خذ وخل: ذكريات ثورة اللوتس!


نشر في 14-02-2011
آخر تحديث 14-02-2011 | 00:01
 سليمان الفهد • نصيحة مجانية للمواطنين الذين يفكرون في «قتل» وقت إجازة الأعياد الوطنية خارج الحدود أقول لكل واحد منهم: «خليك في البيت» وسط العيال وأمهم، «أخير» لك من التواجد في فضاء سياحي عربي وارم بالاحتقان، وفي سبيله إلى الانفجار في أي لحظة! ماذا وإلا تكابد ما كابده العبد لله وبعلته من توتر وقلق حيثما حللنا.

ولا بأس علينا إذا كنا في النصيحة ينسحب علينا القول «يداوي الناس وهو عليل»! الأمر الذي يجعل النصيحة ذات معنى، إذا اتكأنا على مقولة «اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا!» وهكذا أتيح لأم البنين مكابدة «سياحة الاحتجاج» التي عايشتها في «بيروت» أواخر العام الفائت، وفي قاهرة المعز التي تزامن وصولنا إليها عصر نهار 25 يناير المجيد، فحالما امتطينا السيارة من مطار القاهرة كان الزحام الشديد بشارع العروبة بمصر الجديدة، يشي بقوة وزخم بالمظاهرة الكبرى المتفجرة في ميدان التحرير، وغيره من فضاءات الاحتجاج في الحواضر المصرية.

ومع ذلك كله، كنت أحسب أن هذه المظاهرات الشعبية ستهدأ و»تهمد» عند حلول الليل، إثر إعلان مطالبها المشروعة، كما هو دأبها كل مرة! بخاصة أنها تجابه بالقمع الشديد من قوات الأمن كما هو شأنها دوما هي الأخرى! لكن ظني كان خائبا وآثما ولله الحمد! لأن المظاهرات- كما هو معروف- تواترت وتجذرت وتنامت إلى حين تلبية الهتاف الشعبي العارم «ارحل»!

في عشية الخميس 26 يناير، كنت في «دار ميريت» للنشر والتحريض! وكانت مكتظة بالأدباء والإعلاميين والفنانين وشباب «التحرير» من الجنسين، وغيرهم من المثقفين المسكونين بهموم البلاد والعباد. كان هناك- على سبيل المثال لا الحصر- الناقد د. محمد بدوي، الذي دبج مسودة البيان الموجه إلى النشر باسم أدباء وفناني مصر، تأييدا لثورة 25 يناير ومطالبها المشروعة، وكان هناك: عادل السيوي، بهاء طاهر، مجدي أحمد علي، حمدي أبوجليل، سعاد عبدالرسول، منى برنس، إيهاب عبدالحميد، أحمد العايدي، محمود الورداني، محمد عبلة، عبدالفتاح الصبحي، محمد جاد، وجلهم من الأعضاء المؤسسين والفاعلين لجماعة «أدباء وفنانون من أجل التغيير».

وقد حدسوا بوجدانهم المترع بحب البلاد أن ساعة التغيير آتية بالضرورة متأسين بهتاف الشاعر الفذ «أمل دنقل»: «دقت الساعة القاسية، كان مذياع مقهى يذيع أحاديثه البالية: عن دعاة الشغب، وهم يستديرون، يشتعلون... على الكعكة الحجرية... حول النصب شمعدان غضب. يتوهج في الليل، والصوت يكتسح العتمة الباقية. يتغنى لليلة ميلاد مصر الجديدة». (من الإصحاح الرابع لقصيدة: الكعكة الحجرية».

ولم يكن البيان الذي دبجه الدكتور «بدوي» الفعل الوحيد الذي حدث ليلتها، لكنه نال وقتا كافيا من الحوار، للاتفاق على صيغته النهائية, وسوف نذكر ما جرى ليلتها لاحقا، المهم أن البيان وجد طريقه إلى النشر في فضاء النت، بعد أن علم بمضمونه جل «بني نت» في مصر المحروسة، وهم- اللهم زد وبارك- يقدرون بالملايين، وأفادني الصديق حمدي أبو جليل بأن الفنانين التشكيليين «عادل السيوي ومحمد عبلة وسعاد عبدالرسول» في سبيلهم إلى رسم جداريات ولوحات بالأسود والأبيض «اسكتشات» تتناغم مع إيقاع الأجندة الشعبية للتغيير. وثمة إجماع من جميع الأصدقاء الذين رابطوا في ميدان التحرير يكمن في شعورهم بولادة روح جديدة قديمة تبدت في قيم الود والاحترام والتراحم والتكافل وغيرها من القيم الإيجابية التي سكنت الوجدان الجمعي لسكان ميدان التحرير، فضلا عن بر مصر كله، وهو أمر بدهي وطبيعي يتجلى في الأزمات والمحن، وهذه الروح الأبية البهية التي تجلت على بر مصر حري بها الحضور في «روزنامة» مرحلة الانتقال، حفاظا على مكاسب ثورة التغيير التي بادر بها شباب مصر الورد، وانضم إليها أغلبية الشعب. وهكذا تخلفت «ثورة اللوتس» وهي زهرة مصرية قح! بمعنى أنها ترمز للمصريين كافة بمنأى عن الأدلجة! وزهرة اللوتس أصيلة وقديمة جدا، كما نراها ترصع الرسوم الفرعونية. وختاما اخترت لكم من قصيدة «كل ما تهل البشاير» لأحمد فؤاد نجم:

«حد منهم شاف علامة من علامات القيامة، قبل ما تهل البشاير يوم 18 يناير، لما قامت مصر قومة، بعدما كانت في نومة، تلعن الجوع والمذلة والحكومة».

وتهانينا لانتصار إرادة الشعب المصري، في مدى أسبوعين، متكلين على الله، ومن ثم إرادتهم الصلبة، والأمل يكمن في حضور هذه الإرادة في أيام بناء الجمهورية الجديدة».

back to top