حتى يحلو الإيمان

من باب العداء مع الدنيا هذا، ندخل على كل جوانب حياتنا الأخرى. ننظر بعين الواجل العصابي لكل ما من شأنه أن يضع إرادتنا موضع اختبار، فالامتحان في حد ذاته آثم قبل حتى أن تظهر نتيجته. لذا في الشهر الفضيل الذي هو، قبل أن يهذب رغبات الجسد، يفترض أن يهذب الروح، يتغلغل إلى أعماقها عندما تتباعد والمأكل والمشرب والمتعة الجسدية، عندما تعاني الحرمان، فتسمو إلى أعلى درجات الرحمة والمحبة والتفاني، في هذا الشهر الخلاب الذي يدرب الروح، حيث يبدي لنا خالقها رحمته بضعفها ورغباتها، فلا يمده سوى تلك الثلاثين يوماً، في هذا الشهر الرائق الرحيم، يسجن الناس أو يجلدون أو يعاقبون إذا هم وُجدوا يخرجون عن الصيام الجسدي، حيث لا يعي المعاقِب، ولا أدري أساساً من كفل له هذا الدور، أنه بذلك يخرج الروح عن صيامها ويباعد بينها وبين محبة الدين كنظام اختياري روحاني، فيتحول في نظر المعاقَبين إلى نظام قمعي تنفيذي يستوجب الطاعة العمياء عوضاً عن كونه أسلوب حياة يتطلب التمعن والتفكير والأهم، يستدعي من الإنسان الاختيار... الاختيار. ولكن، لا أحد يختار اليوم، فالاختيار يستدعي التجربة، وللتجربة نتائج مختلفة تتطلب تفكيرا وتمحيصا وتقريرا، و»سياسلاميونا» لا يريدون لأحد أن يجرب فيتدارس فيختار، «هم المخ ونحن العضلات»، هم يفكرون ونحن... نرفع الأثقال. لذا، ليس لأحد منا أن يختار الدراسة المشتركة مثلاً، فهي تجربة، بلا شك، تضع الإنسان أمام تحديات مختلفة، وهي تحديات تتطلب منه أن يعمل العقل ويقرر ويختار، وإعمال العقل خطر والاختيار نقمة، فإن عقلنا واخترنا، أصبنا أحياناً وأخطأنا أحايين، أعدنا تقييم خياراتنا وعليه أعدنا صياغة قراراتنا، إذا تحررت إرادتنا بهذه الصورة من «الكليرجي» المسلم، ماذا يبقى «لسياسلاميونا»؟الإرادة والاختيار هما أخطر سلاحين ضد «الكليرجي» الإسلامي الحديث، التنوع هو عدوهم الأول، التعددية هي الموت في عيونهم، ولا دال على هذا العداء، مع الأسف الشديد، أكثر مما يحدث في هذا الشهر الفضيل، الذي يستوجب وضوحاً في الاختيار، بل الذي يتطلب النية المبيتة للصيام، لا الامتناع خوفاً من قانون أو عقوبة. يعود علينا شهر الروحانيات والفضائل مكبلاً بذات التعنت ومتصاحباً بذات القمعيات ليتحول من أيام لتطهير روح الأغنياء تحديداً لأيام سجن الفقراء والعمال الذين تقسرهم وظائفهم المرهقة على كسر صيام ليس لأحد فرضه عليهم من الأساس.الاختيار، إنه المبدأ الذي تقوم عليه فلسفة الثواب والعقاب، كيف نثاب على اختيارات هي ليست اختياراتنا وقرارات هي ليست ملك يميننا؟ أم أن «سياسلاميونا» سيدخلون الجنة نيابة عنّا كذلك؟مبارك عليكم الشهر الفضيل وكل سنة وأنتم أحرار، مسلمون مؤمنون بإرادتكم، طيعون ملتزمون باختياركم، فقط عندها يحلو الإيمان وتستحق المثوبة.