ظاهرة الخبير والإصلاح المنشود

نشر في 26-01-2013
آخر تحديث 26-01-2013 | 00:01
 د. وليد خالد الفلاح ظاهرة الاستعانة بالخبير الأجنبي منتشرة في الدول الشرقية بشكل عام وفي الدول العربية بشكل خاص، فالكلام الذي يقوله هو نفسه كلام المواطن، ولكن عندما يكرره الأجنبي يرحّب به بسعة صدر، لا بل تصرف له مكافأة مالية كبيرة، ويغادر ذلك الخبير الأجنبي تلك الدولة وهو يضحك مما رآه من تجاهل للكفاءات الوطنية.

 ويتخرج المواطن من نفس الجامعة التي تخرج فيها ذلك الخبير الأجنبي، ولكن يبقى رأي المواطن منبوذاً وما يقوله مرفوضاً، بينما يستقبل الأجنبي استقبال الأبطال، ويتنقل بأفخر السيارات، وتُفتح له الأبواب المغلقة، ويتهافت البعض لمعرفة رأيه في كل صغيرة وكبيرة، ومهما كانت الكلمات التي تخرج من فمه فإنها عندما تقع في آذان سامعيه تكون أروع ما استمع إليه هؤلاء.

يقوم بعض الأشخاص ممن خدمتهم الظروف وجلسوا على كراسٍ لا يستحقونها باللجوء إلى ما يسمى "الخبير الأجنبي" لتغطية الفشل الإداري والعجز القيادي، ولذرّ الرماد في العيون وإيهام البسطاء من الناس بأنهم يسعون إلى الإصلاح ويهدفون إلى التطوير، وتشكل اللجان المتعددة وتهدر الموارد المالية من أجل مشاريع وهمية وبرامج عمل ورقية ومؤشرات افتراضية، والنتيجة الحتمية الفشل الذريع لكل ما قاموا به وسعوا إليه.

 قد تكون هناك بعض المواضيع التي تتطلب الاستعانة بالخبير الأجنبي، ولكن يكون ذلك بعد عجز الكفاءات الوطنية عن القيام بما هو مطلوب وليس قبل حتى أخذ رأيهم بالموضوع المطروح.

يقول المثل الشعبي: "ما يحكّ ظهرك إلا ظفرك". إن الدول لا تنهض إلا على سواعد أبنائها والحضارات لا تصنعها إلا الشعوب الحية التي تعتمد على ذاتها، وتدرك أنها وحدها القادرة على بناء الدولة والارتقاء بها.

إن بناء الدولة يبدأ أولاً ببناء المواطن الذي يدرك مسؤولياته تجاه الوطن والمجتمع، ويقوم بأداء واجباته على أكمل وجه قبل المطالبة بحقوقه، وما يسمى "الوحدة الوطنية" ليس مصطلحاً رناناً يتشدق به البعض على مسامع الناس، ولكنه واقع يتحقق عندما يوجد مواطنون واعون يدركون تمام الإدراك أن كل فرد منهم هو جزء من كيان أكبر، وأن خير المجتمع هو خير الفرد، وأن الأنانية البغيضة هي أخطر ما يهدد الدول، وأن قوة المجتمع تأتي من قوة أفراده، ونهضة الدولة لن تتحقق إلا من إخلاص مواطنيها وتفانيهم.

back to top