معارضة بمال سياسي وإعلام فاسد

نشر في 06-09-2012
آخر تحديث 06-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 أحمد عيسى على مدى عشرة أيام فصلتنا عن تجمع ساحة الإرادة الأخير، بدا واضحاً أن قوى المعارضة أحست فعلياً بحجم عزلتها وأفول نجمها في الشارع، ما جعلها تلجأ إلى "تأسيس مركز إعلامي للتواصل بالقواعد الشعبية لتعريفهم بحقيقة الأوضاع التي نمر بها"، كما قال النائب علي الدقباسي بعد اجتماع الكتلة بديوانه منتصف الأسبوع.

إن تأسيس قوى المعارضة الجديدة مركزا إعلاميا يدعمه صندوقٌ ماليٌّ يمول أنشطته، وتأسيس قناة فضائية غرضها خلق رأي عام مؤيد للأغلبية المُنتفية يحسن صورتها ويخفف الضغط على نوابها، مسألة ينظر إليها من زاويتين: الأولى أن هذا اعتراف صريح من قوى المعارضة الجديدة باستخدام المال وتوظيفه بالسياسة، بل إن من بينهم عتاة محاربي المال السياسي لأنه كان يستخدم لإسقاطهم في الانتخابات، لكنه اليوم وبعد تبدل الحال أصبح نفس المال الذي يستخدمه خصومهم ويتدفق عبر نفس الوسيلة لتحقيق نفس الهدف من الزاوية الأخرى مالا طاهرا ومطلبا وطنيا لخلق إعلام وطني حر!

الزاوية الأخرى التي يجب أن ينظر إليها هي موضوع تأسيس قوى المعارضة الجديدة مركزاً إعلامياً وصندوقاً مالياً لدعم توجهاته من خلال تأسيس قناة فضائية لتشكيل الرأي العام واستمالة المغردين، فإن هذه الخطورة هي بواقعها عبارة عن وضع مساحيق تجميل غالية الثمن على وجه بشع، لأن القناة ستتبنى نفس الخطاب الذي تتبناه المعارضة اليوم، والذي أصبح جزء من محتواه سياسياً وما تبقى منه ذا طابع تخوين وإثارة الفتنة الطائفية والإقصاء.

كما أن خطوة قوى المعارضة الجديدة بتأسيس مركز إعلامي وصندوق مالي لدعم توجهاته من خلال تأسيس قناة فضائية تقوم على فرضية بغير محلها، لأن نوابها الذين يعتقدون أن هناك محاولات لعزلهم عن الشارع فعلياً، وعلى الأرض ما زالوا يغردون ويظهرون على شاشات الفضائيات المحلية والعربية، واجتماعاتهم يتم تغطيتها بإسهاب في الصحف اليومية، بل أكاد أجزم أن تحليلا قائما على تفريغ ساعات بث الفضائيات ومساحات نشر الصحف سيكشف أن نواب الأغلبية المُنتفية يحظون باهتمام أكبر من الحجم الذي يستحقونه، من وجهة نظر إعلامية، لسبب بسيط هو أنهم وحدهم اليوم في الساحة.

مشكلة قوى المعارضة الجديدة- التي لا تريد الاعتراف بها- تتلخص في أنها لا تعلم ماذا تريد بالضبط؟ فخطابها متداخل، وآراء أعضائها متقاطعة، لا سيما في مسألتي تعديل الدستور ومحاربة الفساد، وهما نقطتا الارتكاز في خطاب المعارضة الجديدة اليوم، فهي تطالب بحكومة منتخبة ومن يتحدثون باسمها عارضوا علنا هذا المطلب، وتتحدث عن عبث بتعديل الدوائر وبينها من شارك فعليا في انتخابات تم العبث في دوائرها الانتخابية، كما أن التركة التي تحملها ثقيلة جدا، فهي تطالب بتحقيق العدالة والمساواة ومن بين مكوناتها نواب جاؤوا وفقا لاختيارات قبلية وطائفية، وتتحدث عن دولة المؤسسات والقانون وبينها نواب اقتحموا مجلس الأمة وضغطوا لتعيين أقاربهم بمناصب قيادية، ولهذا نجدها تتعثر بثقل تركتها ورصيدها من التناقضات.

الحديث اليوم عن صندوق مالي لدعم قوى المعارضة الجديدة يعد خطأ استراتيجيا جديدا، يضاف إلى جملة أخطائها السابقة، تماما مثلما دعت إلى تشكيل جبهة وطنية لحماية الدستور بعدما أقصت جميع الأطراف التي يمكن أن تنسق معها وعزلت نفسها بالشارع عن الآخرين، ثم عادت ونادتهم لينقذوها من الغرق بعدما ابتعدت عنهم كثيرا، ومثلما حشدت الشارع للخروج إلى ساحة الإرادة ولم يلبِّ دعوتها إلا ثلاثة آلاف، وهو الرقم الذي لا يشكل حتى نصف عدد الأصوات التي حصل عليها آخر الفائزين منها في انتخابات 2012، فما بالكم بعدد الأصوات التي جاءت بالأغلبية مجتمعة، وكذلك إصرارها على أن تكون واجهتها في كل لقاء عناصر تثير الفتن وتتلفظ بألفاظ لا يقبل بها أي عاقل متزن، إضافة إلى تحولها من كتلة برلمانية غير منسجمة إلى كيان سياسي مزعج.

back to top