دبي ونظرية المؤامرة

نشر في 19-01-2010
آخر تحديث 19-01-2010 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله أعطت التغطية الإعلامية القاسية في الصحف الغربية لأزمة ديون شركة دبي العالمية الانطباع للبعض، بوجود مؤامرة مغرضة تستهدف دبي وترغب في الانتقام من ثاني أكبر مدن الإمارات، وتسعى إلى تحجيم دورها وتضييق الحصار والخناق عليها وعرقلة بروزها، والإساءة إلى دولة الإمارات ونموذجها التنموي الرائد في المنطقة العربية.

كان الفريق ضاحي خلفان، قائد شرطة دبي أول من طرح فكرة أن دبي مستهدفة من الإعلام الخارجي، وأن هناك مؤامرة مغرضة ضدها، وقد جاء أكثر من رد مباشر وغير مباشر في حينه من أقلام عربية وأخرى محلية رصينة تستبعد فكرة المؤامرة وترفض أطروحة أن دبي مستهدفة من قبل الإعلامين العربي والأجنبي. وكان الزميل عبدالرحمن الراشد الأكثر وضوحا عندما ذكر في عموده اليومي في جريدة «الشرق الأوسط»، أن من يعتقد أن دبي مستهدفة «واهم وعليه مراجعة موقفه». ففي تقدير الإعلامي عبدالرحمن الراشد أن «دبي تدفع ضريبة الشهرة وثمن النجومية». فالتركيز الإعلامي سلبا وإيجابا هو الوجه الآخر للنجومية والشهرة والدخول في عالم الأضواء الذي دخلته دبي من أوسع الأبواب.

وعلى الرغم من تراجع الهجمة الإعلامية القاسية قليلاً بعد وضوح الصورة أكثر بالنسبة لقضية إعادة هيكلة الديون المستحقة على شركة دبي العالمية، وافتتاح برج خليفة، في 2 يناير 2010، فإن فكرة المؤامرة التي تستهدف دبي لم تتوقف، بل طرحت مجددا خلال الأسبوع الماضي من قبل الزميل عبدالحميد أحمد، رئيس تحرير صحيفة «غلف نيوز»، أكثر الصحف الناطقة باللغة الإنكليزية انتشارا في الإمارات.

لقد وصف الزميل عبدالحميد أحمد الضجة الإعلامية التي تناولت دبي في الآونة الأخيرة «بالمسعورة والغوغائية»، وأن غرضها «الإساءة إلى الإمارات»، وتحمل في طياتها «أجندة سياسية ضد بلادنا»، وتذكرنا «بالماضي الاستعماري الذي يعيشه البعض من الصحافيين في الغرب». ثم أضاف أن الجهات التي «تقف وراء هذه الحملة» لا تستطيع أن تصدق أن دولة ناشئة، كدولة الإمارات «صارت لاعبا دوليا وحجزت مقاعد لها في قائمة الكبار».

المؤامرة موجودة في الحياة، وهي جزء لا يتجزأ من دنيا السياسة المليئة بالصراعات والمنافسات، لكن التفسير التآمري للوقائع قد يكون صحيحا أو غير صحيح. الوظيفة الرئيسة لنظرية التآمر هي تبرئة النفس من التقصير، وذريعة للتهرب من المسؤولية المترتبة على الأخطاء، فكل من لا يريد تحمل مسؤولية أفعاله يؤمن بنظرية المؤامرة، ويخلط بين الواقع والأوهام، وبين الحقائق والدسائس، ويستهل الاعتقاد بوجود قوى شريرة تدير الأحداث خلف الكواليس ووفق أجندات خفية ومغرضة.

في ظل غياب تفسيرات موضوعية لدوافع المبالغات الإعلامية في الصحف الغربية خصوصا البريطانية، لجأ البعض إلى نظرية المؤامرة وبعيدا عن التفكير العقلاني والتفسير المنطقي والعلمي. وعلى الرغم من سذاجة التفكير التآمري فإنه لا يمكن استبعاده كليا ونهائيا، خصوصا أن المؤامرة لا تعني الاستهداف فحسب، بل تتضمن أيضا الاستدراج والتشكيك والصراع الخفي والعلني، ونشر معلومات مضللة ومغرضة وغير دقيقة من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الضغط المعنوي، والحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات على طاولة المساومات والمفاوضات. الحرب النفسية ضد الخصم حقيقة قائمة تلجأ إليها الدول والشركات كما الأفراد.

جميع عناصر الحرب النفسية كانت واردة في حالة الضجة الإعلامية التي أثيرت حول أزمة ديون شركة دبي العالمية، فكانت المصارف العالمية تدير مثل هذه الحرب من أجل ابتزاز دبي قبل الجلوس معها من أجل التفاوض حول إعادة هيكلة ديونها. لم يكن الغرض من الحملة الإعلامية الاستهداف بل الاستدراج والتشكيك وزعزعة الموقف التفاوضي قبل بدء المفاوضات من أجل الحصول على أكبر قدر من التنازلات.

لكن بعيدا عن العقلية التآمرية من المشروع طرحت أسئلة حول الأبعاد السياسية لأزمة ديون دبي، ومن المستفيد الأكبر من تحجيم دور دبي في المنطقة؟ وهل يوجد من يود الإساءة إلى نموذجها التنموي؟

ربما لم تكن هناك مؤامرة، ولم تكن دبي مستهدفة، لكن تسييس أزمة الديون وارد جدا، كما أن الاستغلال السياسي للصعوبات المالية التي تمر بها دبي قائم دائما. فهذا هو عصر السياسة والتسييس بامتياز. لقد تم تسييس كل قضية حياتية، صغيرة كانت أم كبيرة، ومجال تسييس قضية كقضية ديون دبي، وظاهرة ضخمة بحجم مدينة دبي واسع كل الاتساع.

من المشروع الاعتقاد بأن بعض المدن القريبة والبعيدة كما الأطراف الإقليمية والعالمية، تسعى جاهدة إلى استغلال أزمة الديون لتحجيم دبي، ومعاقبتها وممارسة الضغط عليها، وذلك من منطلق أنها تطاولت على أدوار الآخرين، وأخذت حجما أكبر من حجمها، ومكانة أكبر من مكانتها، وتسببت بقصد أو من دون قصد في إحراجها بعد أن توسعت وتعولمت وجذبت رجال المال والأعمال، وأتت بالشركات والاستثمارات، وأصبحت على وشك أن تحتكر السياحة والتسوق، كما أنها استقطبت المواهب الخلاقة التي وجدت في هذه المدينة العربية ما لا تجده في المدن الأخرى في المنطفة. الصراعات المعلنة وغير المعلنة بين دبي والمدن الأخرى قديمة وقائمة وتتجدد باستمرار.

لقد استغل البعض أزمة ديون دبي لتحقيق عدة أغراض كالتشكيك في مصداقية المدينة، والسخرية من نجاحاتها، والإساءة إلى سمعتها، وتضييق الحصار عليها، ووقف التمويل عن مشروعاتها المستقبلية في وقت أصبح التمويل الدولي صعبا ومحدودا ومقيداً أكثر من أي وقت آخر. كما استغل البعض هذه الأزمة لدفع هذه المدينة الجريئة والمندفعة للتواضع قليلا بعد أن أخذها النجاح العالمي بعيدا عن محيطيها المحلي والإقليمي.

كل ذلك يقع في باب الاستغلال المشروع وغير المشروع للأزمة، ولا يدل على وجود قوى شريرة وخفية تتآمر ضد المدينة. دبي مسؤولة مسؤولية كاملة عن قراراتها وسياساتها، ومن المهم عدم التهرب من المسؤولية وتبرئة النفس من الأخطاء عبر التفكير التآمري لفهم الضجيج الإعلامي.

لقد عاشت دبي مثل هذا الضجيج من قبل، وهي قادرة على التعايش معه في أوقات اليسر والعسر، وتبقى دبي كما يقول الدكتور مروان إسكندر «ضرورة حضارية واقتصادية لمنطقة ممتدة من باكستان غربا، والعراق شمالا، وموريتانيا غربا، ووسط إفريقيا جنوبا. لذلك فإن المحافظة على دبي هدف سام لكل من يرغب في نجاح العرب مستقبلا».

*باحث وأكاديمي إماراتي

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top