درب الزلق

نشر في 12-07-2010
آخر تحديث 12-07-2010 | 00:00
 د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب حلفتك يا سمو رئيس الوزراء، لا تفعل، أوقف حملة القضايا المرفوعة على المواطنين، اعتقدتهم مصيبين أم خطائين، توقف يا سمو الرئيس، أرجوك، نحن ننزلق فلا تفرش أرضنا بالصابون، بحق العلاقة الخاصة الرائعة بين أهل الكويت وبيت الصباح، بحق إيماننا العميق بحكمة قيادة هذه الأسرة، بحق وقفتنا الصلبة خلف ظهورهم كحكامنا الذين لا نقبل لهم بديلا... لا تفعل يا سمو الرئيس، أرجوك، هذا الطريق لا يكسر الأقلام بل يكسر الرقاب والظهور والخواطر، هذا طريق يذل الشعب بخوفه، ثم يفلته بغضبه، أرجوك... لا تفعل يا سمو الرئيس.

نحن نجل قضاءنا، نحن نؤمن به إيماننا بشروق الشمس، ليس هو طرف في ظلمة الموقف أبداً، فقضاؤنا قبس من نور وسيبقى كذلك، فلا تضعه بينك وبين شعبك باستخدام قوانين جائرة تلح علينا بالتغيير كمخلفات لفكر عفا عليه الزمن، ولا تفتح علينا أبواب حديد صدئة لا يمكن إغلاقها. أتوسل إليك يا سمو الرئيس، لا تحولنا من شعب محب مسالم إلى شعب غاضب فائر متهور محترق، يبيعها ويبيع نفسه معها... نحن شعب حر فلا تضع حرياتنا محل نقاش أو تداول، نحن شعب قوي، فلا تقلبنا على أنفسنا فنضيع وتضيع الأرض، لا تحول محبتنا وولاءنا إلى «عناقيد غضب» موقوتة تنتظر الانفجار.

سمو الرئيس، تستطيع أن تحاسب الفعل لكن لا يمكن أن تحاسب الفكرة، حتى لو كانت فكرة شريرة أو اتهامية، لا يمكن أن تحبسها، لأن الفكرة سرطان حميد، ينتقل من رأس لرأس، ومن جسد لجسد، وسرعان ما «تتداعى له سائر الأجساد»، وسرعان ما يدخل المجتمع بأكمله في غيبوبة الفكرة، لا يخرجه من الغيبوبة الغاضبة إلا التحليل المنطقي والرد العقلاني، أما القانون والمحكمة والسجن... فلا يعيدان أحدا من غيبوبته، يا سمو الرئيس لا تحيي كل تلك المؤسسات التنفيذية الثقة إن هي أصبحت «رميما».

وماذا لو انتقدك من انتقد أو اتهمك من اتهم يا سمو الرئيس؟ فإنه يقف في صفك أغلبية نيابية، وفي يدك طاقم وزاري وحكومي كامل، فماذا لو انتقدك أو حتى اتهمك شخص أو اثنان أو عشرة أو عشرون؟ وماذا سيكون لهم من أثر وسط البحر الهائل من التأييد الإعلامي والنيابي والحكومي لك يا سيدي؟ فوران الغضب له أسبابه يا سمو الرئيس، فالكثير من العمل يدار بسرية، حتى جلسة مجلس الأمة لمناقشة مصروفات ديوانك أغلقت أبوابها على سريتها، فماذا تتوقع من الناس يا سيدي؟ هذه السرية وهذا التكتم يشكلان ضغطاً ساماً في القلوب سرعان ما ينتشر ترياقه على الألسن خفية في الدواوين، ثم علناً كما حدث، وسيستمر في الحدوث طالما استمر النهج السري... أفصح يا سمو الشيخ حتى يطمئن الناس ويرتاحوا وتخبو جذوة غضبتهم على بلدهم وخوفهم على مستقبلهم.

التاريخ يا سمو الرئيس، هذه القصة الطويلة الإنسانية، قصة لا ترحم، لن تذكر ما قاله الفضالة أو ما كتبه الجاسم، ولكنها ستذكر أن عصرك امتلأ بالسجناء السياسيين، وأن زمنك تلحف بالقضايا ضد معارضيك... لا يهم إن كانوا على صواب أو على خطأ، فهم معارضة، وأنت ترفع قضايا ضد معارضيك، هكذا سيحكي التاريخ.

أنت يا سيدي لست مواطناً عادياً، وعليه فقضاياك ضد المواطنين العاديين... ليست عادية، فالكفة غير متوازنة، وأعني بغير متوازنة أن الشعور ليس واحداً، لن يجاملك القضاء، نؤمن بذلك تماماً، ولكن ستجاملك المخاوف، وستتوارى عنك الكلمة، وسيتغامز أهل الكويت في خفية من عيون القضاء وفي مخبأ من أيادي محاميك، وستجاملك الظروف وسيطغى منصبك بسلطاته وقدراته على عدالة الحكم، فلا يعود المواطنون يشعرون بالعدالة، على توافرها، ولكن يشعرون بالسطوة والفزع، على تخفيهما.

سمو الرئيس، اللجوء إلى القضاء من حقك، كما هو ترشيح آل الصباح لأنفسهم في الانتخابات من حقهم، هم يتنازلون عن هذا الحق لحفظ حق أكبر، علماً منهم أن الكفة لن تكون عادلة، فالحسبة ستختلف عندما تحمل أطراف المعادلة اسماً حاكماً ونفوذاً ومالاً وعلاقات واسعة لا تتسع للمواطن العادي. منع بيت الصباح أنفسهم عن هذا الحق، من أجل حق أكبر وخير أعم وأشمل، ليس هناك قانون يحد رئيس الوزراء في التقاضي، ولكن هناك علاقة ممتدة بين الأسرة الحاكمة والشعب، هناك حصافة وترفع، وهناك أمن وسمعة تترجاك جميعها أن توقف هذا النهج الغريب علينا. خالد الفضالة محكوم يا سيدي، وسيؤدي فترة حكمه كما قررت له المحكمة، وهو ممتثل ونحن معه تبجيلاً واحتراماً. موضوع خالد صفحة طواها حكم المحكمة يا سمو الرئيس، فلا تفتح صفحات أخرى، ولا تصب الزيت على النار يا سيدي، فإننا لا نقوى ولا تقوى الكويت... لا نقوى يا سمو الرئيس.

لا تقطع الهواء سيدي، ولا تضيق المكان والزمان، لن نكون في يوم قوالب متشابهة، سيكون بيننا منتقدون معتدلون وقساة، وسيكون بيننا من يعجب بسياستك ومن يعارضها، أنت الرئيس ونحن الشعب، نتوقع أن تتحملنا جميعاً... وتتحملنا كثيراً، فتلك هي المعادلة القاسية التي يتطلبها منصبك الخطير، أدري حرقة الكلمة، لكنك رئيس يا سمو الرئيس، لذا حتى نقدك يأتي فوق المعتاد، إنها «صرة» واحدة، فيها منصبك الرفيع وفيها متاعبه الجسيمة ونقده المؤلم اللاذع، بل اتهاماته الحارقة العسيرة.

نعم، بيننا أخيار وأشرار وظلمة وبررة، ولكننا كلنا، فرداً فرداً، لا نريد إلا أن نستقر على أرضنا الصغيرة مع حكام لم يعرفوا لغة البطش أو القمع يوماً... أن نعيش في أمان وحرية... أمان وحرية يا سمو الرئيس.

أرجوك يا سمو الرئيس أعد النظر في القضايا الجديدة التي تصلنا أخبارها، أرجوك يا سمو الرئيس... أرجوك.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top