الخلط بين الرأي والانتماء

نشر في 29-07-2009
آخر تحديث 29-07-2009 | 00:00
 بلال خبيز إسرائيل تفتش عن ذريعة لشن حرب على لبنان. على مثل مؤدى هذه العبارة قامت قيامة المجاهدين في لبنان معتبرين أن إسرائيل لن تجرؤ ولا تجرؤ ولا تستطيع أن تواجه أو تحارب بعدما لقنتها مقاومة «حزب الله» دروساً قاسية، وبعدما بات بيتها أوهى من بيت العنكبوت. وعلى مؤدى مثل هذه العبارة شنت حملة تخوين أقلام ورجال سياسة واتهموا بالعمل لمصلحة المشروع الأميركي والتواطؤ مع المشروع الإسرائيلي. لكن هذه العبارة اليوم تصدر عن أمين عام «حزب الله». وبطبيعة الحال لن تجد بين محترفي التخوين وإطلاق التهم الجاهزة والمعلبة مَن قد يتهمه بإضعاف الشعور القومي مثلاً، أو بالتواطؤ مع إسرائيل وخدمة المشروع الأميركي؛ ربما لأن أمين عام «حزب الله» يضيف إلى عبارته هذه، عبارة أخرى: لكن المقاومة جاهزة ومستعدة. والأرجح أن سؤالاً من قبيل جاهزة لماذا؟ ومستعدة لِمَ؟ سيكون سبباً لتخوين جديد. أهي بنفس الجاهزية التي كانت عليها في عام 2006 حين نجحت إسرائيل في احتلال سماء لبنان وبحره منذ اليوم الأول؟ واستمرت على احتلالهما إلى ما بعد وقف الأعمال العدائية بفعل الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته على لبنان، مما أدى يومذاك إلى نقص حاد في السلع والمحروقات والأدوية. أم هي بالجاهزية عينها التي جعلت اللبنانيين يؤخرون دفن أحبائهم وأبنائهم إلى أن تسمح لهم اسرائيل بذلك؟ مما جعل إسرائيل متحكمة ومهيمنة على حزن اللبنانيين وحدادهم.

ولنضرب صفحاً عن الجاهزية والمعادلات التي يضعها «حزب الله» في حروبه. فالحزب يمتلك صواريخ، وهو قادر فعلاً على استهداف معظم المدن الإسرائيلية من شمال فلسطين المحتلة إلى جنوبها. فضلاً عن أن قواته ومقاتليه يستطيعون تنظيم اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال في أكثر من بلدة وقرية وموقع. إنما مع ذلك ينبغي علينا التفكر قليلاً: كم مرة على اللبناني أن يبني بيته الذي يؤوي عياله؟ كم مرة عليه أن ينشئ مكتبة ويقتني أثاثاً؟ كم مرة على اللبناني أن يتهجر من بيته؟ وكم مرة عليه أن يهاجر خارج البلاد؟

ليست مقاومة «حزب الله» ولا أي مقاومة أخرى هي من يهجر اللبنانيين ويمنعهم من الاستقرار. إنه العدو الإسرائيلي. وليس من حق أي كان أن يدعو اللبنانيين في حالة حصول هجوم إسرائيلي على لبنان أن يمتنعوا عن المقاومة. وهذه من بديهيات الأمور. وعلى أي حال، قد ينفع التذكير في هذا المقام، أن «حزب الله» هو وارث مقاومات متعددة، وليس مخترع المقاومات في لبنان. لكن المسألة الشائكة في سلوك «حزب الله» أنه أمام كل مفصل دام من مفاصل التاريخ اللبناني الحديث، يعمد إلى تخوين جزء من اللبنانيين بحجة أنهم لم يروا رأيه، ويدأب في مسيرته السياسية على الخلط الفادح بين الرأي والتحليل من جهة أولى والانتماء من جهة أخرى. فلو قال قائل اليوم في لبنان إن اسرائيل لن تهاجم لبنان معدداً الأسباب التي تدعوه إلى تبني هذا الرأي لاعتبره «حزب الله» خادماً للمشروع الإسرائيلي الذي يريد طمأنة اللبنانيين حتى تأخذهم إسرائيل ومقاومتهم على حين غرة. تماماً مثلما كان «حزب الله» يُخوِّن الذين رأوا قبيل حرب عام 2006 أن إسرائيل تعد العدة للهجوم على لبنان وتفتش عن ذريعة مناسبة، باعتبار أن قائل هذا الرأي يضعف إرادة المقاومة ويسهل مهمة الإسرائيليين. وخلاصة هذا السلوك تقول إن «حزب الله» يريد من الناس جميعاً الإيمان الأعمى بما يعلنه، تحت طائلة التخوين. وحيث إن تاريخ «حزب الله» مع اللبنانيين هو تاريخ من الأخطاء في التقدير والتحليل، وتاريخ مواز من الاعتذارات عن الأخطاء، فإن المرء يجد نفسه في وضع كهذا، كما لو أنه محكوم بالعيش من دون عقله. ومن دون تحييد العقل لا يستقيم الحديث عن تحقيق «حزب الله» ولبنان نصراً على إسرائيل في حرب عام 2006، في حين أن قادة لبنان مازالوا يعيشون في الملاجئ. والأرجح أنه النصر الوحيد في التاريخ الذي يلزم قادته، أي هذا النصر، على العيش في الخفاء، كما لو أن غاية الناس، كل الناس، أن تعيش في الأنفاق وتموت على قارعة الطريق. في حين أن الشعوب تعيش تحت الشمس وتدفن أفرادها حين يموتون تحت الأرض. وبين نصر «حزب الله» وهزيمته فارق مثل الفارق بين العيش في السر والموت في العلن أو الموت في السر والعيش في العلن. والأرجح أن أي عاقل يفضل الاحتمال الثاني على الأول.

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top