محاكاة العنف طريق الأبناء إلى المشاكل النفسية

نشر في 09-09-2012 | 00:01
آخر تحديث 09-09-2012 | 00:01
No Image Caption
العنف والانفلات الأخلاقي ظاهرتان تنتشران بكثرة في بعض المجتمعات العربية، وتطاول تأثيراتهما السلبية الأطفال بشدة.

ما أبرز أسباب هاتين الظاهرتين وإلى أي مدى يؤدي الإعلام والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي دوراً في تأجيج العنف عند الأطفال؟

تهدد ظاهرتا العنف والانفلات الأخلاقي الأطفال وتدفعانهم إلى سلوكيات سلبية وانحرافات، تؤدي إلى تكريس مفاهيم خاطئة حول الحرية والتعامل مع الآخر، وفقدان التواصل بين الآباء والأبناء.

يعزو الخبير التربوي

د. وليد نادي تنامي هاتين الظاهرتين إلى عوامل عدة من بينها: انشغال الوالدين بالعمل وترك تربية الأبناء إلى جهات أخرى، تدهور الوعي التربوي، غياب القدوة الصالحة للطفل بداية من الأب إلى المعلم، تردي مواقع على الإنترنت وتكريسها لأخلاقيات غير سوية، إفساد الذوق العام من خلال أعمال درامية وإعلانات تافهة يبثها بعض الفضائيات تحضّ على الجريمة والسرقة والكذب والاستهتار بالقيم وغيرها، فقدان التواصل بين الآباء والأبناء، وغرس مفاهيم خاطئة عن الحرية الشخصية.

يشدد د. نادي على دور الأسرة والمدرسة في تقويم تلك السلوكيات من خلال مدّ جسر حوار مع الطفل أو المراهق، توجيهه نحو نبذ البرامج والدراما غير الهادفة، تشجيعه على تنمية مواهبه الفردية، تحفيزه على التحصيل الدراسي والمعرفي، تخصيص جلسات أسرية للتحاور والاستماع إلى مشاكل الأبناء، التواصل النفسي والوجداني مع أفكارهم، ودفعهم إلى الرقي العلمي والأخلاقي.

يضيف: «الأخلاق عملية مكتسبة أكثر منها موروثة، فهي لا تنتقل من الآباء إلى الأبناء بواسطة الجينات. يولد الطفل في أساسه على فطرة خيرة تميل نحو مكارم الأخلاق أكثر منها فطرة شريرة، مع ذلك لا ننكر دور العوامل البيولوجية التي قد تورث استعداداً ليكون الفرد على خلق معين، تعززه التربية أو تنحيه، ما يعني أن الأخلاق لا تُورث، بل تُورث تركيبة عصبية فسيولوجية معينة قابلة للتشكيل والتأثر إيجاباً وسلباً».

ثقافة الحوار

يحذر د. نادي من تأثيرات سلبية لمحاكاة الطفل والمراهق للعنف والسلوك العدواني من بينها: سيطرة القلق على الأبناء وتحوّله إلى مرض نفسي مزمن، وخوف مرضي يرافقه إحباط واكتئاب شديد، وهو ما يفسر زيادة المترددين على العيادات والمراكز النفسية، غياب الهدف، تشويش فكري، ضعف الثقة في النفس، فقدان قيم الاحترام والتعاطف وتحمّل المسؤولية، عدم الالتزام بأدب الحوار وثقافته، ضعف الانتماء إلى الوطن.

انطلاقاً من هذا الواقع، يطالب نادي الأهل بالتعامل مع أبنائهم بأساليب تربوية صحيحة، من بينها لغة الحوار والصداقة القوية. كذلك يطالب الإعلام بتحري الدقة والموضوعية في تناول الأحداث والتوعية والتحذير من مظاهر الفوضى والانفلات الأخلاقي، «فيما على المواقع الإلكترونية الالتزام بالضوابط الأخلاقية، وعلى الآباء توجيه الأطفال نحو التعامل «الصحي» مع الإنترنت، ويقع على عاتق المدارس وضع التربية الأخلاقية في المناهج الأساسية لمراحل التعليم الأولى».

تجارب ناجحة

ناصر عبد الله (محاسب) والد لثلاثة أبناء من أعمار مختلفة، يقول عن تجربته معهم: «أخصص جلسة يومية للتحاور مع أبنائي الثلاثة، وكان ابني الأصغر (8 سنوات) أكثرهم محاكاة لبعض السلوكيات الغريبة. بما أنني أدرك أن التوجيه يؤتي ثماره الإيجابية، بدأت أشاركهم اهتماماتهم التي من بينها «فايسبوك»، وأصبحت صديقاً لهم أتبادل معهم الآراء. بذلك صرت مطمئناً عليهم وموجهاً لهم في التعامل الصحيح مع الإنترنت واختيار أعمال درامية هادفة، وانتقاد مظاهر العنف والانفلات الأخلاقي».

يرى عبد الله أن «أسلوب المنع والحظر نوع من العنف المضاد، يدفع الأبناء إلى التمرد السلبي، والميل إلى تفريغ الكبت بسلوكيات عدائية، واعتبار الآخر مقيداً لحريتهم، سواء كان أباً أو أماً أو معلماً، «لذا شاركت في مجلس الآباء في مدرسة أولادي، واتفق معي أولياء الأطفال على الأسلوب التربوي الأمثل في التعامل مع النشء، وحمايته من العنف والانفلات الأخلاقي، وضرورة إقامة حوار بين الأبناء والآباء».

نصائح مهمة

يقدم الخبير النفسي

د. عطية عتاقي نصائح للآباء والأمهات لتقويم سلوكيات أبنائهم، وحمايتهم من التأثيرات السلبية لظاهرة العنف التي تبدأ غالباً بمحاكاة مشاهد العنف في الحياة اليومية:

- عند ظهور علامات العنف والعدوانية على الطفل، على الأم الانتباه للظاهرة وإبلاغ الأب والتوصّل سوياً إلى صيغة تربوية صحيحة لحمايته من التداعيات النفسية السيئة.

- يمكن استشارة طبيب متخصص والالتزام بإرشاداته، فالاكتشاف المبكر يحمي الطفل من أمراض نفسية مزمنة، كالسادية، السيكوباتية، القلق والاكتئاب، وكلها تبدأ كظواهر عرضية يمكن علاجها من دون صعوبة.

- توجيه الأبناء نحو مشاهدة أعمال درامية تنمي الفضائل والأخلاقيات في أنفسهم، وإقناعهم بعدم مشاهدة أفلام رعب وعنف، فالاعتياد قد يدفع بهم إلى إدمان تلك الأفلام بما يكرس السلوك العدواني لديهم.

- مشاركة الأبناء في التعامل مع المواقع الإلكترونية، وتوجيههم نحو التعامل الأمثل مع الإنترنت.

- الدفء الأسري أفضل الوسائل لحماية الأبناء وتعليمهم أساليب صحيحة لإبداء رأيهم والتحاور مع الآخرين، لذا يجب تخصيص جلسة يومية للنقاش، وإتاحة فرصة للتعبير عما يدور في داخلهم من دون كبت، ما يجنبهم البحث عن قدوة خارج المنزل تكون أحياناً من أصدقاء السوء أو محاكاة نماذج سلبية.

- عند تحول السلوك العدواني للطفل أو المراهق إلى ظاهرة يومية، وإخفاق الأب والأم في التعامل معه، يجب الذهاب به إلى العيادة النفسية وإخضاعه للعلاج اللازم.

back to top