زفرة من قلب محب

نشر في 16-03-2013
آخر تحديث 16-03-2013 | 00:01
 أحمد عبدالكريم زنبركجي قبل فترة قصيرة انتهت اختبارات الصف الثاني عشر لنهاية الفترة الثانية، وكنا قبل البدء بها نقول: لعل ظاهرة الغش في الامتحانات تختفي هذه المرة، أو تنحسر، لكن ذلك الرجاء الحارّ قد اصطدم هذه المرة أيضا بقسوة الواقع ومرارته، فلقد أصبح هذا الداء وباء متفشياً، ووبالاً على كيان الدولة ومستقبل الشعب.

وهذه أوراق إجابات الطلبة عندكم تشهد بذلك، وفي طلبتنا شباب طيبون خيرون يشهدون بما رأوا وعرفوا، وكذلك كل من عمل في لجان التصحيح، أو معظمهم.

تخيّلوا أن موضوعات التعبير في اللغة العربية أصبحت تُغش كاملة، كلمة كلمة، من خلال الأجهزة المحمولة؛ بالإضافة إلى بقية الأسئلة! فإلى أين نحن سائرون؟ لا ريب أننا سنصل إلى وقت نجد فيه الطبيب يجهل الطب، والمحامي يجهل القانون، والمعلم يجهل مادته التي يدرسها... ولماذا نذهب بعيداً؟ إن ذلك قد بدأ فعلا!

ولهذا نرى كثيرا من المعلمين وملاحظي الاختبارات يسهمون في تغشيش الطلبة، ولَعمري إنهم قي ذلك لَكحامل الخمر أو كبائعها؛ حكمهما حكم شاربها، ولعمري إن مدير المدرسة أو المركز الامتحاني الذي يسمح بذلك، أو يغفل عنه، أو يدعو له؛ لَهُوَ كمدير حانة الميسر، بل إنه أخطر؛ لأنه يقامر بكيان وطن ومستقبل شعب.

لا شك أن كثيرا منكم- أيها الإخوة الكرام– قد سمع يوما من تلميذ صغير أن المعلم أو المعلمة قد غششت التلاميذ في الاختبار، وأن المعلمات يتوالين على الفصل الواحد تباعا للتأكد من نشر الغش، فكيف يستطيع هذا الصغير أن يقلع في المستقبل عن شيء شَبّ عليه كلبن أمه؛ إلا من رحم ربك؟! بل كيف يكون عند كثير من الطلاب دافع للدراسة؛ وهم يعلمون أنهم سينجحون بالغش وبدرجات عالية أحيانا؟!

وها أنتم أولاء ترون نتائج طلبتنا من الصف السادس في اختبار بيرلز المخصص عالميا للصف الرابع، فالكويت فيه هي الدولة ما قبل الأخيرة عالميا! وترون كذلك كيف أن كثيرا من طلاب المرحلة الثانوية يعجزون عن كتابة بضعة أسطر في موضوعٍ ما كتابة سليمة جيدة!

اعلموا أيها الأحباب أن أعداء أمتنا يسرهم أن نكون على هذه الحال؛ لنظل لاهثين وراءهم، نتبع ظلهم، ونطأطئ رؤوسنا أمامهم، وندفع دماء قلوبنا ثمنا لمخترعاتهم وصناعاتهم، من العلك إلى الطائرة وما دونهما وما فوقهما.

فنهضتنا العلمية تَسوؤهم، لا تروق لأحلامهم في السيطرة والسيادة، واعلموا أن هذا الطالب الذي يغش هو ضحية الكبار وضحية الآباء والمربين.

والسؤال الآن: أليس هناك حلول ودواء لهذا الداء؟ ألا يمكن تحذير مديري المراكز قبل بدء الاختبارات تحذيرات صارمة؟ ثم محاسبتهم عما يحدث في مراكزهم؟ ألا يمكن اتخاذ عقوبات رادعة بحق كل مخالف؛ ليكون عبرة لغيره؟ ولَعمري إن هذه المخالفات أشد خطرا من أعظم مخالفات المرور، فمخالفات المرور تقتل أفرادا، وهذه المخالفات تقتل أمة.

 أفلا نستطيع منع دخول الأجهزة المحمولة إلى قاعات الامتحان؟ ألا نستطيع وضع جهاز تشويش يعطل عملها هناك؟! ألا يمكن أن نضع في المراكز "كاميرات" مراقبة كما هي الحال في الجمعيات التعاونية، لنزيد من المراقبة والمتابعة؟ علما أن سرقة الإجابات هي أشد من كل السرقات التي يخشى أن تحدث في الجمعيات.

أيها الإخوة: سامحوني إن كان وقع كلامي شديدا، فلا أستطيع أن أكون دائما شيطانا أخرس! لا أستطيع إلا أن أكون وفيا لأمتي أغار عليها، ومخلصا للكويت التي ألفتها وعشت من خيرها أكثر من ثلاثين عاما، ويدمي قلبي أن أراها تغذ الخُطا في نفق مظلم سيئ العاقبة.

back to top