريطانيا أصدرتا فجأة دعوات عامة لرحيل الأسد، فشعر أنان أنه أُخذ على حين غرة، وبعيد ذلك، قدمت سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة آنذاك، سوزان رايس، بخلاف نصيحته، مشروع قرار تحت "الفصل السابع" يفتح المجال أمام استخدام القوة ضد الأسد، خطوة اعتبرها أنان سابقة لأوانها.

استقال أنان بعد شهر، لكن هذا الدبلوماسي الغاني الهادئ لم يعبر آنذاك بصراحة عن أسباب استقالته، وبدا أنه يلوم كل الأطراف. قال أنان للمراسلين في جنيف: "لم أتلق كل الدعم الذي تستحقه هذه القضية". كذلك انتقد ما دعاه "توجيه اللوم واستخدام النعوت في مجلس الأمن"، إلا أن مساعدين بارزين ومسؤولين سابقين في الأمم المتحدة أشاروا في حوارات خاصة إلى أن أنان ألقى اللوم الأكبر على كاهل إدارة أوباما. يذكر مساعد سابق مقرب من أنان وافق على مناقشة المحادثات من دون ذكر اسمه: "لم تستطع الولايات المتحدة دعم حتى اتفاق وقعته وزيرة الخارجية في جنيف، فاستقال بعد أن تملكه الاستياء، وبدا واضحاً، في رأيي، أن البيت الأبيض خشي التعاطي مع الروس والظهور بمظهر الضعيف أمام بوتين خلال الحملة". فمن أبرز الانتقادات التي وجهها الجمهوريون إلى أوباما آنذاك كان وعده موسكو، في لحظة محرجة نسي فيها "الميكروفون مفتوحا"، بالمزيد من "المرونة" بشأن الدفاع الصاروخي بعد الانتخابات.

ينكر مسؤولو الإدارة هذه الرواية، شأنهم في ذلك شأن بعض العاملين في وزارة الخارجية الأميركية، ورغم ذلك، يقر فريدريك هوف، سفير أميركي كان مستشار كلينتون الخاص للعملية الانتقالية في سورية في تلك المرحلة، بأن الإدارة كانت تستطيع التعاطي مع هذه المفاوضات بفاعلية أكبر. فمطالبة كلينتون ووزير الخارجية البريطاني وليام هيغ المتشددة برحيل الأسد كانت "غير منطقية"، وفق هوف، باحث بارز في المجلس الأطلسي. يضيف: "لربما كان يجب بذل مجهود أكبر لمنح أنان الوقت لإتمام مهامه". رغم ذلك، يؤكد هوف أنه لم يرَ أي دليل على أن الإدارة كانت تغالي في موقفها لأسباب سياسية.

بالإضافة إلى ذلك، يشير مسؤول بارز حالي في وزارة الخارجية الأميركية إلى أن إحدى المشاكل التي اصطدم بها بيان أنان كره كلينتون خوض وساطة مباشرة طويلة الأمد، بخلاف خلفه الذي فتح المفاوضات على جبهات عدة دفعة واحدة (مع سورية والروس، ومع إيران، وبين الفلسطينيين والإسرائيليين). يتابع هذا المسؤول: "فاق عدد الرحلات التي قمنا بها إلى الشرق الأوسط خلال الأشهر التسعة الماضية ما قامت به كلينتون خلال أربع سنوات".

برعت كلينتون في ممارسة القوة "الناعمة"، ناشرة رسالة الولايات المتحدة في الخارج، ولكن من الانتقادات الأبرز التي وُجهت لسنواتها الأربع في وزارة الخارجية أنها تفادت باستمرار خوض وساطة مباشرة، فقد رضيت كلينتون بترك مفاوضات أساسية في فترات حرجة، خصوصاً في الشرق الأوسط ووسط آسيا وجنوبها، بين أيدي مبعوثين خاصين، أمثال جورج ميتشل وريتشارد هولبروك، ونادراً ما حاولت التدخل مع إخفاق كل منهم، ويشير المراسل المخضرم ديفيد رود، في تقييم لعهد كلينتون نحو نهايته في شهر يناير، إلى أن كلينتون أرادت تفادي الإحراج أو الفشل قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016. كذلك اقتبس عن أحد مسؤولي وزارة الخارجية قوله إنه "سر بتعيين شخص في هذا المنصب لا يملك طموحات سياسية".

رغم ذلك، يوضح هوف ومنتقدو الإدارة أن عقد صفقة سلام عام 2012 كان سيتطلب جهوداً جبارة. يذكر هوف: "أعتقد أن بعض المشاكل نشأت في أعقاب توقيع هذا البيان في 30 يونيو. أولاً، اتضح لأنان والروس أن الأسد ما كان يريد الرحيل، وقد نجح في قراءة نص اتفاق جنيف بدقة بالغة... في المجال ذاته، لم يلقَ عمل كوفي ترحيب المعارضة بما أنه لم يشمل أي عبارة صريحة عن ضرورة رحيل الأسد".

لكن بيان جنيف سرعان ما ألقي على الرف، حتى كيري انتقد إدارة أوباما حين تسلم منصبه "لتأخرها" في السعي للسلام، لكن وزير الخارجية الجديد يواجه اليوم رئيساً سورياً استعاد ثقته بنفسه ومعارضة ازدادت تقسيما وباتت مليئة بعناصر متطرفة ترفض أي اتفاق سلام تؤدي فيه الولايات المتحدة أو الغرب دور الوسيط. ولا شك أن هذا الواقع يزيد من تحسرنا على تلك الفرصة الضائعة.

Michael Hirsh

back to top