دنيا ميخائيل:أكتب عن الحرب من وجهة نظر أنثويّة

نشر في 20-06-2011 | 00:01
آخر تحديث 20-06-2011 | 00:01
أصدرت الشاعرة العراقية المقيمة في الولايات المتحدة دنيا ميخائيل طبعة جديدة من مجموعتها «الحرب تعمل بجد»، وهي تمتاز بلغتها الخاصة وحضورها في الأوساط الشعرية الأميركية،  وكان معها الحوار التالي.

صدرت مجموعة «الحرب تعمل بجد» في طبعة جديدة عن دار «الغاوون» مع مختارات من دواوينك السابقة... لمَ اختيار هذا الديوان دون سواه لنشره كاملاً؟ هل لأنه أعجب النقاد الغربيين ونال جائزة القلم الأميركية؟

قصائدي ليست متساوية لدي من ناحية القيمة الإبداعية ولو أن القراء يفاجئونني أحياناً باهتمامهم بقصائد لي أكون قد أهملتها أو حتى نسيتها. القصائد التي اخترتها في هذه المجموعة هي التي ظلّت على قيد الحياة بالنسبة إلي وهي تمثّل صوتي الشعري الحقيقي.

اختير «الحرب تعمل بجد» من مكتبة نيويورك كواحد من بين أحسن 15 كتابًا صدرت عام 2005، ووفقًا للناقد الأميركي ليبرمان، فإن شعرك «سيكون من كلاسيكيات الشعر الأميركي في المستقبل»... أمام النجاح، هل تشعرين بالغرور أم بالإرباك أم تفكّرين في القصيدة التي تتجاوز هذا الكتاب؟

أشعر بمزيج من الارتياح والقلق. الارتياح عند تقييم الآخر لما هو جوهري وحقيقي لدي، إنما أشعر بحاجة حقيقية الى التفرّغ من الأعباء اليومية للاشتغال على الشعر مثلما أشتهي، وراهناً انتهيت من مجموعة شعرية جديدة استمتعتُ بكتابتها وهذه المتعة والإثارة لا بد من أن تنتقلا الى القارئ فمثلما نشعر تجاه كتابتنا هكذا يشعر القارئ.

الحرب وأشكالها وصورها المتعدّدة تأخذ حيزاً كبيراً من شعرك، بل وأجد أن ذلك كان على حساب مواضيع أخرى كالحب والأنوثة بما أنك شاعرة أنثى، فما رأيك؟

أعتقد أن ما يميّز كتابتي عن الحرب هو أنها من وجهة نظر امرأة. في نظري، ليست الأنوثة أن أتحدّث عن الحب والأنوثة الى آخره من المواضيع التي لا أعرف لماذا يُعتقد بأنها أنثوية. الأنوثة في كتابتي هي الطريقة التي أتناول بها المواضيع (أية مواضيع بلا تحديد، الحرب أحدها) والتي تختلف عن الطريقة التي يتحدّث بها الرجل ولو أني لا أتقصد ذلك. بكلمة أخرى، الأنوثة لدي ليست محددة بمواضيع معينة إنما هي طريقة كتابة تلك المواضيع، أية مواضيع.

هل كان للحرب تأثيرها المباشر فيك وفي عائلتك؟

نعم، كان للحرب تأثيرها المباشر، فبسببها مُنعتُ من السفر للدراسة على نفقتي الخاصة ناهيك بالتأثيرات النفسية الهائلة وخروجنا من البلد كعائلة تفرّقت الى طرق مختلفة (لكن اجتمعنا أخيراً وربحنا أنفسنا، فما جدوى أن تربح العالم وتخسر نفسك؟). اقتصرت خسارتنا المادية على بيتنا وأشغالنا، منها الفنادق التي كان يملكها أبي الذي كان موته أقسى التأثيرات بسبب إهمال المستشفى لمرضه البسيط جداً بسبب الروتين الحكومي القاتل في التعامل مع المواطنين المستقلين، وبالتالي التأخّر في السماح بإدخاله الى المستشفى المناسب بسبب عدم حمله لرتبة حزبية ولا عسكرية، وتلك جعلتها الحرب مفضّلة في كل شيء وقسّمت الناس الى مواطنين من الدرجة الأولى أو الثانية الى آخره بحسب الانتماءات.

 قلت في أحد التحقيقات الصحفية إنك عندما كنت في الداخل العراقي قبل سقوط صدام, كنت تضطرين الى استخدام الرموز والإشارات أحياناً أكثر مما ينبغي. اليوم إذ تقرئين شعر تلك المرحلة، هل تفكّرين بإعادة كتابتها، أو تكتبين ما لم تكتبيه في قصائد أخرى؟

نص «يوميات موجة خارج البحر» مثلاً مليء بالرموز والإشارات ولم أعد كتابته إنما كتبتُ نصاً مكملاً أو موازياً له وألحقتهُ به كجزء ثان مع وضع التاريخ في كلا النصّين، فبينهما عقد من الزمن. رميتُ بعضاً من شعري القديم وأبقيت بعضه الآخر بحسب القيمة الفنية. يثيرني الجديد عادة والذي سيأتي بعده. ولا أفهم لماذا لا يصدّقون بأنه بالشعر وحده يحيا الإنسان.

ثمة ما يمكن تسميته بـ{قصيدة المضمون» في شعرك. فدائما ثمة فكرة للقصيدة، وهذا الأمر غير شائع في القصيدة العراقية التي تعتمد على الغنائية أكثر من أي أمر آخر؟

ربما هذا أحد الأسباب التي جعلت شعري مقبولاً أيضاً باللغات الأخرى، لأن الفكرة تحافظ على نفسها الى حدّ ما عند الترجمة، بينما تعاني القصائد الغنائية عند محاولة ترجمتها. طبعاً، هذا لا يجعل من قصائد الفكرة أكثر أهمية، بل أكثر حظاً فحسب. عموماً، أحب قصائد الفكرة إلا عندما تكون القصيدة الغنائية بحد ذاتها فكرة جيدة. أنت تعرف ما أقصد.

 

استطعت في الولايات المتحدة تحقيق حضور لافت وقد نشرت لك دار أميركية شهيرة، لكن في المقابل حضورك عربيًا ما يزال خجولاً... ما السبب برأيك؟

لا أعرف تماماً. ربما لستُ مجتهدة في مجال النشر. إنما في أميركا (وربما في العالم الغربي عموماً) الناشر الجيد مجتهد في العثور على الكاتب الجيد على رغم وجود تنافس شديد بسبب كثرة الكتّاب وكثرة برامج الكتابة الإبداعية. التحدي الذي يواجه الكاتب هنا هو عامل الوقت أو عدم توافره بسبب ساعات العمل الطويلة لمن يريد أن يعيش بشكل لائق.

ما تأثير المكان على قصيدتك سواء أكنت في ميشيغان أو العراق أو أستراليا؟

كان المكان يؤثر على قصيدتي بشكل أكبر سابقاً، أما الآن ربما بسبب هيمنة عالم الإنترنت فما عاد للمكان ذاك التأثير الطاغي. الكومبيوتر يجعلنا وكأننا نملك العالم، كأننا لا نملك شيئاً، كأننا في كل مكان، كأننا في لامكان محدد، كأننا في المنفى ولكنه المنفى الأليف الذي ما عاد موحشاً بالمرة، كأننا في وطن لا نعرفه ولم نره من قبل...

 

هل تتابعين المشهد الشعري العربي عموماً، والنسائي(أو النسوي) خصوصاً، وما رأيك بهما؟

أعترف ببعض التقصير في متابعة المشهد الشعري العربي، لكني أشعر بأن كثرة ما يُنشر في مواقع الإنترنت جعلتني لا أعرف كيفية التحكّم في القراءة، فمن ناحية تخلّصنا الى حد ما من الرقابة إنما وقعنا في فخ هائل من المنشورات غير الورقية، حتى أني أظنّ بأن القارئ يجب أن يتقاضى أجراً مقابل فرز المواد الصالحة فعلاً للنشر وصرف الوقت ما قبل القراءة الحقيقية، فتلك كانت مهمّة المحرّر سابقاً.

ألا تشعرين بأن بعض الشاعرات (العربيات) يلجأن الى توظيف الجسد و{الجرأة» المفتلعة كما لو أنهن راقصات فيديو كليب أو مغنيات جسديات؟

لا أدري. كل ما أعرفه أن الأمور المقحمة على النص لا بد من أن تُفسد أهميتَه وأصالته. الإعلانات التجارية مثلاً، قد لا تخلو من إبداع ولكنها تظل هامشاً على المادة بسبب معرفة المشاهد بأن ثمة غرضاً معيناً وراءها. تُرى لماذا أتحدّث الآن بهذا الشكل البديهي؟

كونك تعيشين في المهجر، وتقرئين الشعر الأميركي وتحملين شهادة في الأدب الإنكليزي، هل تشعرين بأن روح الثقافة الغربية الأميركية الشعرية تحديداً تخطفك أو تجعل شعرك كأنه مترجم؟

منذ البداية وجدتني معجبة بالشعر المترجم ربما بسبب افتقاره عادة الى البلاغة التقليدية والتي برأيي تزعج روح الشعر الحقيقية. كنت أخجل أن أقول رأيي هذا لزملائي في فترة الثمانينيات، إنما في الواقع كنت أشعر بملل مما أسمعه وخصوصاً في المهرجانات وملل حتى من الكتب المتداولة آنذاك الى حدّ كراهية الشعر بشكل غريب على رغم افتتاني بما أختار. رواية «الأمير الصغير» مثلاً ليست شعراً ولكن فيها شعر أكثر من قصائد عمودية أو أفقية كثيرة.

كيف تقرئين شعرك باللغة الإنكليزية؟

هذه إحدى المشاكل، ففي الحقيقة لا أستمتع بقراءة شعري إلا بالعربية. لكن الإنكليزية صقلتْ لغتي العربية وجعلتني أتحسّسها بشكل أفضل.

back to top