ثلاثة مواعيد... ثلاثة إخفاقات

نشر في 17-06-2009
آخر تحديث 17-06-2009 | 00:00
 بلال خبيز إنها مصادفة بحت، لكن المصادفات في السياسة لها وزنها، مصادفة بحت أن تلي انتخابات لبنان التشريعية انتخابات إيران الرئاسية، وأن يلي هذه وتلك خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محدداً ما تقبله إسرائيل وما ترفضه.

في الانتخابات اللبنانية جاء نصر الأكثرية ليوقف هجوم الأقلية. الأمور عادت إلى ما كانت عليه قبل أربعة أعوام، أو هكذا نستطيع أن نقدر إذا ما اعتمدنا ماسورة لبنانية بحت للقياس، مازال «حزب الله» مقيماً على سلاحه ومقاتليه، ومازال ميشال عون يملك وزناً في الطائفة المارونية يمكّنه من أن يكون شوكة صلبة في خاصرة أي حل لا يرضى به، والانتخابات أعادت إنتاج أكثرية كانت أكثرية قبل الانتخاب، لكن نصاب لبنان السياسي مازال مختلاً لمصلحة قدرة من يريد التعطيل على تعطيل الحكم، مما يجعل المراوحة في المكان نفسه أفضل الحلول.

لكن لبنان مثلما بات يعرف الجميع، يتصدر عناوين الأخبار في العالم لأسباب لا تتعلق بحجم دوره أو بطليعية ديمقراطيته، إنما يتصدر لبنان عناوين الأخبار في العالم، لأنه بلد مطواع وشديد التأثر بما حوله، وحيث إن الانتخابات التشريعية اللبنانية تلت خطاب أوباما القاهري، وسبقت انتخابات إيران وخطاب نتنياهو، استطاع الفائز أن ينتزع اعترافاً من الخاسر بفوزه. في انتظار شيء ما!

لم يتأخر هذا الشيء، أعادت انتخابات إيران الرئاسية التجديد للرئيس الحالي أحمدي نجاد، ومنافسو نجاد في الانتخابات ومناصروه يدعون أن تزويراً حصل على أعلى المستويات، وأن المشاركين في التزوير هم أيضا من أعلى المستويات. هذا حدا بصحف العالم والعالم العربي أيضا إلى اعتبار ما جرى انقلاباً صامتاً قاده الحرس الثوري الذي بات متحكماً فعلياً بالشؤون الإيرانية وأصبح يحوز من السلطات المعنوية والاقتصادية والإدارية ما يفوق السلطات التي مازال الملالي يحوزونها في إيران، لكن وصف ما جرى بالانقلاب لا يغير في نتيجة الأمر شيئاً بل يفاقم النتيجة السابقة ويعززها. عاد أحمدي نجاد ببساطة لأنه يطلق خطاباً متشدداً ويعقد الحوار مع دول الغرب حول البرنامج النووي الإيراني، وعاد أيضاً، لأن سياساته المتدخلة بفاعلية في شؤون الجيران الأقربين والأبعدين، من الخليج إلى بلاد الشام وفلسطين، أثبتت نجاعتها، إيرانيا طبعاً. والحال فإن الرئيس المجددة ولايته محكوم بأن يتابع المسيرة نفسها، ويستعيد الخطاب المتوتر نفسه، هذا إذا كان يجيد خطاباً آخر.

بعد انتخابات إيران، يجدر باللبنانيين أن يراجعوا التدقيق في ميزان الربح والخسارة!

نتنياهو من جهته، وبعدما تشاور مع مفكرين إسرائيليين ودعاة سلام ناشدوه أن يتخذ موقفاً تاريخياً، لأن اللحظة الدولية والعربية أكثر من مناسبة، وقد لا تتكرر مرة أخرى إلا بعد أجيال، خرج بخطاب يسمي المسميات بغير أسمائها: يريد اعترافاً بإسرائيل دولة لليهود والاعتراف بمجالها الحيوي أيضاً. المجال الحيوي كما يعرف الإسرائيليون والعرب والعالم، يشمل مرتفعات الجولان طبعاً، ومستوطنات الضفة الغربية، والقدس أيضا. ويعترف بدولة للفلسطينيين، لكنها غائمة الحدود والسيادة والأمن.

خلاصة القول: سموا ما أنتم فيه دولة وكفى الله المؤمنين شر المطالبة بالدول. وطبعاً ليس ثمة مجال للبحث في حق العودة أو حتى توسيع لم الشمل.

الرئيس الأميركي اعتبر الخطاب خطوة إلى الأمام، وهو محق بالنظر إلى ما كان نتنياهو يجهر به، أما خالد مشعل فاعتبر الخطاب صفعة على وجه كل من يراهن على السلام مع إسرائيل، على ماذا سنراهن يا سيد مشعل؟ سيجيب بالتأكيد: على خطاب نجادي بصيغة فلسطينية.

في لبنان نظم مناصرو «حزب الله» مسيرات سيارة احتفالاً بفوز أحمدي نجاد بولاية ثانية. كانت المسيرات والاحتفالات دليلاً مرشداً على نقطة ارتكاز التوتر المقبل في البلد. بعد خطاب نتنياهو سيقولون للبنانيين: أقلعوا عن كل أمل، ولنعد إلى نقاط التوتر التي انسحبنا منها. رئيس كتلة نواب «حزب الله» النائب المعاد انتخابه محمد رعد قال في حديث صحافي إن الجنرال ميشال عون واجه حرباً عالمية عليه وبقي صامداً. المهم هو الصمود، وقريباً ستخرج وصفة الصمود وعلى أي نار يجب طبخه لتتمكن الشعوب من ابتلاعه، والصمود مثلما يعرف اللبنانيون جيداً هو الوصفة الأمثل للبقاء في حالة الجمود.

لبنان ليس مهماً إلا لمن كان لبنانياً مثلي، لكن الإشارة إلى ما يجري فيه توضح مسار الأمور في المنطقة، وعلامَ سترسو الأزمات المقبلة؟

ربما بتنا في حاجة إلى خطاب قاهري جديد، لقد انتهى مفعول حبة التفاؤل التي أخذناها والمطلوب تجديد الوصفة الطبية.

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top