لماذا لم تحذر الجزائر واشنطن بشأن غارتها لتحرير الرهائن؟

نشر في 24-01-2013
آخر تحديث 24-01-2013 | 00:01
عرّضت غارة جزائرية غير متقنة لتحرير الرهائن حياة مواطنين أميركيين للخطر، والأسوأ أن أوباما لم يكن على علم بها، وذلك بسبب سنوات من انعدام الثقة (ورفض المساعدات) بين الدولتين.
 ذي ديلي بيست عندما أطلقت القوات الخاصة الجزائرية غارة يوم الخميس لتحرير الرهائن المحتجزين في مجمع للغاز الطبيعي يقع في منطقة نائية، بدت هذه العملية مفاجئة لكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية وحلفاء الولايات المتحدة الدوليين الأساسيين. اعتُقد أن عدداً من العمال الأميركيين كانوا محتجزين في هذه المنشأة الشاسعة. صحيح أن تفاصيل ما حدث لا تزال مبهمة، بيد أن المسؤولين الأميركيين أعلنوا يوم الجمعة أن أميركياً واحداً على الأقل قُتل.

لا عجب أن الجزائر لم تُعلم الولايات المتحدة بما تخطط له (أو حتى تتعاون معها) قبل أن تشن غارتها، فمنذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، حاولت إدارتا بوش وأوباما على حد سواء بناء علاقة وطيدة مع الجيش وأجهزة الاستخبارات ووزارات الأمن في الجزائر، ولا شك أنهما حققتا النجاح في بعض المناسبات، فقد تدرب الضباط الجزائريون مع الجيش الأميركي، كذلك أطلعت وكالات الاستخبارات الأميركية الجانب الجزائري على صور التقطتها طائرات الاستطلاع والأقمار الاصطناعية لحدود الجزائر الشاسعة، وتعاون الطرفان أحيانا ضد عدوهما المشترك، "القاعدة في المغرب الإسلامي" (فرع تنظيم القاعدة في شمال إفريقيا).

لكن عدم الثقة كان دوماً الغالب في هذه العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة والجزائر، ففي عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، لم يقبل الجيش الجزائري رزم المساعدة الضخمة في مجال الدفاع التي حصل عليها حلفاؤه في شمال إفريقيا، مثل المغرب ومصر، فهذا النوع من المنح، الذي يُعرف بالتمويل العسكري الأجنبي، قد يمنح الولايات المتحدة نظرياً نفوذاً في الجيوش الأجنبية (أو الفرصة للاطلاع على كامل قدراتها). وتُعتبر موسكو مزوّد الجزائر الرئيس بالسلاح، وتعود العلاقة بين هذين البلدين إلى الحرب الباردة، حين كان الروس يدربون عناصر الجيش وأجهزة الاستخبارات الجزائرية.

علاوة على ذلك، أثارت القرارات الأميركية أحيانا استياء الجزائر. ففي شهر يناير عام 2010، أدرجت إدارة سلامة النقل الأميركية الجزائر على لائحة مراقبة جوازات سفر تخضع لمزيد من التدقيق في المطارات، عقب محاولة تفجير رحلة خطوط "نورث ويست" المتجهة من أمستردام إلى ديترويت في الخامس والعشرين من ديسمبر 2009.

بعد بضعة أسابيع، احتجت الحكومة الجزائرية رسمياً على قرار هذه الإدارة، وفق إحدى برقيات وزارة الخارجية الأميركية بتاريخ 6 يناير 2010، علما أن هذه كانت بين البرقيات التي سربها موقع "ويكيليكس". ذكرت هذه البرقية أيضا أن الحكومة الجزائرية في اجتماع منفصل قبل يوم وافقت على تحليق طائرات التجسس الأميركية EP-3 فوق منطقة الساحل الإفريقي في أراضيها بغية مراقبة معاقل "القاعدة" في المغرب الإسلامي.

ذكر إيان ليسر، مدير بارز في شؤون السياسة الخارجية والأمنية في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة الأميركية: "يريدون صوراً التقطتها طائرات الاستطلاع والأقمار الاصطناعية، فضلاً عن المعلومات الضرورية للسيطرة على تلك الرقعة الشاسعة. ساعدناهم إلى حد ما في هذا المجال، ولكن على صعيد التعاون العسكري-العسكري، كنا نفتقر إلى تلك العقود والسنوات من التدريب المشترك والتبادل التي تجمعنا بدول أخرى في المنطقة".

منذ عام 2008، أنفقت الولايات المتحدة مليون دولار سنوياً من برنامج التعليم والتدريب العسكري الدولي لنقل الضباط العسكريين الجزائريين إلى الولايات المتحدة بهدف منحهم تعليماً عسكرياً متقدماً. ترمي عمليات التبادل هذه إلى توطيد العلاقة الشخصية بين القادة العسكريين الأميركيين والقادة المستقبليين للجيوش الأجنبية. على سبيل المثال، درس أشفق كياني، رئيس هيئة أركان الجيش الباكستاني، في كلية قيادة الجيش والأركان الأميركية في فورت ليفنورث في كنساس، وخلال دراسته هذه، تعرف إلى ضابط شاب يُدعى ديفيد بترايوس، الذي تولى لاحقاً قيادة حربَي الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.

شاركت الحكومة الجزائرية أيضا في تبادلات عسكرية مع الولايات المتحدة، إلا أنها لم تكن مقتنعة تماما بأن الأميركيين يستطيعون تعليم جيشها وقواها الأمنية كيفية محاربة الإرهابيين، وفق ما أكده المسؤولون الأميركيون السابقون والحاليون في البرنامج. ففي تسعينيات القرن الماضي، قادت الحكومة الجزائرية حملة عنيفة ضد التمرد الإسلامي الذي تحول في النهاية إلى "القاعدة في المغرب الإسلامي".

يتذكر جيف بورتر، رئيس شركة "مخاطر شمال إفريقيا" الاستشارية التي تقدم النصائح لعملاء الحكومة الأميركية وشركات النفط بشأن المخاطر السياسية والأمنية في الجزائر، اجتماعاً عام 2006 مع علي تونسي، الذي كان المدير العام لقوى الأمن الوطنية الجزائرية حتى مقتله عام 2010. يذكر بورتر أن تونسي قال إن الولايات المتحدة "لا تنفك تقدّم لنا الدعوات لزيارة كوانتيكو أو جزيرة باريس، إلا أنها لا تملك أي جديد تقدمه لنا". يضيف بورتر: "كانت النظرة السائدة أن الجزائر شنت حملة عنيفة ضد التمرد، وبعد الحادي عشر من سبتمبر، أطلقت الولايات المتحدة حربها ضد الإرهاب وأتت تعرض على الدول شتى الأمور، مدرجة إياها في إطار التعاون لمحاربة الإرهاب".

أوضح مسؤول في أحد أجهزة الاستخبارات الأميركية تقاعد أخيراً بعد أن تعاون بشكل لصيق مع وزارات الاستخبارات في الجزائر، أن هذه الأخيرة قدّمت للولايات المتحدة عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر لائحة بأسماء أكثر من 3 آلاف شخص ادعت أنهم على علاقة بتنظيم "القاعدة" وغيره من الفصائل المجاهدة. وأضاف هذا المسؤول: "لربما كان 500 منهم على علاقة بالقاعدة، إلا أن الألفين والخمسمئة المتبقين كانوا أشخاصاً لم يروقوا لهم فحسب".

في الأشهر الستة الأخيرة، كثّفت إدارة أوباما عملياتها الدبلوماسية مع الجزائر، نظراً لتدهور الوضع في مالي. وقادت وزيرة الخارجية المنتهية مدتها هيلاري كلينتون هذه الجهود للتعاون مع الحكومة الجزائرية بهدف إجراء حوار استراتيجي جديد غايته توسيع العلاقات لتتخطى حدود مكافحة الإرهاب، لكن التشديد كان على إقفال الحدود الجزائرية مع مالي واستهداف خليط الثوار الإثنيين والمجاهدين الذين يهددون بتحويل مالي إلى الملجأ التالي لتنظيم "القاعدة".

نجحت هذه الجهود إلى حد ما، فقد سمحت الجزائر لفرنسا، التي استعمرتها سابقاً، باستخدام مجالها الجوي لإطلاق المبادرة العسكرية الجديدة في مالي. كذلك حشدت الجزائر جنودها على الحدود مع مالي، بعدما رفضت العمل بهذه التوصية بادئ الأمر، وفق ما أشار إليه ثلاثة مسؤولين أميركيين حاليين. رغم ذلك، ما زال الحذر سيد الموقف في التعاملات بين الجزائر الولايات المتحدة.

back to top