إيران التهديد والتصعيد

نشر في 11-05-2010
آخر تحديث 11-05-2010 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله حديث الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات الذي قال «إن الاحتلال هو احتلال ولا فرق بين احتلال إيراني لجزر الإمارات واحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية»، أثار غضب واستياء إيران، وهو غضب في غير محله واستياء في غير موضعه، فالإمارات حريصة على حسن الجوار ولا ترغب إطلاقا في افتعال معركة غير ضرورية مع إيران التي يكفيها ما تعيشه حاليا من معارك مع المجتمع الدولي والعالم الخارجي على جميع الجبهات.

لكن يبدو أن طهران قررت مع سبق الإصرار مواجهة الإمارات بالتصعيد والتهديد، وجاء أول رد فعل عن طهران باستدعاء القائم بالأعمال في سفارة الإمارات في طهران، ووجهت له «تحذيرا شديد اللهجة» بعدم تكرار مثل هذه التصريحات، مع وعد برد «انتقامي حازم».

ولم يتوقف الأمر عند حد الاحتجاج الرسمي بل تمادت إيران في إطلاق حملة مسعورة يقودها أعضاء مجلس الشورى ووسائل الإعلام الإيرانية شملت أطناناً من التهديد والوعيد وإطلاق الاتهامات والإهانات والمناورات العسكرية التي تتم بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات، وفجأة أصبحت الإمارات أمام الجار الإيراني الذي فقد توازنه، وجن جنونه وكشف عن وجه العنصري والاستعلائي والعدائي.

تشبيه الاحتلال الإيراني بالاحتلال الإسرائيلي لم يكن الأول من نوعه الصادر عن مسؤول إماراتي وخليجي، وحتما لن يكون الأخير، وسوف يتكرر مستقبلا، وفي كل مناسبة إلى أن تستعيد الإمارات سيادتها على جزرها المحتلة. إذا كانت إيران جادة حقا في عدم سماع تشبيه «الاحتلال الإيراني بالاحتلال الإسرائيلي»، فالمدخل إلى ذلك ليس التهديد والتصعيد والوعيد، بل عبر إغلاق ملف الاحتلال العالق منذ عام 1971، والذي يتسبب في توتر العلاقات بين طهران وأبوظبي، ويساهم في ديمومة التوتر في الخليج العربي.

عندما تعود الجزر المحتلة إلى الإمارات لن يتحدث أحد عن الاحتلال الإيراني الذي لا يختلف في ممارساته وأفعاله القمعية ضد سكان جزيرة أبو موسى عن الممارسات القمعية التي يمارسها العدو الإسرائيلي ضد الشعب العربي في فلسطين المحتلة. معاناة سكان جزيرة أبوموسى اليومية، على قلة عددهم الذي لا يتجاوز الألف فرد، تحت الاحتلال الإيراني لا تختلف كثيرا عن معاناة سكان قطاع أهل غزة المحاصرة إسرائيليا.

إذا كانت إيران واثقة من حقها ولديها الأدلة التاريخية والقانونية، فلماذا لا تقبل بالتحكيم الدولي الذي تدعو إليه الإمارات من أجل إنهاء هذا الخلاف بالطرق السلمية والقانونية القائمة على مبدأ الاحترام المتبادل. إيران ترفض رفضا قاطعا اللجوء إلى المحكمة الدولية، وتتحدث بمنطق القوة والاحتلال مع الإمارات التي نفد صبرها مع الجار الإيراني الذي لا يحترم حق الجيرة.

لقد أكدت الإمارات مراراً وتكراراً أنه لا يوجد «سوء فهم بين الإمارات وإيران بل احتلال حقيقي لا يختلف عن الاحتلال الأميركي للعراق والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين»، خصوصا مع تسارع حركة الاستيطان الإيراني وقرار طهران فتح مكتبين في جزيرة أبوموسى أحدهما للإنقاذ البحري والآخر لتسجيل السفن في مايو 2008.

في حينها تحدث عبدالرحمن العطية، أمين عام مجلس التعاون وبالنيابة عن دول المجلس بنفس القدر من الصراحة مع الجانب الإيراني عندما شبه «احتلال إيران للجزر الإماراتية بالاحتلال الإسرائيلي».

ليس هناك من جديد في موقف الإمارات الرسمي الذي يتحدث باستمرار عن الاحتلال الإيراني. لماذا إذن صعدت وهددت طهران، وخرجت وسائل الإعلام الإيرانية عن طور الأدب واللياقة في تعليقاتها الساخنة على حديث الشيخ عبدالله بن زايد الذي لم يقل بأكثر مما قيل في المناسبات السابقة، والذي لا يستحق كل هذا التصعيد الإعلامي؟

هناك أكثر من تفسير محتمل للتصعيد والتهديد الإيراني الأخير، فمن ناحية أولى يأتي هذا التصعيد رد فعل على حالة العزلة المتزايدة التي تعيشها إيران حاليا هاجس العقوبات الاقتصادية القادمة بقرار أممي جديد. من المؤكد أن هذه العقوبات ستنهك إيران، وستزيد من عزلتها خليجيا وعربيا ودوليا، وستجعل الجار الإيراني الصعب أكثر صعوبة، وستكون طهران أكثر عدائية، وستندفع نحو المزيد من المغامرات الخارجية واستسهال لغة التهديد والتصعيد تجاه دول مجلس التعاون.

مزاج التصعيد والتهديد هو أيضا انعكاس للوضع الإيراني الداخلي المتأزم سياسيا ومعيشيا، والذي يتجه نحو المزيد من التأزم، فإيران تعيش أزمة سياسية ومعيشية حادة، وستلجأ إلى تصدر أزمات الداخل إلى الخارج من خلال التهديدات العنترية، والاستعراضات العسكرية، وافتعال المعارك الجانبية الصغيرة والكبيرة.

لكن هناك أيضا تفسير آخر أكثر أهمية له علاقة ببروز الإمارات كقوة إقليمية جديدة تزداد ثقة بنفسها وبقدراتها والمستندة إلى شبكة واسعة من الأصدقاء الذين أصبحوا أكثر تجاوبا مع حقها في استعادة جرزها المحتلة بالوسائل السلمية، ومن حق الإمارات توظيف هذه المكتسبات لممارسة الضغط المعنوي والدبلوماسي على طهران لإنهاء احتلال الجزر العربية الذي طال أكثر مما ينبغي له أن يطول.

علاوة على ذلك بدأ صانع القرار في طهران يدرك أن الإمارات قادرة على استعادة جزرها بالقوة إن تطلب الأمر ذلك. صحيح أن الإمارات دولة صغيرة، حجما وسكانا، لكنها استثمرت كثيرا في تحديث قواتها المسلحة، وتطوير قدراتها العسكرية الدفاعية والهجومية، ولديها قوة جوية هي الأكثر تطورا وكفاءة في الخليج العربي، وقادرة على الوصول إلى العمق الإيراني، كما اكتسبت القوات المسلحة الإماراتية خبرات قتالية ميدانية مهمة، وأصبحت لأول مرة قادرة، إن رغبت في ذلك، أن تسترد جزرها والاحتفاظ بكل شبر من أراضيها عسكريا. القوات البحرية الإماراتية قادرة على استعادة الجزر في أقل من 24 ساعة، والقوات الجوية مستعدة للاحتفاظ بها، لكن مهما بلغت الإمارات من القوة والثقة بالنفس فإنها لن تفتعل المعارك غير الضرورية مع إيران، ومن غير الوارد أن تتسبب في حرب جديدة في المنطقة.

تصريحات الشيخ عبدالله بن زايد عن الاحتلال الإيراني الذي لا يختلف كثيرا عن الاحتلال الإسرائيلي تعكس واقع الثقة بالنفس السائدة في الإمارات حاليا. هذه اللغة الواثقة والواضحة كل الوضوح لا شك أنها تزعج إيران كثيرا، وتدفعها نحو التصعيد والتهديد كنمط جديد في التعامل مع الإمارات ودول الجوار الجغرافي.

على إيران أن تتواضع قليلا، وتختار لغة الحوار بدلا من لغة التصعيد والتهديد الصادر عن الأسد الإيراني، الذي لا يقلل أحد من شراسته، لكن الكل يدرك أنه منهك في الداخل ومحاصر من الخارج. فمهما ارتفع زئير الأسد الإيراني، فإن الإمارات مستمرة في سياسة حسن الجوار، لكنها لن تسكت عن الاحتلال، وهي واثقة ومطمئنة كل الاطمئنان أن جزرها ستعود عاجلا وليس آجلا، وبالطرق السلمية وليس بالوسائل العسكرية المتاحة الآن لدولة الإمارات أكثر من أي وقت آخر.

* باحث وأكاديمي إماراتي

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top