معرض الكتاب... وسن اليأس

نشر في 22-11-2012
آخر تحديث 22-11-2012 | 00:01
 أفراح الهندال افتتح أمس معرض الكتاب الدولي الـ37 في أرض المعارض، قصة عمرٍ يلتحف سن اليأس قبل تجاوز الأربعين، يأس التغيير والإصلاح وفتح الأفق أمام من يترقبون الحج إليه كل عام رغم سعة الإنترنت وزر "تحميل" الكتب الذي لم يغن عن توق معانقة الورق.

العام الماضي لم يشهد مسيرات احتجاج على حملة الرقابة الفاعلة باستماتة كي تردم الكتب وتناولها للمحرقة القديمة، قبله حاولت رابطة الشباب الديمقراطي الكويتي ومجموعة "مبدعون كويتيون" ومركز "تنوير للثقافة" وكتاب كثيرون باعتصاماتهم أن يزيحوا المقص، لكن القرار حاسم، يشحذ سكينتيه كلما ارتبكت اعتباراته.

يقولون إن المنع مقصور على كتب محددة، لأسباب لا يمكن مهادنتها، تمس الذات الإلهية والأديان وأعراف المجتمع وأناقته الباذخة، وإن العقول يجب أن تكون مصونة وإن حراسها يقومون بالمهمة كما تتطلب النزاهة، أما الأطفال الصغار الذين كشفوا الأرقام السرية أينما دشنت وفتحوا أقفال العالم؛ فلم يعلموهم درساً!

بالكاد نتيح للذائقة أن تفهم "الجميل" بدل أن تتلقاه جاهزاً، أن تلمس الغائب خلف البعد الواحد، أن تلتقط فكرة وتقولبها قبل أن يجرحها المكعب المقفل، أن تستكمل مشهد الحياة قبل أن تنسى اللوحة المغبرة وتفقأ عينيها، ولكن المتاحف تتسع لتحنطنا سواء بمعروضاته.

نتساءل صدقاً عن شهادة الرقيب أو عدد قراءاته فعلاً، وهل يحتمل نفسه أن تئز أجهزة رقابة المطارات لتعلن فضيحة حمل كتاب ما لو كان عائداً من سفر؟ يجلدون الأفكار كما لو كانت "حمالة الحطب"، رغم أنها حمالة أوجه لمن أراد معانقة الحياة، وأدرك أن شساعة الكون جهاته لا لافتات المرور، ماذا لو أراحوا عيونهم كما يسملونها أمام مخرجات مصانع الآراء التكفيرية والمبغضة لكل ما يتحرك سواها؟ ماذا لو اعترفوا أن الفهم السقيم بلاؤنا لا سوء الفهم؟ ماذا لو أفصحوا بمعدل بيانات فهم النصوص الملقنة "حقا" والتي يطمئنهم توزيعها المجاني؟

للمواسم الثقافية عشاقها ومنتظروها، ومواعيد انتظاراتهم مؤثثة بمكتبات وأيادٍ لا تمل تلقف المزيد ونشرها، هم من ألهموا إعلان العالم بمواد للثقافة تكسر قوانين المنع والحجب، ومنها إعلان "مكسيكو" عام 1982 الذي نص على أن "الثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، وهي التي تجعل منه كائناً يتميز بالإنسانية المتمثلة بالقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي.

 وعن طريق الثقافة نهتدي إلى القيم ونمارس الاختيار، وهي وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه والتعرف إلى ذاته والبحث- دون ملل- عن مدلولات جديدة وحالات إبداع، وهم الذين يدونون ثقافتهم في الكلمة والفن والأدب وحتى خربشات الجدران التي اعترفت أخيرا بـ"الجرافيك" وأهدته إلى العالم.

لا نعرف متى ينطفئ السعير السياسي، ولكننا ندرك جيداً أنه معقود على نهضة فكرية وثورة ثقافية، حين تراجع السياسة التاريخ والثقافة لا حين تتقمص الدين وتطلق فتاواها بصوت أجش وصورة مكفهرة.

***

أهنئ مكتبة "دار العروبة" على استعادة رونقها، واستئناف نشاطها بمؤونة شجاعة قاومت المحرقة التي ألمت بها، وكذلك انطلاقة منتدى «قادمون» وليد المشهد الثقافي الجديد، وأدعم حملة مركز "تنوير" الثقافي الذي أطلق قبل أشهر حملة ضد الرقابة على الكتب ببيانات متتابعة مستمرة، عسى أن يتم التعاون بين الجميع بهمّ أصيل يؤكد مساعي إتاحة الفكر وإشاعة الفرح، ويترك للحياة جمالية اختلافها.

back to top