«نجد قبل النفط» لبدرية البشر...

نشر في 11-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 11-02-2013 | 00:01
No Image Caption
الحكايات الشعبية في الميزان

صدر أخيراً كتاب «نجد قبل النفط: دراسة سوسيولوجية تحليلية للحكايات الشعبية» للكاتبة والروائية السعودية بدرية البشر، من إصدارات دار «جداول» بيروت، وهي دراسة تستند إلى واقع الثقافة الشعبية وما تحمله من دلالات في الواقع الحضري.
تقول بدرية البشر في مقدمة كتابها «نجد قبل النفط»: «لم يبدأ الاهتمام بمنطقة نجد وتدوين الفترات التاريخية التي مرّت بها والكشف عن بعض جوانب الحياة الاجتماعية فيها، إلا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكان ذلك بجهود الرحّالة الغربيين والمستشرقين، كما أسهم الباحثون العرب الذين عملوا مع الملك عبد العزيز آل سعود في أوائل القرن العشرين في كتابة مذكرات وافية عن تطوُّر المجتمع السعودي».

وتضيف: «أحاط الكثير من الغموض بتاريخ نجد في فترة ما قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1157ه/ 1744م، ويرجع سبب الغموض ونقص المعلومات إلى عوامل كثيرة، خارجية تتعلق بطبيعة نجد التاريخية والجغرافية، وداخلية تتعلق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية لسكّان نجد». وقد اعتمدت الباحثة في كتابها هذا على بعض ما حملته تلك المراجع من مشاهدَ متفرِّقة عن الحياة الاجتماعية في نجد. كذلك اعتمدتْ على الحكايات الشعبية في منطقة نجد باعتبار أنَّ الأدب الشعبي منتَج جماعي يظلّ امتدادًا حيًّا بين الناس يتناقلونه شفاهة جيلا بعد جيل.

ودرست بدرية البشر واقع نجد الاجتماعي قبل النفط، من خلال تحليل مضمون الأدب الشعبي الذي جمعه بعض الأدباء السعوديين المعاصرين، خصوصاً أن منطقة نجد غنية بآدابها الشعبية القديمة: مثل الأهازيج والحكايات والأمثال والشعر. ولا تقدم في كتابها بحثاً فلكلوريا أو يهتم بشكل الحكايات الشعبية الفني، بقدر ما هو سوسيولوجياً يهتم بالمضمون الاجتماعي الذي يشير إليه النص الشعبي وتصويره لما كانت عليه الحياة الاجتماعية في نجد قبل النفط. واعتمدت في تحليلها الحكايات الشعبية على مجموعة من الحكايات مصدرها الحكايات الشعبية التي جمعها عبد الكريم الجهيمان الواقع في خمسة أجزاء وتحتوي على مئة وسبع وستين حكاية شعبية سجلها بعدما سمعها من الناس. بالإضافة إلى كتاب محمد العبودي «مأثورات شعبية» ويحتوي على سبع وستين حكاية.

تبين المؤلفة أن علاقة متبادلة تأثيراً وتأثراً بين الأدب وبين المجتمع، ذلك أن الأدب في محصلته النهائية نتاج اجتماعي يصور الأديب من خلاله الواقع الاجتماعي أو يستشرف حلولاً لمشكلاته. على أن الواقع يؤدي دوراً في تشكيل الأدب الشعبي، والأدب الشعبي نفسه يسهم في بناء هذا الواقع. ويرى ابن خلدون أن العلاقة بين الأدب والمجتمع علاقة وظيفية، حيث يزدهر القلم في حالة الاستقرار لأي مجتمع. وقد أسهم موقع نجد الجغرافي، وطبيعتها الصحراوية وغياب التعليم في تشكيل القيمة الشفهية التي عبّرت عن الحياة الاجتماعية بمناحيها كافة، حيث سجل الأدب الشعبي في الجزيرة العربية، كما ذكر الباحث سعد الصويان، مظاهر متعددة للحياة الاجتماعية وعرض جوانبها الإنسانية الثرية، مستمداً من الواقع اليومي ومادته، ومضمناً سجله الأدبي ملامح حياة شعبه ونتاجه الفكري في بساطته وعفويته.

ترصد المؤلفة كيف أن السعودية تعيش تغيرات جذرية في المجالات الحياتية كافة نتيجة الاستغلال الاقتصادي للنفط، الذي أتاح انطلاق التنمية في هذا المجتمع البدائي البسيط، ما أوجد واقعاً جديداً وانتقل المجتمع بين عشية وضحاها إلى مجتمع عصري يخالط فيها التراث القديم والحديث بشكل غاية في التعقيد. وقد نال الأدب الشعبي في السعودية عموماً والأدب الشعبي في نجد خصوصاً اهتماماً كبيراً في السنوات الأخيرة، من الجهات الرسمية والأكاديمية على حد سواء، وانعكس هذا الاهتمام في المهرجان الوطني للتراث الذي يقام سنوياً في الجنادرية في بعض نشاطاته على قراءة التراث الشعبي.

تكمن أهمية دراسة البشر في أنها ترصد الحياة الاجتماعية في السعودية قبل اكتشاف النفط، حيث ما يتوفر عبارة عن انطباعات ومشاهدات تفتقر إلى المنهج العلمي، وقد سجلها بعض المهتمين بأدب الرحلات الجغرافيين. ومعظم التاريخ الذي تم تسجيله هو تاريخ حربي سياسي غالباً، بعيد عن الواقع الاجتماعي لإنسان الجزيرة العربية.

أحدث اكتشاف النفط تطوراً حضارياً وثقافياً واجتماعياً، وبدَّل من الأمور الحياتية الكثير، فقد حدثت تغييرات أساسية في المجالات الاقتصادية المختلفة، الزراعية والتجارية والصناعية، كذلك حدثت هجرة مكثفة من المناطق غير الحضرية تجاه المدن التي أخذت في التضخم تدريجاً. وتنوعت وانتشرت الخدمات المختلفة وعلى رأسها الخدمات التعليمية، وخرجت المرأة إلى العمل الرسمي وأخذت تساهم تدريجًا في بناء أسرتها الصغيرة وفي بناء المجتمع الذي تعيش فيه، وتغيرت نتيجة هذه الأمور كافة أدوار كل من الرجل والمرأة والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحلت قيم جديدة تعايشت مع القيم الأصلية.

تحاول المؤلفة التعرف إلى حال الواقع الاجتماعي في تلك المرحلة التاريخية، أي قبل اكتشاف النفط للكشف عن المصدر التكويني للتراث الثقافي للمنطقة، والذي لا تزال ملامحه قائمة، ولا يزال البعض يتمسك بجزء من هذا التراث رغم انتفاء الظروف الموضوعية وعدم تناسبها سواء مع المستجدات المعرفية العلمية مثل قيمة الزواج من بنت العم أو التبدلات المدنية المحلية كالكرم المبالغ فيه.

وقد اعتبرت المؤلفة أن البناء الاجتماعي لأي مجتمع يشتمل على ثلاث مجموعات من الظواهر الاجتماعية:

- الجماعات الاجتماعية التي تتخذ صور تكتل الإنسان في وحدات اجتماعية مختلفة الحجم والوظيفة.

- العلاقات الاجتماعية التي تمثل التفاعل بين أعضاء الجماعة الواحدة.

- ظواهر التنوع بين أفراد الجماعات الاجتماعية، وتتمثل في الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها أفراد المجتمع، والمراكز التي يشغلونها.

واعتمدت المؤلفة قي بحثها على أسلوب تحليل المضمون، مع التحليل الكمي والكيفي لنص الحكايات الشعبية الذي اشتمل على استمارة بحث لن تشغل القارئ بتفاصيله. أما مجال الدراسة الجغرافي فيتعلق بمجتمع نجد وبالحكايات الشعبية التي تناقلها الناس في تلك المنطقة من السعودية.

back to top