بين خروج أحمد الفهد وعودة ناصر الصباح

نشر في 07-07-2011
آخر تحديث 07-07-2011 | 00:15
No Image Caption
 نايف بندر اللافي إن خلافاتنا مهما كبرت تظل صغيرة من المنظور العالمي، بل والإقليمي، لذا فالتنازلات والتسويات التي كانت تبدو مستحيلة في السابق أصبحت من الضروريات الآن. ولابد من حماية الجبهة الداخلية وضمان أمن الكويت، فهي المركب الذي يقلّنا جميعاً، وإن غرق غرقنا معه. وأعتقد أننا سنرى وجوهاً من الدائرة الأوسع من أبناء الأسرة في العمل العام، وستكون هناك تسويات وترتيبات، ربما قاسية على البعض إلا أنها مستحقة من أجل الكويت والمصلحة العامة.

لا يملك المتابع للشأن المحلي إلا أن يلاحظ سلسلة التغييرات المتتابعة والهادئة في تركيبة أبناء الأسرة المتصدين للعمل العام. فخلال شهور بسيطة خرج وزير النفط الشيخ أحمد العبدالله مع وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد، ودخل الشيخ أحمد الحمود وزيراً للداخلية، يليه خروج الشيخ أحمد الفهد مستقيلاً منذ فترة وجيزة.

يمكن بالتأكيد أن يُعزى ذلك إلى التغيير في تركيبة الحكومة الكلية، التي طالها التغيير أكثر مما طال تركيبة أبناء الأسرة، كما يمكن أن يعزى جزء من التغيير إلى سلسلة الاستجوابات والتهديد بعدم التعاون من قبل أعضاء مجلس الأمة. إلا أنه لا شك لو أن الحكومة عقدت العزم على مواجهة الاستجوابات لأمكنها المحافظة على تركيبتها، بيد أنها اختارت التغيير.

يمكن أن يُفهم ذلك من خلال إشارات أخرى، فعودة الشيخ ناصر صباح الأحمد التي لاقت احتفاءً إعلامياً كبيراً، وافتتاحه ديوانه في البدع، وخروج الشيخ عذبي الفهد من رئاسة أمن الدولة بعد رفضه التدوير، وعرض المنصب على الشيخ سلمان الحمود رغم اعتذاره، تشير إلى رغبة في توسيع دائرة المشاركة في العمل العام داخل أبناء الأسرة وعدم اقتصارها على الدائرة الضيقة السابقة.

لا شك لدي أن عودة الشيخ ناصر صباح الأحمد ستحمل إضافة إيجابية للعمل العام في الكويت، كما أنني لا أشك لحظة في قدرة الشيخ أحمد الفهد على إعادة تطوير نفسه، بعد فترة من التقاط الأنفاس، ليعود إلى العمل العام في وقت تحتاج البلاد إلى كل أبنائها من أصحاب القدرات والمواهب، فما بالنا بشخص بمثل كاريزما وقدرات الفهد.

إلا أن لديّ انطباعاً بوجود توجه جاد إلى إنهاء الخلافات بين أبناء الأسرة وإعادة ترتيب لأوضاع البيت الكويتي الكبير. فرغم أن الخلافات داخل أي أسرة ظاهرة صحية، ورغم أحقية كل فرد من أبناء الأسرة في أن يكون له طموح وأن يسعى إلى تحقيق طموحه، فإن وسائل تحقيق هذا الطموح قد اتخذت في الآونة الأخيرة منحى سلبياً خطيراً وصل إلى حد يهدد بهدم أركان البيت على جميع ساكنيه.

بل إنني أذهب إلى أبعد من ذلك وأقول إن كل فرد من أبناء الأسرة يرى في نفسه القدرة والطموح للعمل العام عليه واجب وطني، أن يتقدم الصفوف ويشارك ويبرز نفسه ولا يتأخر أو يتعذر بهبوط مستوى العمل السياسي أو تعنت بعض أعضاء مجلس الأمة وتغليبهم المصالح الخاصة.

والسبب هو أنه إذا تخلى كل صاحب قدرة ومهارة من أبناء الأسرة عن العمل العام لانتقاده لهذا العمل وللبيئة السياسية المحيطة به، فإن هذا سيؤدي إلى المزيد من التدهور في العمل العام، وستحرم الكويت في المستقبل من أبناء الأسرة المؤهلين للحكم. إلا أن التنافس والصراع السياسيين يجب ألا يكونا عملاً مكيافيلياً خالصاً قاعدته أن "الغاية تبرر الوسيلة"، إذ إن هذه القاعدة التي لا تضع حدوداً لما يمكن استخدامه من وسائل، تتسبب في أن يصل التنافس إلى حد يضر بجميع الأطراف ويهدم البيت على مَن فيه. بل إن مكيافيلي نفسه هذا المفكر العظيم لم يقل هذه القاعدة وإنما نسبت إليه ظلماً وعن فهم قاصر.

لا شك أن ثورات الربيع العربي تشكل عاملاً مساعداً في حل خلافات أبناء الأسرة، فقد كانت الجرس الذي أيقظنا جميعا كي نرى كيف أننا نعيش بأمن وأمان يحسدنا عليه الكثيرون. كما بيّن لنا أنه رغم متانة وضعنا الداخلي فإننا غير بعيدين عن التأثر بهذه الثورات. فالشعارات الرنانة والمشاعر الجياشة تغري الشباب من صغار السن، الذين يبحثون عن عالم مثالي خال من الأخطاء والعيوب، ولديهم طاقات ضخمة مستعدون لتوظيفها في كل ما يملأ عليهم خيالهم ويؤثر في عواطفهم. ولا يعتقد أحد أن الوضع الاقتصادي النسبي يجعلنا في مأمن، فقادة المظاهرات والثورات على مر التاريخ هم دائماً من الطبقة الوسطى التي لديها الوقت والقدرة على التفكير والتأثر والعمل، أما الطبقة الفقيرة اللاهثة خلف لقمة العيش فهي دائماً تابعة ولم تكن قائدة يوماً لثورة. يصدق هذا على "ميدان التحرير" الذي قاده شباب يملكون الكمبيوتر والموبايل ويعرفون "التويتر" و"الفيس بوك"، كما يصدق ذلك على النازية في ألمانيا والثورة البلشفية في روسيا والثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر. وما غوغاء فرنسا وبروليتاريا الروس إلا أوهام تم تسويقها على العامة.

إن خلافاتنا مهما كبرت تظل صغيرة من المنظور العالمي، بل والإقليمي، لذا فالتنازلات والتسويات التي كانت تبدو مستحيلة في السابق أصبحت من الضروريات الآن. ولابد من حماية الجبهة الداخلية وضمان أمن الكويت، فهي المركب الذي يقلنا جميعاً وإن غرق غرقنا معه.

ربما أكون مخطئاً، ولكني أعتقد أننا سنرى وجوها من الدائرة الأوسع من أبناء الأسرة في العمل العام، وستكون هناك تسويات وترتيبات، ربما قاسية على البعض إلا أنها مستحقة من أجل الكويت والمصلحة العامة.

إن ثقتنا كبيرة بصاحب السمو أمير البلاد وبقدرته على العبور بسفينتنا، الصغيرة بحجمها، الكبيرة بطموح أبنائها في هذا البحر المتلاطم العالي الأمواج والكثير الأخطار، وعلينا جميعاً أن نضع مصلحة البلد أمام أعيننا، رحمة بالكويت ورحمة بالأسرة ورحمة بأنفسنا.

back to top