الديمقراطيات الناشئة في العالم لا تحبنا أيضاً!

نشر في 02-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 02-10-2013 | 00:01
بالنسبة إلى كل من يخشى وجود مؤامرات إمبريالية جديدة، أكد الكشف عن نشاطات التجسس التي قامت بها وكالة الأمن القومي الأميركية في البرازيل ضمن قضية إدوارد سنودن صحة المخاوف من نوايا الأميركيين السيئة.
 تايم أصبح هذا الأمر شائعاً في عالم الدبلوماسية الأميركية: ترحب الولايات المتحدة بنشوء القوى الجديدة وتريدها أن تتابع تقدمها، لا سيما إذا كانت تلك القوى الجديدة ديمقراطية. كرر الرئيس أوباما هذا الوعد في الهند وفي جنوب إفريقيا وفي البرازيل. وقد قال في ريو دي جانيرو: "الشعب الأميركي لا يعترف بنجاح البرازيل فحسب بل إننا نشجع نجاح البرازيل".

لكن لسوء الحظ، لا يصدّق الأشخاص المعنيون بهذه التطمينات ذلك الكلام دوماً.

يُعتبر "تأجيل" زيارة الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف إلى واشنطن في الأسبوع الماضي أحدث إثبات على ذلك: تتعمق الشكوك بالنوايا الأميركية مع أننا نحاول تبديدها بشكل مستمر. بالنسبة إلى كل من يخشى وجود مؤامرات إمبريالية جديدة، أكد الكشف عن نشاطات التجسس التي قامت بها وكالة الأمن القومي الأميركية في البرازيل ضمن قضية إدوارد سنودن  صحة المخاوف من نوايا الأميركيين السيئة. ربما كانت روسيف تتمنى شخصياً إنقاذ تلك الزيارة، لكن كانت ردة الفعل المحلية لتجعل زيارتها حماقة سياسية مشينة بغض النظر عن الحجج الاستراتيجية التي تؤيد الزيارة أو تعارضها.

ظاهرياً، تتشارك جمهوريتا البرازيل والولايات المتحدة الحيويتان قواسم مشتركة كثيرة: تاريخ من الهجرة، تنوع عرقي، براعة زراعية، ثقافة شعبية محترمة حول العالم. لكن يبقى إلغاء اللقاءات وانتشار مشاعر الخيبة عاملين شائعين بينهما. تعتبر كل إدارة أميركية أن البرازيل مرشحة جيدة لتحسين العلاقات إلى أن يقع حدث مزعج يعوق مسارهما.

بعد أن أثارت الوثائق المشينة المتلاحقة ضجة كبيرة هذا الشهر، أصرت واشنطن على أن البرازيليين يجب ألا يخشوا نشاط وكالة الأمن القومي. لكن وجد معظم البرازيليين صعوبة في فهم الفكرة القائلة إن التنصت على محادثات المستشارين الرئاسيين أو اختراق حواسيب شركة "بتروبراس" النفطية الحكومية يساهم في "حماية وطننا فضلاً عن حماية أشخاص آخرين في العالم، بما في ذلك البرازيليين" كما قال جون كيري في برازيليا.

لم يكن اللقاء اللاحق بين وزير الخارجية البرازيلي ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس ولا الحديث بين الرئيسين كافياً لتهدئة سخط البرازيلين. قالت ديلما: "أريد أن أعلم كل ما لديهم بشأن البرازيل. عبارة "كل شيء" شاملة جداً. هي تعني كل شيء مع أدق التفاصيل". عبّر البيت الأبيض عن "تفهّمه" لهذا الموقف و"أسفه" لتنامي مخاوف البرازيل. لكن كان يصعب أن يأمر أوباما بتغيير طريقة عمل الأوساط الاستخبارية الأميركية بهدف إبقاء الزيارة في موعدها المحدد.

بالنسبة إلى الكثيرين في واشنطن، كان شرط "معرفة كل شيء" مشيناً ووقحاً. اعتبره المشككون تأكيداً على رأيهم بأن البرازيل تهتم حصراً بلفت الانتباه أكثر مما تهتم بأداء دور عالمي جدي. في غضون ذلك، اعتبر الرئيس البرازيلي السابق لويس إغناسيو لولا دا سيلفا أن فضيحة وكالة الأمن القومي هي إثبات على أن "الدول الغنية ليست مستعدة لتقبّل ظهور الدول الناشئة"، واتهم الولايات المتحدة "بارتكاب جريمة ضد الديمقراطية". رأى أعضاء حزب ديلما أن هذه القضية تعكس أصداء الدكتاتورية البرازيلية التي اعتقلت وعذبت المعارضين (بما في ذلك ديلما نفسها) وكانت تتمتع في مرحلة معينة بالدعم الأميركي. كان التجسس على شركة "بتروبراس" المسألة الأساسية التي أثارت هذا السخط كله على الأرجح: تنتشر في البرازيل مخاوف غريبة من وجود مؤامرات خارجية تهدف إلى سرقة موارد البلد من نفط ومعادن وأشجار الأمازون.

لا تغير هذه المعطيات واقع أن البرازيل والولايات المتحدة، رغم جميع الخلافات، ستكسبان الكثير إذا ربطت بينهما علاقة حسنة، على مستوى النمو الاقتصادي والتبادل الثقافي والتعليمي وعلى مستوى السياسة الإقليمية والعالمية. بالنسبة إلى واشنطن، تشكّل الطبقة الوسطى في البرازيل سوقاً جديدة مهمة، ويوفر نفطها ووقودها الحيوي مصادر طاقة مستقرة، وتُعتبر تركيبتها المبنية على التطور الديمقراطي في ظل مجتمع متنوع نموذجاً نريد أن يتكاثر.

لكن تحول الشكوك القديمة السائدة دون استغلال تلك الإمكانات، تؤدي رغبة البرازيل في كسب الدعم الأميركي للفوز بمقعد دائم في مجلس الأمن إلى التشكيك بمصداقية البرازيل. يعكس اهتمام الولايات المتحدة بالأسواق البرازيلية حذراً من المنافسة الخارجية. يُعتبر السفير الأميركي المنتهية ولايته، توم شانون، أحد الدبلوماسيين الأميركيين الأرفع شأناً وقد سعى بكل قوته إلى بناء ثقة متبادلة بين البلدين عبر مجموعة من البرامج. لكن طغى مانينغ وقضية "ويكيليكس" على معظم فترات سنته الأولى في برازيليا وسيترك منصبه الآن وسط ضجة سنودن وبرنامج "فانتاستيكو".

قد تكون تكاليف إلغاء الزيارة على المدى القصير عالية بالنسبة إلى البرازيل أكثر مما هي عليه بالنسبة إلى الولايات المتحدة. مع ذلك، تترافق هذه الشكوك القديمة المترسخة، في البرازيل وأماكن أخرى، مع تداعيات مقلقة على المدى الطويل. نحن نشجع "القوى الديمقراطية الناشئة" لأننا نأمل أن تصبح شريكتنا في عالم ما بعد الحقبة الأميركية حيث نسعى للحفاظ على أفضل خصائص النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة.

من سيساعدنا على حماية ذلك النظام إذا انسحبت البرازيل أو الهند أو جنوب إفريقيا؟

Daniel Kurtz-Phelan

back to top